عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Jul-2022

أوروبا: قارة الحضارات والحروب والاستعمار!*د. أحمد بطّاح

 الراي 

مع تتابع فصول الصراع بين روسيا من جهة والدول الغربية (الولايات المتحدة والدول الأوروبية) من جهة أخرى على خلفية الحرب في أوكرانيا لا يملك المحلل إلا أن يقف باندهاش إزاء دور القارة العجوز (القارة الأوروبية) عبر التاريخ، فمع أنّ هذه القارة ليست الأكبر مساحة ً بين القارات، ولا الأكثر سكاناً، إلا أنها بلا شك الأكثر نشاطاً وحضوراً في تاريخ الإنسانية وبخاصة إذا تذكرنا أن أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة الأمريكية وكندا) هي امتداد من الناحية الحضارية لأوروبا، وكلنا يعرف أن معالم شخصية المواطن الأمريكي العادي أنه ?wasp) أيّ أبيض (white)، وأنجلوساكون (Anglo Saxon)، ومسيحي بروتستانتي (Protstant)، ولعلّنا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا بأن روسيا – رغم خصوصية دورها التاريخي وكونها أسيوية أوروبية جغرافياً–إلّا أنها دولة غربية حضارياً؛ فقيمها الحضارية مختلفة عن قيم الحضارات الشرقية المعروفة تاريخياً (الصين، الهند، اليابان، مصر القديمة، ما بين النهرين....).
 
وإذا عدنا إلى قارة أوروبا فإننا نلاحظ أنها كانت مركز النشاط الإنساني على عدد من الصُعد ومنها:
 
أولاً: الحضارة: فقد أنتجت أوروبا الحضارة اليونانية (500 قبل الميلاد) التي كانت رائدة في مجال الفكر الإنساني (أفلاطون، أرسطو، أبقراط، اقليدس...)، كما قدمت للعالم أجمع فكرة الديموقراطية (حكم الشعب) التي يعتبرها العالم الآن «دين العصر»، ثم تلتها الحضارة الرومانية التي حكمت معظم العالم القديم وتركت آثاراً مادية مهمة في عدد غير قليل من بلدان العالم داخل أوروبا وخارجها.
 
ثانياً: الأديان: فرغم أن المسيحية (وهي الديانة الشائعة في أوروبا بمذهبيها: الكاثوليكي والبروتستانتي) لم تولد في أوروبا بل في فلسطين إلا أن أوروبا تبنت هذه الديانة على يد «بطرس الرسول» ونشرتها في العالم أجمع وكثيرون (وبخاصة الكاثوليك) ينظرون إلى «الفاتيكان» في روما على أنه مركز قيادة المسيحية، وحتى عندما ظهرت حركة الإصلاح الديني (البروتستانتية) كانت على يد «مارتن لوثر» الألماني، ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن الديانة المسيحية هي الأكثر شيوعاً بين الديانات في العالم الآن إذ يدين بها 2.38 بليون إنسان ?يّ (30% تقريباً) من سكان العالم.
 
ثالثاً: الحروب: فمع أن العالم شهد طوال تاريخه حروباً هائلة وكثيرة في مختلف بقاعه إلّا أن أوروبا تظل هي الوحيدة التي شهدت حربين عالميتين طاحنتين الأولى (1914 – 1918) والثانية (1939 – 1945) حيث خسرت البشرية في الحرب الأولى تسعة ملايين مقاتل وسبعة ملايين مدني ناهيك عما تمخض عنها من جرائم الإبادة الجماعية، والانفلونزا الإسبانية عام (1918) والتي تسببت في ما بين 50–100 مليون وفاة في كافة أنحاء العالم، أما الحرب العالمية الثانية فقد كانت أكثر الحروب دموية في التاريخ وقد أدت إلى سقوط ما بين 50–85 مليون قتيل، وتم ف?ها استخدام السلاح الذري لأول مرة في التاريخ عندما قصفت الولايات المتحدة مدينتي «هيروشيما» «ونجازاكي» اليابانيتين بالقنابل النووية. صحيح أن هاتين الحربين كانتا كونيتين شاركت فيهما دول كثيرة خارج أوروبا ولكن الدول الأوروبية كانت هي المشاركة الرئيسية (شارك في الحرب الاولى سبعين مليون فرد عسكري كان 60 مليونا منهم أوروبيون)، كما كانت دول: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا هي الدول الأساسية في كلا الحربين.
 
رابعاً: الاستعمار: فالعالم لم يعرف ظاهرة الاستعمار (colonization) كسياسة توسعية إلا من خلال أوروبا التي استخدمت قوتها العسكرية (وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية) للتحكم بمصير الأمم الأخرى واستغلال خيراتها لصالحها، بل وفرض ثقافتها على أساس أنها الثقافة الوحيدة القادرة على نقل البلاد المُستعمرة من حاله التخلف إلى حالة الحضارة.
 
لقد تسبب الاستعمار الأوروبي بمآسٍ لا حصر لها وعلى مستوى العالم وبالذات الاستعمار الاستيطاني الاحلالي كما حصل في الجزائر على يد فرنسا وفلسطين على يد بريطانيا والحركة الصهيونية. وعلينا أن نلاحظ في هذا المجال أن أوروبا الحضارية لم تتقوقع على ذاتها مكتفية بخيرها وشرها كما حصل بالنسبة للحضارات الأخرى كالصين والهند (التي يعود أرثها الحضاري إلى 5000 عام) واللتين لم يعرف عنهما أنهما احتلتا أراضي أية دولة أخرى، بل ادعت (أيّ أوروبا) أنها صاحبة رسالة حضارية لا بدّ لها أن تنشرها وتفيد بها بني الإنسان!
 
وماذا عن أوروبا الآن؟ إنها الآن 27 دولة (باستثناء بريطانيا) منتظمة في وحدة اقتصادية سياسية معينة هي الاتحاد الأوروبي، وهذا الاتحاد هو ثاني أكبر اقتصاد في العالم من حيث القيمة الاسمية بعد (الولايات المتحدة) بناتج كلي اجمالي يمثل 22 % تقريباً من الاقتصاد العالمي، كما أنها مشاركة في حلف شمال الأطلسي (NATO) وهو منظمة عسكرية دولية تضم 30 دولة من أمريكا الشمالية وأوروبا تقودها الولايات المتحدة، ويعتبرها العسكريون أقوى حلف عسكري في التاريخ.
 
إن هذا الواقع الأوروبي يعني أن أوربا (بما فيها بريطانيا حتى لو خرجت من الاتحاد الأوروبي) ما زالت قوة هائلة اقتصادياً وعسكرياً وإذا تذكرنا أن الولايات المتحدة هي «بنت أوروبا» وهي جزء من حضارتها (الحضارة الإغريقية الهيلينية) فإننا يمكن أن نتوقع أنّ الدور الأوروبي سيظل مهماً على الصعيد العالمي والإنساني وإن كان على أبناء أوروبا واحفادهم في أمريكا الشمالية ان يحددوا طبيعة الدور الذي سيلعبونه: هل سيكون الدور الخيِّر الذي يفيدهم ويفيد الإنسانية جمعاء، أم الدور الشرير الذي يذكِّر بالاستعمار والحروب الكونية، والتف?ق العرقي (White Supremacy)؟.
 
سؤال برسم الإجابة!