عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Jan-2025

توجس أميركي من مرحلة ما بعد الأسد

 الغد

سام كيلي* – (الإندبندنت) 2024/12/12
عكس القصف الأميركي في سورية بعد سقوط النظام قلقا غربيا من مرحلة ما بعد الأسد، مع تصاعد المخاوف من استغلال الجماعات المتطرفة الفراغ السياسي لبناء نظام ديني متشدد في البلاد.
 
 
 
بدت واشنطن مذهولة من الانهيار المفاجئ لنظام بشار الأسد في سورية خلال الساعات التي تلت سقوط النظام. لكن ذهولها لم يكن بقدر الذهول الذي أصاب كل من كان على الأرض عندما شن سلاح الجو الأميركي عشرات الغارات الجوية على 785 موقعا في سورية، بينما كان الأسد في طريقه إلى المنفى في موسكو.
ولم تكن تلك الغارات دعما أميركيا للتمرد الذي أطاح بحكم آل الأسد بعد أكثر من 50 عاما قضوها في السلطة. لقد أطلق الـ"بنتاغون" العنان لقاذفات القنابل من طراز "بي-52" والمقاتلات من نوع "إف-15" و"إيه-10 وارتهوغ" لأن الائتلاف الذي زحف على دمشق بقيادة "هيئة تحرير الشام" مرتبط بالتطرف الإسلاموي العالمي.
تتمتع الولايات المتحدة، بمساعدة وحدات صغيرة من القوات الخاصة والاستخبارات الخارجية البريطانية، بوجود كبير في شرق سورية حيث تستخدم قواعد يحميها أكراد سوريون، وكذلك بعض المخابئ الصحراوية المخصصة لشن حملات ضد ما تبقى مما يُسمى "داعش". وعنى الانتصار المفاجئ للمتمردين على الحكومة السورية أن "داعش"، بغض النظر عن مدى اعتدال "هيئة تحرير الشام" وحلفائها الجدد، سيحاول استعادة بعض الأراضي التي كان يحكمها في السابق. ولدى "داعش" من القواسم المشتركة مع الثوار السوريين ما يفوق الآن القواسم المشتركة التي امتلكها ذات يوم مع نظام الأسد العلماني المخلوع.
في دمشق، دعا زعيم "هيئة تحرير الشام"، أحمد الشرع، إلى تشكيل حكومة انتقالية، وأصدر أنصاره أوامر تتضمن حظر إطلاق النار عشوائياً وتصر على عدم إجبار النساء على ارتداء الزي الإسلامي المحافظ. ورسالته هي: "لسنا داعش"، لكنه كان عضوا في "داعش" وانتسب أيضا إلى "القاعدة". كما أن الكثيرين من أعضاء المليشيات التي تشكل الائتلاف الذي انتصر في هذه المرحلة من الحرب الأهلية في سورية يشتركون في العقيدة مع مؤسس "القاعدة" أسامة بن لادن ومؤسس "داعش" أبو بكر البغدادي.
مثلما أصبحت بعض المناطق المحررة من سلطة الأسد بعد العام 2012 نقطة جذب للمتشددين الجهاديين من مختلف أنحاء العالم، من المتحتم أن تجتذب سورية المحررة بالكامل من الديكتاتور متطرفين إلى بلد تخلص من النفاق والقتل والفساد الذي ميز الحكم العلماني للأسد.
كما أن لديهم أيضاً استياء شديدا يستندون إليه، مهما ادعى الائتلاف والفريق الانتقالي الذي تقوده "هيئة تحرير الشام" خلاف ذلك، وسيتدفق كثيرون إلى سورية لإنشاء دولة يأملون أن تكون منارة في الظلام المحيط بالشرق الأوسط.
الاسم الحركي للشرع هو "أبو محمد الجولاني"، أي المتحدر من مرتفعات الجولان. ومرتفعات الجولان هي أراض سورية احتلتها إسرائيل في العام 1967. وقد اتخذت إسرائيل بعد سقوط النظام السوري مزيداً من الإجراءات لإقامة "منطقة عازلة" هناك، وسوف يرغب الجولاني في تحرير الجولان من إسرائيل بقدر ما رغب في تحرير دمشق من الأسد.
