عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Mar-2020

الاستعداد للجائحات العالمية، الواقع والتنظير

 

إيثار العظم
 
عمان – الغد-  حذر خبراء في السنوات الماضية بضرورة الاستعداد للتعامل مع أوبئة قد تجتاح العالم في مستقبل قريب.
 
ومن أبرز التحذيرات التي أطلقت أخيرًا ما تحدث به رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، وذلك خلال القمة العالمية للحكومات 2018 ، إذ وصف العالم بأنه غير مستعد للتعامل مع أوبئة قد تنطلق من أي مكان وفي أي وقت، وهو لا يزال معرضاً للخطر بسبب تلك الأوبئة.
 
العالم غير مستعد
 
تكشف نتائج مشروع مؤشر الأمن الصحي العالمي Global Health Security عن بيانات تؤكد ما ذهب إليه المسؤول الأممي، إذ أظهر تقرير نشره المشروع في تشرين أول/ أكتوبر الماضي، أن أكثر الدول حصلت على تقييم منخفض في المؤشرات المتعلقة بالقدرة على التعامل مع الكوارث البيولوجية.
 
وأكدت نتائج التقييم أنه لا توجد دولة واحدة من أصل 195 دولة، استعدت تماماً للتعامل مع الأوبئة والجائحات، وهو ما يشمل الدول ذات الدخل العالي.
 
وأشار التقييم الذي نفذه خبراء من 13 دولة أن متوسط الدرجة الإجمالية لمؤشر الأمن الصحي العالمي بين دول العالم يبلغ 42.2 من أصل 100 درجة.
 
كما لم يتجاوز متوسط الدرجة الإجمالية للمؤشر عند ستين من الدول ذات الدخل العالي 51.8 من أصل 100 درجة، حسب التقرير الذي صدر قبل ظهور وباء COVID-19 بنحو شهر.
 
ويقوم على مشروع مؤشر الأمن الصحي العالمي مبادرة التهديد النووي ومركز جون هوبكنز للأمن الصحي ، ويجري تطوير المشروع من وحدة الإيكونوميست للاستخبارات الاقتصادية .
 
يهدف المشروع إلى تقييم قدرة الدول على منع الأوبئة والتخفيف من حدتها، وهو يستند إلى عدد من المؤشرات الرئيسة والفرعية التي توفرها المعلومات مفتوحة المصدر.
 
ويتناول المؤشر ست فئات يجري تقييمها وهي: الوقاية من ظهور مسببات الأمراض، والكشف المبكر (الذي يشمل أيضاً الإبلاغ عن الأوبئة التي تنطوي على تهديدات على المستوى العالمي)، وسرعة الاستجابة للتخفيف من انتشار الوباء، وامتلاك نظام الصحي قوي وقادر على معالجة المرضى وحماية العاملين في القطاع الصحي بدرجة كافية، والامتثال للقواعد الدولية في التعامل مع الأوبئة، والتواصل الفعال بشأن المخاطر بما يمنح الناس المعلومات التي يحتاجونها في تلك الظروف.
 
“درهم الوقاية” ليس محفزًا كافياً
 
ترتفع الكلفة الاقتصادية لمواجهة وباء ما واحتوائه، إذا ما قورنت بما يكلفه الاستعداد وتطوير علاجات أو لقاحات للوقاية من الإصابة بها.
 
تؤكد مدير شعبة الصحة العالمية من مركز مراقبة الأمراض الأمريكي ريبيكا مارتن، أن تكلفة الاستجابة للأوبئة خلال القرن الماضي تقدر بنحو ستة تريليون دولار أمريكي، أي بمقدار٦٠ مليار دولار أمريكي تقريباً في العام الواحد.
 
وأوضحت مارتن خلال ندوة عقدها مركز التنمية العالمية في العاصمة الأمريكية في عام 2018 أن الوقاية من الأوبئة كانت ستكلف العالم نحو ٤.٥ مليار دولار أمريكي سنوياً، أي بمعدل 65 سنتاً لكل فرد من سكان العالم.
 
