عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Apr-2021

رمضان بين السطيحة والعمق* رمزي الغزوي

 الدستور -

على دكة الانتظار نرى عشرات المسلسلات التلفزيونية تتحمحم لتنقضَّ وتلتهم رمضان بنهاره ولياليه وعيده. ومئات المسابقات الحافلة بالجوائز المغرية تتنافس لمغنطتنا وجذبنا وحلب أرصدة هواتفنا وأوقاتنا وسلبنا من أنفسنا.

آلاف العروض الخاصة تغصُّ بها المولات والمتاجر والإعلانات اللافتة، فترى الناس تتدافع بعربات التسوق المتخمة، وكأننا قاب لقمتين من مجاعة مهلكة. فيما آلت كل مشاريعنا ومواعيدنا وخططنا إلى ما بعد العيد وأبعد. وكأن رمضان لا عمل فيه.
لماذا لا يتركون لنا رمضاننا؛ لنعود فيه إلى فطرتنا الأولى، ونلوذ به من فجاجة وقبح ومادية هذا العالم الشره؟ لماذا يقزمون رمضان ويختصرونه بالأكل والشرب والسهر والمسلسلات؟!، لماذا صارت أعمالنا ترنو إلى رمضان سطحي لا يضرب جذراً في أعماق نفوسنا.
هرباً من هذا التحشيد الكبير اراني سأعود إلى أحلامي عن رمضان، ليس خوفا من سعار الأسعار الذي سينتابنا مع عتبات قدومه، بل هرباً من ثقافة استهلاكية غبية تضربنا ضرب الزلازل، وتجعلنا نفرغ رمضان من معانيه، ونحوله إلى مطبخ متخم تضيق به عيوننا، مع غياب شبه تام لتلك الصحون التي كان يتبادلها الجيران والأهل فيما بينهم قبيل غروب أيامه مودة ومحبة فيما بينهم.
سأغمض عيني وأرانا أطفالاً نهب إلى المسجد كالحمائم، مع أول خشخشة سماعة المئذنة المتحفزة للتكبير، نصلي جانب الكبار مفتعلين الوقار، بعد أن يفسحوا لنا ويمسدوا على رؤوسنا، وهم الذين كانوا يطردوننا شر طردة في الأيام الخوالي، وها نحن بعد الصلاة نتحلق شيخاً يرتفع بالكلام ويطيل؛ فيأخذنا التناعس والتناوم ولي الرقاب، لتبدأ موجة الانسحابات حتى تفرغ الحلقة من حوله.
أو أرانا نتوسل أمهاتنا بالدموع أن يوقظننا للسحور، ونقسم أيماناً غليظة، أننا سنصوم ولو لحد الظهر!، ثم لنقف قرب الشبابيك نكبر مع صوت المسحراتي العجوز، الذي يجوب الحارات ضارباً طبله مترنماً بالتهاليل، ويطرق الأبواب ينادي على كل بيت باسم صاحبه: يا نايم وحد ربك.
سأغمض عيني من جديد لأستعيد رائحة الغروب والشمس الزاحفة كسلحفاة، وكيف كنا نصعد أسطح البيوت لنحثها على المسير الأخير، وننتظر بفارغ الجوع صوت المؤذن طويل الروح وكيف أن شقيقنا النزق الصائم للمرة الأولى، كان يهمهم بشتائم لا تليق بالصائمين الصغار.