عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Mar-2025

الذكاء الاصطناعي في الجوائز الأدبية: نحو تحكيم أكثر عدالة؟

 القدس العربي-مولود بن زادي

حقق الذكاء الاصطناعي انتشارا واسعا، مكتسحا مجالات متعددة، مؤديا مهام متنوعة بسرعة وكفاءة وإنصاف غير مسبوق. وقد ألهمني ذلك لنشر مقال في «القدس العربي» (13 أكتوبر/تشرين الأول) بعنوان «مسابقات الجوائز الأدبية: هل آن الأوان لتحكيم الذكاء الاصطناعي؟»، مقترحا استخدام هذه التقنية في واحدة من أكثر الساحات إثارة للجدل: الجوائز الأدبية. وتابعت المقال بنسخة إنكليزية، آملا أن تصل الفكرة إلى جماهير أخرى. فتعدّت المفاجأة توقعاتي، إذ لقي المقال صدى لدى منظّمي الجوائز الأدبية. بلغتني رسالة من تيمو بوزسوليك توريس، مهندس برمجيات وعالم بيانات، عمل لمدة طويلة لدى شركة غوغل وكان له دور بارز في تطوير تطبيق جمني، قبل أن يؤسس منصة كوانتيفيكشن.كوم المتخصصة في التقييمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، الذي عبر عن دعمه الأفكار المطروحة في المقال. واليوم، بالتعاون مع ماي بوليتزر.كوم، يعلن عن إطلاق أول مسابقة جوائز أدبية في التاريخ تستخدم الذكاء الاصطناعي، سيتم تقديمها في معرض لندن للكتاب المقبل (11-13 مارس/آذار).
 
الذكاء الاصطناعي حكم رياضي
 
وإن كانت هذه التجربة الأولى من نوعها في الحقل الأدبي، إلا أن الذكاء الاصطناعي في واقع الأمر حاضر في مجالات متعددة، ومنها المنافسات الرياضية. فبعد هيمنة الحكام البشر لحقبة طويلة على شتى المنافسات الرياضية، ها هو الذكاء الاصطناعي يبرز اليوم كمكمل قوي للتحكيم التقليدي، ويثبت قدرته الفائقة على التنافس مع الإنسان على كرسي التحكيم، بل على انتزاع كرسي التحكيم من أيدي البشر، عن استحقاق، بما يملكه من سعة ذاكرة ومعرفة وسرعة ودقة وحياد، مما يتجاوز قدرات البشر.
ولعل أبسط مثال على ذلك ما حدث خلال مباراة العودة الشهيرة على لقب بطولة العالم للوزن الثقيل الموحَّد بين أوليكسندر أوسيك وتايسون فيوري. وفق تقرير نشرته منصة البث الرياضي «دازن»، تم استخدام نظام تجريبي يعتمد على الذكاء الاصطناعي رفقة ثلاثة حكام تقليديين. بينما أعلن الحكام البشر نتيجة المباراة 116-112 لصالح أوسيك، عرض نظام الذكاء الاصطناعي نتيجة مختلفة، معلنا فوز أوسيك بهامش أكبر، بنتيجة 118-112. ومنح الذكاء الاصطناعي تايسون فيوري أربع جولات فقط من أصل 12 جولة ـ ما يشير إلى تفوق الذكاء الاصطناعي البارز على كل المستويات. اقتحام الذكاء الاصطناعي مجال التحكيم الرياضي وثبة كبيرة نحو الأمام في سبيل تقليل الأخطاء البشرية، وتحقيق نتائج دقيقة وإصدار قرارات وأحكام عادلة. ومع استمرار التطور التكنولوجي الذي يشهده عالمنا، يُتوقع أن يشغل التحكيم المدعوم بالذكاء الاصطناعي مكانة بارزة في عالم المنافسات الرياضية بكل أصنافها، موفرا للرياضيين والمدربين والمشجعين معا نظام تقييم أكثر دقة ونزاهة وعدالة، بعيدا عن الجدل الدائم الذي يكتنف التحكيم البشري.
 