باعتباره إسلامويا، يؤمن الشرع بأخوة المسلمين من خلال "الأمة" (المجتمع الإسلامي العالمي). وهو يترأس الآن سورية التي اعتنقت القومية العربية (من خلال "حزب البعث" بزعامة الأسد) وقد تكون الآن بمثابة قاعدة لاستعادة الأرض والثأر لأرواح المسلمين التي أُزهقت.
كان ما نسبته 80 في المائة من أصل 43 ألف شخص قتلتهم إسرائيل في غزة خلال الأشهر الثلاثة عشر الماضية من النساء والأطفال. وقد أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ويبدو موقف المملكة المتحدة غامضاً بشأن ما إذا كان هذان الإسرائيليان يواجهان خطر الاعتقال فيها، بينما ترفض الولايات المتحدة قرار "المحكمة الجنائية الدولية" بشكل قاطع، وما تزال إسرائيل تحصل على مساعدات عسكرية من أميركا وتستطيع شراء الأسلحة من المملكة المتحدة.
لا يوجد في الغرب ما يشير إلى أن إسرائيل -التي تواصل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بطريقة غير قانونية، ولديها خطة لطرد جميع الفلسطينيين البالغ عددهم 2.5 مليون فلسطيني من قطاع غزة- ستواجه خطر التعرض لعقوبات اقتصادية إذا نفذت الخطة. ولنقارن هذا بالعقوبات الخانقة التي فُرضت على موسكو، وقرار "المحكمة الجنائية الدولية" الذي قضى بأن يواجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الاعتقال في مطار هيثرو، وحظر الأسلحة القوي الذي يواجهه الاتحاد الروسي.
قتل نظام بوتين، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، 12 ألف مدني في أقل من ثلاثة أعوام بقليل. ويبدو الموقف من حكم المحكمة الدولية لكثيرين من غير المتطرفين عنصرية ونفاقاً من جانب الغرب، وأنه مجرد أحدث مثال على عدم أهمية حياة أصحاب البشرة السمراء في نظر القادة الغربيين. وقد أظهر غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة مدى قلة معرفة واشنطن أو اهتمامها بعواقب عنفها.
كان رفض باراك أوباما الوفاء بوعده بمعاقبة الأسد على الهجمات التي شنها بأسلحة كيماوية على شعبه قد أوضح هذه النقطة، بالإضافة إلى رفضه قبل ذلك دعم القوى الديمقراطية التي ثارت ضد نظام الأسد في المقام الأول. والآن حلّ السوريون، ومعظمهم من المسلمين السنّة، مشكلتهم الخاصة بأنفسهم من خلال تخليص بلادهم من الأسد. وخلال قيامهم بذلك، سحقت الولايات المتحدة أكبر قدر ممكن من "داعش" لمنع المتطرفين من التدفق غرباً إلى دمشق، وقصفت إسرائيل كل الأسلحة المتطورة التي اعتقدت بوجودها في سورية لمنع أي شخص من استخدامها لتحرير الجولان مثلاً. وقد ترغب القيادة الجديدة في سورية في إنشاء دولة جديدة آمنة يرغب ملايين اللاجئين في العودة لها، وتفي بوعدها بتوفير الأمن للأقليات الدينية والعرقية.
لكن نجاح التمرد في حد ذاته قد يكون العامل الذي سيقضي عليه إذا ما قام بجذب كثيرين ممن لديهم خطط أكثر خطورة. وتُظهر الغارات الأميركية الأخيرة مدى قرب بعض هذه الأخطار الآن.
 
*سام كيلي: كاتب وصحفي يعمل مع صحيفة "الإندبندنت" البريطانية.