يفسر تقرير نشره معهد الابتكارات والأغراض العامة بكلية لندن الجامعية تأثر التطوير والابتكار العلاجي في مجال الوقاية من الأمراض، بحوافز السوق الدوائي، الأمر الذي ينعكس على توافر مركبات جديدة في هذا المجال.
 
ويوضح التقرير الذي ُنشر في تشرين أول/ أكتوبر من عام 2018 أن البحث والتطوير داخل قطاع الصناعة الدوائية لا يتحدد بالضرورة بالاحتياجات الطبية الحرجة، إذ أن غالبية الأدوية الجديدة لا تحمل قيمة طبية مضافة عن العلاجات الشبيهة بها والموجودة بالفعل.
 
وحسب التقرير فإنه يجري تجاهل أمراض قد لا تقود بدرجة كبيرة إلى “أسواق نمو” محتملة، أو أنها لا تنطوي على براءة اختراع تشكل حافزاً لجني الأموال، ومن بينها الأمراض التي يعاني منها السكان في الدول منخفضة الدخل أو الدول ذات الدخل المتوسط.
 
كما أوضح التقرير أنه “غالباً ما يتم تهميش الوقاية من الأمراض واللقاحات بسبب العلاجات المزمنة أو المزمنة أو مدى الحياة (مثل مرض السكري)، إذ توفر الأخيرة فرصًا أفضل لبيع الأدوية، وينطبق الشيء نفسه على المضادات الحيوية، حيث أدى نقص حوافز السوق إلى استثمارات قليلة لتطوير مركبات جديدة.”، حسب التقرير.
 
الولايات المتحدة، الأفضل استعدادًا ولكن!
 
تتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول الأكثر استعداداً لمواجهة الأوبئة والجائحات، وفقًا لبيانات مؤشر الأمن الصحي العالمي، إذ تبلغ الدرجة الإجمالية للولايات المتحدة 83.5 من أصل 100 درجة.
 
حصلت الولايات المتحدة على درجات إجمالية مرتفعة في فئات الكشف المبكر والوقاية والامتثال للقواعد الدولية للتعامل مع الأوبئة، ودرجات مرتفعة نسبيًا في فئات الاستجابة وامتلاك نظام صحي قوي والتواصل الفعال بشأن المخاطر.
 
ومع ذلك فقد حذر خبراء أمريكيون في عام 2015 من أنّ الولايات المتحدة غير مستعدة للتهديدات البيولوجية ومنها الأمراض المعدية، حسب تقرير للجنة الدفاع البيولوجي Bipartisan Committee Biodefence، التي يترأسها سياسيون وخبراء أمنيون من الحزبين الجمهور والديمقراطي.
 
وحسب التقرير فإنه لا توجد خطة استراتيجية وطنية شاملة للدفاع البيولوجي في الولايات المتحدة، أو ميزانية مخصصة لهذا الغرض، فضلاً عن غياب مؤسسة مركزية في الإدارة الأمريكية، تختص بالتعامل مع التهديدات البيولوجية التي قد تواجه البلاد، ومن بينها الأمراض المعدية.
 
من جهته اعتبر مدير مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا الأمريكية “مايكل أوسترهولم” في العاشر من الشهر الجاري، أن الولايات المتحدة ليست مستعدة لما هو قادم، بسبب انتشار مرض COVID-19 بسرعة في جميع أنحاء البلاد بما يتجاوز مرحلة الاحتواء، حسب ما صرح به لشبكة سي إن بي سي الأمريكية في العاشر من الشهر الجاري.
 
وأوضح “أوسترهولم” أن الحكومة الأمريكية لن تستجيب بشكل مناسب لحجم الانتشار الذي ستشهده البلاد على الأرجح، مؤكداً أن قدرة الفيروس على إحداث العدوى هي أكبر مما يحذر منه بعض المسؤولين الأمريكيين.
 