الذكاء الاصطناعي خبير قانوني
 
فضلا عن المجال الرياضي، اقتحم الذكاء الاصطناعي الحقل القانوني، محدثا ثورة جذرية في طريقة تقديم الخدمات القانونية وتحليل القضايا، ومسهما في تبسيط الإجراءات المعقدة، وتحسين دقة التحليلات، وتوفير الوقت والجهد للمحامين والقضاة، فاتحا آفاقا جديدة لعدالة ذكية وفعّالة. فحسب «بي بي سي» البريطانية، «تلجأ شركات المحاماة بشكل متزايد إلى تقنية الذكاء الاصطناعي لمساعدتها على معالجة كميات هائلة من البيانات القانونية». كما أفاد باحثون بأن «نظام الذكاء الاصطناعي تنبأ بدقة بنتائج مئات القضايا المعروضة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان». ويساهم الذكاء الاصطناعي أيضا في تطوير أساليب تقديم المشورة القانونية، إذ يلجأ عدد متزايد من العيادات إلى هذه التقنية لتقييم الخدمة بسرعة وفعالية. ومن الأمثلة البارزة «عيادة أزمة تكلفة المعيشة» التابعة لمؤسسة ويستواي تراست في لندن، التي تتكفل بمساعدة المعوزين غير القادرين على تحمّل تكاليف النزاعات القانونية ومواجهة خصوم أكثر مالا وثراء. يقول آدم سامجي وهو مستشار قانوني مساعد، مؤكدا كفاءة الذكاء الاصطناعي: «نصرف بضع دقائق في مراجعة المستندات وتحرير المعلومات الشخصية للعميل، ثم نقوم بتحميلها عبر نموذج الذكاء الاصطناعي، الذي يُوفر لنا الرؤى اللازمة. وعادة ما يعود بالنتائج في ظرف 10 إلى 15 دقيقة». ويضيف: «إنه يوفر لنا ساعات من العمل اليدوي، مما يسمح لنا، كمتطوعين قانونيين، باستخدام وقتنا بكفاءة أكبر لخدمة عملائنا بشكل أفضل».
 
حكم محايد في مسابقات الجوائز
 
يُثار الجدل سنويا مع إعلان نتائج مسابقات الجوائز الأدبية، حيث تُوجَّه شتى الاتهامات إلى لجان التحكيم، ومنها جائزة البوكر العربية، التي قال عنها الكاتب العماني هلال البادي: «منذ لحظة إنشائها، وهي تشهد كل عام لغطا غير متناهٍ حول مصداقيتها، وأحقية الفائزين فيها بالفوز، بل إنني، ومنذ سنوات، أقول إن هذه الجائزة تحديدا كانت تنتصر في مرحلة من مراحلها للجغرافيا والتوزيع الجغرافي، ثم بدت أنها تنتصر للأسماء». هذا الجدل المتكرر حول نزاهة قرارات لجان التحكيم يعود إلى أسباب عديدة، من أبرزها أن أعضاء هذه اللجان بشر، وبالتالي فهم يتأثرون حتما بأذواقهم الشخصية، وخلفياتهم الثقافية، ومشاعرهم الوطنية، فضلا عن التحيزات الجنسية وعوامل ذاتية أخرى. وإنّ خير دليل على افتقار الجوائز الأدبية إلى الدقة والموضوعية والعدل، هو أنه لو تم عرض الكتب المرشحة على لجان مختلفة، لاختلفت أسماء القوائم القصيرة، وكذلك أسماء الفائزين، باختلاف الذائقة. يضاف إلى ذلك أن الحكام البشريين لا يستطيعون قراءة جميع الأعمال المرشحة بعمق بسبب ضخامة حجمها، وهو ما أشارت إليه ثوي أون، التي شاركت في لجنة تحكيم: «يقرأ معظم الحكام عددا من الفصول لتقييم جودة الكتابة. فإن أثار النثر أو الشعر اهتمامهم، واصلوا القراءة. وإن لم يكن الأمر كذلك، انتقلوا إلى العمل التالي». في المقابل، يتمتع الذكاء الاصطناعي بقدرة على استيعاب جميع المخطوطات، مما يضمن لكل عمل حقه من القراءة العميقة، دون الوقوع في فخ الرفض المبكر. ويتيح الذكاء الاصطناعي مشاركة آلاف الكتب المنشورة في السنة، بدلا من الاكتفاء بفئة محدودة من الأعمال، لنخبة محدودة من الكُتاب، من بين أطنان المؤلفات، على حساب الأصوات المبتدئة وغير المعروفة.
 
