عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Nov-2025

مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين.. انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني*حسن الدعجة

 الغد

تتجه حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في الآونة الأخيرة، نحو إقرار تشريع يسمح بتنفيذ عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين.
 هذا الطرح لا يمكن النظر إليه كمسألة تشريعية داخلية، بل كخطوة تمس قواعد القانون الدولي العام، والقانون الدولي الإنساني، ومواثيق حقوق الإنسان، وتناقض المبادئ الأساسية التي أرستها الأمم المتحدة منذ تأسيسها.
 
 
 فجوهر القضية لا يتعلق فقط بالعقوبة ذاتها، بل بطبيعة العلاقة بين القوة القائمة بالاحتلال والشعب الواقع تحت الاحتلال، وبالحقوق المكفولة للشعوب التي تُناضل من أجل تقرير مصيرها.
إن الأمم المتحدة منذ صدور ميثاقها عام 1945، وضعت أساسًا قانونيًا وأخلاقيًا يؤكد على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو المبدأ الذي تم تأكيده لاحقًا في عدة قرارات أممية، بما في ذلك القرار 1514 (د-15) لعام 1960 الذي نص صراحة على مشروعية نضال الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي. كما جاء في البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لعام 1977 والاعتراف بأن النزاعات المسلحة التي تخوضها الشعوب ضد الاحتلال الأجنبي تُعد نزاعات دولية، الأمر الذي يرتب حقوقًا للمقاتلين والأسرى، ويمنع معاملتهم كمجرمين جنائيين.
وفقًا للقانون الدولي الإنساني، يتمتع الأسرى، أو المعتقلون لأسباب تتعلق بالنزاع أو المقاومة بحماية خاصة، وإن اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 تؤكد على ضمان محاكمة عادلة وفق معايير دولية، وتمنع إصدار عقوبات تعسفية أو استخدام القضاء كأداة انتقام سياسي. كما تحظر الاتفاقية تعريض الأسير لأي عنف أو تهديد أو إهانة، وتحظر إصدار أو تنفيذ حكم بالإعدام إلا بعد محاكمة عادلة تتوفر فيها ضمانات الدفاع والمراجعة. غير أن مشروع القانون الإسرائيلي يأتي متناقضًا مع هذه المبادئ، إذ لا يستند إلى إطار قانوني شرعي بل إلى دوافع سياسية وانتقامية، ويستهدف فئة محددة بناءً على هويتهم القومية لا على أساس معايير قانونية موضوعية.
كما يشكل مشروع القانون خرقًا صارخًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، الذي تنص مادته السادسة على أن عقوبة الإعدام؛ حيثما ما تزال قائمة، يجب أن تُطبق فقط في «أشد الجرائم خطورة»، وبعد محاكمة عادلة أمام قضاء مستقل ونزيه. بينما تشير الوقائع في المحاكم العسكرية الإسرائيلية إلى معدلات إدانة تزيد على 99 %، وفق تقارير منظمات دولية، مما يثير شكوكًا جدية حول نزاهة القضاء العسكري المقام للمعتقلين الفلسطينيين، ويُظهر أن المحاكمة في ظل الاحتلال لا تحقق الحد الأدنى من العدالة الإجرائية.
أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، في مادته العاشرة، فيؤكد على حق كل إنسان في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة محايدة، وهو ما يتم تقويضه بشكل واضح في بيئة محاكم الاحتلال الاسرائيلي.
 كذلك تنص المادة الخامسة من الإعلان والمادة السابعة من العهد الدولي على حظر المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وهي معايير تم توثيق انتهاكها مرارًا في حق الأسرى الفلسطينيين.
يتعدى الإشكال القانوني هنا العقوبة بحد ذاتها، ليصل إلى جوهر المنظومة الدولية القائمة على عدم شرعية معاقبة الأفراد على ممارسة حقهم الأصيل في مقاومة الاحتلال. فميثاق الأمم المتحدة، في المادة الأولى، يشير إلى حق الشعوب في النضال ضد السيطرة الأجنبية، ويؤكد على مبدأ تقرير المصير باعتباره أحد أهداف المنظمة الأساسية.
 كما أكدت محكمة العدل الدولية  في رأيها الاستشاري عام 2004 بشأن الجدار العازل - على أن الشعب الفلسطيني يتمتع بحق غير قابل للتصرف في تقرير المصير، وعلى المجتمع الدولي واجب احترام هذا الحق وعدم اتخاذ أي إجراءات تعيق ممارسته.
ومن منظور القانون الدولي الإنساني، فإن مقاومة الاحتلال ليست جريمة جنائية بحد ذاتها، بل إنها فعل مرتبط بنزاع مسلح دولي، ومن ثم فإن معاملة المقاتلين كأسير حرب أو كمعتقل محمي تبقى واجبًا قانونيًا على القوة القائمة بالاحتلال.
 إن تجريم فعل المقاومة ثم معاقبته بالإعدام يشكل انتهاكًا مزدوجًا: انتهاكًا للحقوق الفردية للمعتقل، وانتهاكًا للحق الجماعي للشعب في مقاومة الاحتلال.
كما أن إقرار قانون كهذا يفتح الباب أمام سياسة تمييزية قائمة على أساس الهوية القومية، إذ إنه سيتم تطبيقه على الفلسطينيين فقط، الأمر الذي يرقى وفق معايير القانون الدولي؛ إلى عقوبة جماعية، وهي مخالفة صريحة للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر العقوبات الجماعية وجميع تدابير الإرهاب.
وبعيدًا عن الجانب القانوني، فإن تبني هذا التشريع يحمل دلالات سياسية خطيرة. فهو يمهّد لتحويل العدالة إلى أداة انتقامية، ويقوض أي فرص لحل سياسي عادل، ويغذي العنف بدلًا من الحد منه. كما أنه يسهم في تقويض صورة النظام القضائي الإسرائيلي عالميًا ويضعه في مواجهة مؤسسات حقوق الإنسان والمحاكم الدولية.
القانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي الجنائي يحمّل القادة السياسيين والعسكريين المسؤولية المباشرة عن القرارات التي تؤدي إلى انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني. وقد يشكل مشروع القانون، في حال تطبيقه، أساسًا للمساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما الأساسي، باعتبار أن الإعدام دون محاكمة عادلة، أو في إطار سياسة تمييزية، يعد جريمة حرب.
إن المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة أمام مسؤولية واضحة: الوقوف ضد تشريعات تقنن القتل خارج القانون. فالشرعية الدولية ليست شعارًا، بل هي التزام ملزم؛ وإن فشل المجتمع الدولي في حماية الأساس القانوني الذي قام عليه النظام الدولي الحديث يفتح الباب أمام شريعة الغاب، ويهدد منظومة حقوق الإنسان بأكملها.
إن محاولة فرض عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين ليست خطوة قانونية لضبط الأمن، بل هي انتهاك مباشر للقانون الدولي، وتراجع خطير عن المبادئ التي توافق عليها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، فالتشريعات لا تُكسب الاحتلال شرعية، ولا تلغي حق الشعوب في الحرية. يبقى الحق واضحًا، والقانون صريحًا:
الشعب الواقع تحت الاحتلال يملك حقًا مشروعًا في الكفاح من أجل تقرير مصيره، والأسير ليس مجرمًا بل هو جزء من قضية سياسية لم تُحل بعد.