عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Nov-2019

عيون الفاطمات* رمزي الغزوي
الدستور - 
يلزمنا نهرُ دموع؛ كي نطفئ حريقاً شبّ في هشيم أرواحنا، حين سمعنا فاطمة تنعى عينيها بصوت كليم. يلزمنا أكثر من بركان نطلقه غضباً على ذلك التواطؤ الذي قاد إلى سملهما بأصابع زوج ظلوم غشوم. ولربما سيلزمنا أكثر من زلزال بشاعة؛ لندرك أن وحوشاً بوجوه آدمية يعيشون معنا وبيننا. 
كيف طوّعت له نفسه؟ كيف جرؤت أصابعه تفقأ أغلى ما يمتلكه إنسان؟ كيف نسي أن هاتين العينين نظرتا إليه، وقبلتا به زوجاً لتسكن إليه؟ كيف نسي ما بينهما من فضل وأولاد وعشرة ومعروف. 
الكثير ممن سمع فاطمة واتته فكرة أن لا بد من تطبق شريعة حمورابي في ساحة عامة بحق ذلك الجاني. العين بالعين؛ ليكون عبرة لكل من ينقلبون إلى أكثر من وحوش، حين ينغلق عليهم باب الزوجية. أو حين يصلون إلى حضيض الضعف والانهزام، فيستقوون على زوجاتهم ويستغلون عاطفة صمتهن. 
فاطمة ضحية سكوتها بالدرجة الأولى. فاطمة لها أخوات كثيرات في مجتمعنا قد نسمع عنهن وقد لا نسمع. هن ضحايا إملاءات فرضها مجتمعنا الذكوري العنجهي المتعالي. لماذا كان عليها أن تتحمل؟ لماذا كان عليها ألا تنتصر لنفسها، من أول ما ضربت أو صفعت أو أهينت؟. هذه الجريمة لم تبدأ بفقأ العينين، وإنما كانت نتيجة لسكوت طويل الأمد.
أعرف أن البيوت أسرار، وأن دائماً ما خفي أعظم!، فلا يظهر من جبل الجليد الطافي في الماء إلا ثلثه أو أقل قليل!، فلو كشفت بعض من النساء اللواتي يتخذن القاعدة الشعبية (غلب بستيره ولا غلب بفضيحة)، لو كشفن عن البقع الزرقاء لظلال اللكمات، والكدمات، والصفعات، التي علقت بصفحات جلودهن إثر موجات ضرب صاعق من لدن أزواجهن المغاوير؟!. وماذا لو قالت كل امرأة عن هذا الذي يبدو وديعاً مطيعاً مع كل نساء العالم، وينقلب ذئباً هصوراً مع شريكته، وأم أولاده؟!.
ما زال هناك في مجتمعنا من يعتقد أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وستظل عوجاء، ومهما قومتها، ولن تستقيم إلا بالضرب والعنف، وينسى صاحب هذه النظرة القاصرة الرجعية أن مهمة الضلع، أن يكون منحنياً وحادباً ومعوجاً؛ كي يحمي القلب في قفص الصدر، ويحمي الإنسانية من عوجها. وفاطمة هي ضحية هذا الشعور.
فاطمة أبصرت الحقيقة الناصعة، حينما فقدت عينيها وبصرها. وقالتها بصريحة العبارة مجلجلة، إنه ما كان يجب عليها أن تتحمّل أبدا الإهانات منذ البداية. كان يجب تقف في وجهه، وألا تجعله يتمادى ويستسهل جرحها وضربها. هي التي أرخت له الحبل، وقدمت نفسها كضحية. مما جعله يستقوي ويستبد ويرتكب جريمته.
  أيتها الفاطمات. لتكن عينا فاطمة درسا لنا جميعا.