فرصة جديدة للمؤلفين المبتدئين
 
لهذه الأسباب، دعوتُ في مقالتي إلى الاستعانة بالذكاء الاصطناعي بدلا من أعضاء لجان التحكيم التقليدية، في مسابقات الجوائز الأدبية. واليوم، يتجسد هذا الطرح من خلال أول مسابقة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، حيث يتعاون الحكام الروبوتيون مع حكام تقليديين في تقييم الأعمال. يمثل هذا الحدث المبتكر فرصة استثنائية للمؤلفين غير المنشور لهم للحصول على الاعتراف والانطلاق في مسيرتهم الأدبية. فمن خلال الجمع بين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتطورة والخبرة البشرية، تهدف المسابقة إلى إحداث نقلة نوعية في عالم الأدب وفتح آفاق جديدة أمام الأعمال الروائية كافة. تتيح المسابقة للمؤلفين من مختلف أنحاء العالم الترشح بأعمالهم الروائية الأصلية غير المنشورة، بغض النظر عن نوعها، شريطة أن تكون مكتوبة باللغة الإنكليزية، وألا يتجاوز طولها 80 ألف كلمة. يستمر استقبال المشاركات حتى 31 مارس، على أن يتم الإعلان عن الفائز بحلول نهاية أبريل/نيسان من هذه السنة.
صُمِّمت عملية الترشح لتكون سهلة وشاملة. في المرحلة الأولى، يُطلب من المؤلفين إرسال ملخص لمخطوطاتهم وأول 20 صفحة منها. بعد ذلك، يتم اختيار قائمة قصيرة من المشاركين، ودعوتهم إلى تقديم مخطوطاتهم الكاملة للتقييم النهائي. تُقيَّم هذه الأعمال من قبل نظام ذكاء اصطناعي متقدم ولجنة من الحكام البشر المتخصصين في صناعة النشر. يضمن هذا النهج الهجين عملية تقييم عادلة ومتوازنة، حيث تجمع المسابقة بين كفاءة الذكاء الاصطناعي ودقة الفهم البشري
 
موازنة التميز الأدبي مع الفائدة التجارية
 
لا شك أن هذه المبادرة تؤسس لنظام جديد يتجاوز قيود الذاتية والعلاقات الشخصية والمصالح الخاصة، إلا أن هناك مجالا لإدخال تحسينات من شأنها تعزيز فعاليتها ومصداقيتها.
يُقترح تقييم المخطوطات بأكملها. فالمشاركة بـ20 صفحة لن تعطي المؤلفات حقها وقد ينتج عنها إقصاء مبكر لأعمال قد تحتفظ بجودة عالية وتطور مثير للأحداث في فصولها اللاحقة.
من القضايا الأخرى تحديد عدد كلمات المخطوطات المشاركة بـ80 ألف كلمة، والذي يمكن أن يؤدي إلى استبعاد مئات، بل آلاف المؤلفات التي تتجاوز هذا الحد عن المشاركة – بما في ذلك روايتي الإنكليزية الأولى غير المنشورة، والتي تتجاوز 126 ألف كلمة. أوصي المنظمين بتوخي سياسة أكثر مرونة لاستيعاب مجموعة أوسع من المشاركات، إذ ثمة أعمال ناجحة تتجاوز كلها هذا الحد، مثل رواية «هاري بوتر وسجين أزكابان» التي تحتوي على 107253 كلمة، في حين تصل رواية «هاري بوتر وكأس النار» إلى 190637 كلمة!
ومن الانشغالات أيضا قرار المنظمين دمج الذكاء الاصطناعي والحكام البشريين في التحكيم النهائي. يجب أن يتولى الذكاء الاصطناعي التقييم بالكامل لضمان الحياد والدقة وتجنب الجدل المرافق لنشر نتائج المسابقات التقليدية. وقد جاء في موقع المنظمين: «تتنبأ تقنية آيريس بالمبيعات التي يمكن أن تحققها مخطوطتك». قد ينتج عن التركيز على الجانب التجاري تفضيل الكتّاب المعروفين على المواهب الجديدة. فمن الضروري أن تعكس الجوائز الأدبية الجودة والإبداع والقيم الإنسانية وليس القيمة المادية.
ويشير الموقع أيضا إلى أن «التقنية تتنبأ بمدى تشابه أسلوبك وأفضل الكتب مبيعا». قد يوفر هذا النهج أرضية لمخادعة هذه التقنية بمحاكاة أساليب ناجحة تجاريا، على حساب أعمال لها أساليب مبتكرة. لذا، يوصى بالبحث عن توازن بين الفوائد التجارية القيمة الأدبية، لضمان الدقة والعدالة ومشاركة كل الكتّاب، بما في ذلك الأصوات الجديدة التي تبحث عن مكان بجانب الأقلام المعروفة.
 
كاتب جزائري