عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Jan-2021

“منتجع” لإيواء مسلمي الروهينغا* مرح البقاعي
من نافلة القول إن أحوال اللاجئين تتقاطع في غير موقع من مواقع اللجوء في العالم، ويكاد القاسم المشترك الأعظم بين أفرادها الأكثر قهرا ومعاناة هو تعرضهم للاضطهاد على أرضهم الأم
 
النشرة الدولية –
 
نهاية درامية للاجئي مسلمي الروهينغا الذين نجوا بأرواحهم من حملات التطهير العرقي التي طاردتهم في موطنهم الأصلي بورما، وانتهى بهم المطاف بشكل مؤقت في بلد الجوار بنغلاديش؛ إذ قامت أربع سفن تابعة لبحرية بنغلاديش في اليوم الأخير من العام الماضي 2020، الذي رحل غير مأسوف عليه، بنقل المئات منهم من مخيمات اللجوء إلى جزيرة نائية تقع على مسافة ثلاث ساعات من ساحل البلاد. وأشارت القنوات الرسمية في بنغلاديش إلى أن 1800 لاجئ من أصل ما يقارب مليونين يعيشون في مخيمات “كوكس بازار” منذ هروبهم من الحملة العسكرية التي طالتهم في عقر دارهم، يريدون بدء حياة جديدة في جزيرة “بهاشان شار”، حيث سبقهم إليها منذ أسابيع المئات من شركاء الرحيل القسري وبرد الخيام.
 
وتخطّط حكومة بنغلاديش لترحيل مئة ألف لاجئ إلى الجزيرة غير المأهولة التي تبلغ مساحتها 56 كيلومترا مربعا، وذلك بالرغم من انتقادات المراقبين الدوليين ومنظمات حقوق الإنسان لكون بهاشان شار جزيرة معزولة وعرضة لفيضانات خليج البنغال على مدار العام، في حين يصفها وزير الخارجية أبوالكلام عبدالمؤمن بأنها “منتجع جميل” في تصريح له نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
 
ليس اللاجئون السوريون في مخيماتهم إلا النموذج الأفدح لاضطهاد حكومة البعث في دمشق من جهة، ولإنكار حق الجار على الجار ولاسيما في حالة اللجوء عبر الحدود هربا من العنف
 
الأمم المتحدة التي لم تشارك ولم تشرف على انتقال اللاجئين إلى منفاهم الجديد في الجزيرة، كانت قد صنّفت حملة التطهير التي أدارتها حكومة بورما على قرى الروهينغا على أنها إبادة جماعية، واعتبرتها سببا في هروب ما يقارب 750 ألف شخص من أقلية الروهينغا والانضمام إلى 200 ألف من أترابهم كانوا قد سبقوهم إلى بنغلاديش في موجات لجوء متواترة منذ العام 2017.
 
وبينما لم يتضح الأمر ما إذا كان لاجئو الروهينغا قد قرروا طوعا الاستقرار في الجزيرة أم أنهم دفعوا إلى هذا القرار دفعا بواسطة إجراءات تقلّبت بين الترغيب والترهيب، تسري أخبار بأن مبالغ مالية عُرضت على بعض العائلات مقابل مغادرة مخيمات اللجوء، وأن متطوعين يعملون لحساب السلطات المشرفة على المخيمات أغلقوا منازل بعض اللاجئين لإجبارهم على الخضوع للانتقال إلى الجزيرة، ناهيك أن البعض منهم قد تعرّض للضرب والتعنيف لدفعه إلى المغادرة.
 
كانت بورما قد شهدت في العام 2017 العهد الأول لها في ظل حكومة مدنية منتخبة، لكن رغم طبيعة الحكم المدني، ظلّ الجيش القابض الرئيس على مفاصل الدولة، واستمر في منع الجهود الرامية إلى تعديل دستور العام 2008 الذي يسمح للقوات المسلحة الاحتفاظ بالسلطة المطلقة على قطاعات الأمن القومي والإدارات العامة، وكذا يتيح لها تعيين 25 في المئة من المقاعد البرلمانية، وهو ما يمنحها حق تعطيل أي تعديلات دستورية ممكنة باتجاه ترجيح كفة الحكم المدني.
 
