الراي
هذا موسم الانتخابات للنقابات المهنية ابتداء بأكبرها نقابة المهندسين حيث تجري الان انتخابات الشعب والفروع وتلحقها انتخابات مجلس النقابة والنقيب.
والمشهد كالعادة يقوم على التنافس بين تياري البيض والخضر واذا استخدمنا التعابير السياسية بين التيار الاسلامي (الاخوان) من جهة والتيار الذي يضم قوميين ويساريين ووسطيين ومهنيين مستقلين أو ما يمكن اختصاره بتحالف يسار – وسط المكون من عدة تجمعات ابرزها «نمو"وهو التجمع الذي تشكل في الانتخابات قبل الماضية وتمكن ولأول مرة من انتزاع قيادة النقابة من التيار الاسلامي الذي ظلّ مسيطرا على النقابة بثبات منذ التسعينات.والجديد في هذه الدورة هو اتفاق التيارات جميعا على قائمة مشتركة لمجلس النقابة سيكون نجاحها مضمونا،والنقيب ?ن يكون من الاخوان بل من تحالف يسار– وسط الذي تميل له الموازين في أغلب الشعب والفروع.
التوافق دائما مرغوب ومطلوب لكن بالنظر لواقع نقابة المهندسين فهو قد يغطي على الأزمة الحقيقية التي تأخذ بخنق النقابة من جوانب عدة ابرزها الوضع المالي. ومن وجهة نظر معارضين يغلق الاتفاق ملف المسؤولية والمحاسبة على انهيار صندوق التقاعد وشبهات الفساد والأخطاء الفادحة التي ارتكبت زمن البيض ثم التقصير اللاحق في المساءلة والمحاسبة والمعالجةزمن الخضر. والأمر في النهاية يتعلق بالحاكمية الرشيدة او الحوكمة في الادارة وهي مشكلة عابرة للتلاوين السياسية والمهنية ولعموم النقابات. وفي نقابة الأطباء مثلا هناك أزمة خانقة لصن?وق التقاعد ولم يعد الصندوق قادرا على دفع رواتب الأطباء المتقاعدين.
المنافسة على القيادة النقابية بين التيارات السياسية والمصالح المختلفة كنست تحت السجادة المشكلة الأعمق وهي الكفاءة الادارية المؤسسية. وفي نقابة المهندسين كبرى النقابات المهنية والممثل الأبرز للطبقة الوسطى بمعناها العريض الاقتصادي والاجتماعي اخفت المنافسة السياسية التحدي الحقيقي امام الجميع وهو تطوير وتحديث ورفع كفاءة الأداء الاداري والمالي بالتناسب مع التوسع الهائل لعدد المنتسبين. فهذا التوسع رفع دخل الصناديق من الاشتراكات والرسوم المختلفة لمستويات غير مسبوقة خلال العقود الثلاثة الماضية وشاب الاستثمار فيها ?لارتجال وسوء الادارة حتى جاءت لحظة الحقيقة مع صعود الخط البياني للمتقاعدين الى درجة ان الالتزامات المطلوبة باتت تفوق بعدة اضعاف المداخيل القائمة وفق ما نشر بعض النقابيين. وأكثر من ذلك فإن القيمة الاسمية أو الدفترية للأصول العائدة لصندوق التقاعد كانت تفوق بعدة اضعاف قيمتها السوقية الحقيقية.
وحسب بعض النقابيين الذين قادوا التحرك من سنوات للمساءلة والمحاسبة فالفارق بين القيمة الفعلية والاسمية للأصول العقارية يعود الى شبهات تتمثل بشراء اراض وتسجيلها للنقابة بقيمة تفوق كثيرا قيمتها الحقيقية. وحسب هؤلاء فإن السيطرة المطلقة للإخوان لعدة دورات متتالية لم يسمح فقط بالاستخدام السياسي الجائر للنقابة ومرافقها بل حجب امكانية المساءلة على الانفاق «السياسي» خارج المصلحة المباشرة للنقابة وأعضائها مثل الانفاق على جمعيات واعمال «خيرية» وتبرعات للداخل الفلسطيني مجهولة المسار والمآل وتنفيعات شتى بما في ذلك نفقا? سفر واقامة وغيرها لأعضاء مجالس وممثلين في مجالس ادارة شركات وغير ذلك مما هو شائع في اماكن عديدة في البلد وعنوانها المشترك انعدام الرقابة والحاكمية الرشيدة. ثم بعد ان جاء مجلس نقابة باغلبية غير اخوانية لم تتحقق اي مراجعة جادة وحازمة ولم تقدم معالجة جذرية صريحة بل تم الذهاب لحلول توفيقية تداري الأزمة ولا تحلها وربما (حسب المنتقدين) تجنبا للصدام مع الاخوان اصحاب الأغلبية على مستوى الهيئة المركزية والشعب.
ينظر الى التوافق ودخول الاطراف المتنافسة في إئتلاف كأمر ايجابي بدلا من التناحر والاقصاء وتفرد طرف أو آخر بالسيطرة على مقاليد الأمور ووجود الأطراف معا قد يحقق الرقابة المتبادلة ومنع التجيير السياسي لمقدرات النقابة. لكن التوافق قد يقود الى الاسترخاء واهمال المسؤولية امام الهيئة العامة عن الاصلاح الجذري والشامل للادارة وتحقيق شروط الرقابة والمحاسبة والشفافية المالية والادارية أو بعبارة واحدة شروط الحوكمة.
احتمال التوافق قائم في نقابات اخرى وسينشغل بالأمر النشطاء النقابيون الطامحون لمواقع في قيادات النقابات لكن غيرهم يجب ان ينشغل بان لا تكون هذه التوافقات على حساب الاصلاح الشامل وضمان مصالح القاعدة العريضة من الأعضاء. بل انني ارجو تدخل الدولة وبالتنسيق مع نواب وخبراء مهنيين لدراسة تشريعات جديدة للصناديق النقابية تخضعها لرقابة ديوان المحاسبة وليس ماليا فحسب بل ضبطها بأنظمة وتعليمات تقيد سلطة المجالس النقابية وتحقق شروط الشفافية والادارة الكفوءة.