أما مدير معهد الصحة العالمية بجامعة هارفرد “أشيس جاه” فيرى أن المستشفيات وأقسام الطوارئ في الولايات المتحدة ليست مستعدة للتعامل مع جائحة COVID-19.
 
وأكد “جاه” في مقابلة أجرتها معه شبكة التلفزة الأمريكية (إم. أس. إن. بي. سي)، أن تنفيذ الحجر على السكان في المستوى الوطني مدة أسبوعين، قد يمنح الوقت للسيطرة على انتشار المرض، قبل أن تتطور الأمور على نحو مرعب يدفع إلى تنفيذ الحجر مدة أطول، مع تسجيل المزيد من حالات الوفاة وتكبد خسائر اقتصادية أكبر.
 
التجربة الصينية
 
تملك الصين قيمة متوسطة لمؤشر الأمن الصحي العالمي، إذ لا تتجاوز الدرجة الإجمالية التي أحرزتها48.2 نقطة من أصل 100 نقطة، لتحتل المرتبة الواحدة والخمسين على المستوى العالمي لجهة استعدادها في التعامل مع الأوبئة.
 
استندت الصين إلى إجراءات صارمة في السيطرة على انتشار فيروس كورونا، إذ كانت البؤرة الرئيسة للمرض عقب ظهوره أول مرة في شهر ديسمبر الماضي.
 
أسهمت الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الصين في التخفيف من انتشار الفيروس، والتي شملت حظر التنقل عند 50 مليون شخص تقريباً، وتقييد الحركة بشكل جزئي لنحو730 مليون آخرين.
 
وبحسب تقرير نشره موقع مجلة “نيتشر” الأمريكية فإن الإجراءات الصارمة التي اتبعتها الصين للسيطرة على انتشار فيروس كورونا، كان لها التأثير الأكبر في خفض حالات الإصابة بين السكان، والتي كان يتوقع أن تبلغ نحو خمسمائة مليون شخص، أي ما يعادل نحو40 في المائة من سكان البلاد.
 
ويشير التقرير إلى أن استخدام الكشف المبكر والعزل وانخفاض مستوى الاتصال بين السكان ومنع التنقل بين المدن، خفض حالات الإصابة بمقدار 67 ضعفاً عما كان متوقعاً تسجيله نهاية شهر فبراير الماضي.
 
كما تبين أن انخفاض تحركات السكان، الذي تم الكشف عنه بواسطة بيانات الموقع على الهواتف المحمولة، أسهم وحده في خفض أعداد الإصابات بنحو 2.6 ضعف خلال تلك الفترة.
 
وكانت الصين أعلنت عن عدم تسجيل أية إصابات جديدة في مدينة ووهان بين ١٨ و٢٢ من الشهر الجاري، إلا أنها سجلت إصابة واحدة في المدينة أمس الإثنين إلى جانب 78 إصابة جديدة في بقية أنحاء الصين، والتي قالت السلطات الصينية إن معظمها سجل بين القادمين من الخارج.
 
وبذلك يرتفع عدد حالات الإصابة في الصين 81,603 حالة إصابة و3,276 حالة وفاة بين السكان ناجمة عن الإصابة بمرض COVID-19، حسب بيانات منظمة الصحة العالمية.
 
يعتبر محرر الشؤون العلمية من صحيفة الفاينانشال تايمز كلايف كوكسون أن اختلاف الاستجابة في التعامل مع مرض COVID-19 بين الدول، لم ينشأ فقط من التباين في قدرة النظام الصحي فيما بينها، بل نشأ كذلك بسبب عوامل أخرى تتصل بطبيعة النظام السياسي ومستوى استجابة السكان للشفافية التي قد تمارسها الحكومات، وأهم من ذلك كله العقلية التي تشكلت في ظل وجود الأوبئة أو بسبب غيابها.