وفي تاريخ 25 أغسطس، وردّا على هجمات منسّقة على مواقع قوات الأمن الحكومية من طرف مسلحين من “جيش إنقاذ الروهينغا”، شنت القوات الحكومية عملية عسكرية واسعة النطاق ضد السكان من الروهينغا، وارتكبت المذابح وجرائم الاغتصاب والاحتجاز التعسفي والحرق العمد في القرى المنكوبة. وأظهرت صور الأقمار الصناعية أن أكثر من 340 قرية دُمّرت بشكل مهوّل، بينما قُتل العديد من الهاربين من هذا الجحيم بسبب الألغام الأرضية التي زرعها الجنود على الطرق البرية الحدودية بين بنغلاديش وبورما.
 
تفاعلا مع أزمة الروهينغا، عقد مجلس الأمن في سبتمبر عام 2018 أول جلسة مفتوحة للبت بالوضع في بورما. وفي حين عرقلت الصين مشروع قرار كان سيصدر بهذا الشأن مهدّدة باستخدام الفيتو، اعتمد المجلس بيانا أعرب فيه عن بالغ قلقه إزاء التقارير التي تفيد بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان في ولاية راخين من جانب قوات الأمن الحكومية، ودعا بورما إلى التعاون مع هيئات التحقيق التابعة للأمم المتحدة.
 
أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فقد اعتمدت  قرارا صاغته “منظمة التعاون الإسلامي” يدعو إلى وضع حد للعمليات العسكرية، وإتاحة الفرصة لوصول المساعدات الإنسانية والجهات الفاعلة دون عوائق، والعودة المستدامة للاجئين إلى أماكنهم الأصلية، والمساءلة عن الانتهاكات والتجاوزات، والاحترام الكامل لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للروهينغا، بما فيها المواطنة الكاملة. كما طالب القرار بتعيين مبعوث أممي خاص إلى بورما.
 
من نافلة القول إن أحوال اللاجئين الإنسانية تتقاطع في غير موقع من مواقع اللجوء في العالم؛ ويكاد القاسم المشترك الأعظم بين أفراد هذه الفئة من الناس الأكثر قهرا ومعاناة، هو تعرّضهم للاضطهاد على أرضهم الأم، اضطهاد غالبا ما يكون منظّما، تديره حكومات استبدادية مارقة بعصا عسكرها الغليظة لتنفيذ حملات من التهجير القسري تخدم مآرب السلطة المركزية القابضة على البلاد والأرواح في آن.
 
وليس اللاجئون السوريون في مخيماتهم إلا النموذج الأفدح لاضطهاد حكومة البعث في دمشق من جهة، ولإنكار حق الجار على الجار ولاسيما في حالة اللجوء عبر الحدود هربا من العنف وحملات القتل والتدمير المنظمة من جهة ثانية، ولتغاضي المجتمع الدولي عن تطبيق القرارات الدولية الداعمة لعودة هؤلاء المهجّرين قسرا إلى أرضهم الأولى ضمن شروط الكرامة والأمن والحماية من التعرّض لأي أذى، وتأمين سبل العيش المستقرّة، من جهة ثالثة.
 
1800 لاجئ من أصل ما يقارب مليونين يعيشون في مخيمات “كوكس بازار” منذ هروبهم من الحملة العسكرية التي طالتهم في عقر دارهم، يريدون بدء حياة جديدة في جزيرة “بهاشان شار”
 
وليس الحريق المتعمّد الذي أشعل مأوى مئة عائلة سورية لاجئة في مخيم المنية شمال لبنان وأحالها إلى رماد، معرّضا تلك العائلات للاضطهاد من جديد ولصدمة فقدان السقف المؤقت في بلد اللجوء بعد أن انهار سقف الوطن الأم على رؤوسها، بالبعيد البتة.
 
تجتمع حكومتا بورما والأسد في سوريا على قائمة واحدة للأمم المتحدة هي “قائمة العار”. فالحكومتان مدرجتان ضمن هذه القائمة السوداء على مستويين: المستوى الأول هو رعايتهما للجماعات المسلحة والميليشيات المتورطة بالنزاعات الأهلية والاتجار بالحروب ومفرزاتها، وعلى مستوى ثان يتعلق بمنهجية الدولة واستخدامهما الجيش النظامي في أعمال قتالية تستهدف المدنيين العزل في مناطق سكناهم، وكذا المنشآت الحيوية الخدمية والبنى التحتية.
 
وإلى أن تأخذ العدالة الإنسانية والقانونية طريقها إلى هؤلاء المعذبين في الأرض، يبقى الجرح البشري مفتوحا ونازفا، بينما تغدو الحاجة إلى انقلاب حقيقي في المشهد السياسي في كل مكان فيه موطئ قدم لطاغ، فرضَ عين.