عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Sep-2022

“في بيتنا مدمن”.. “سم قاتل” يتسلل ليهدم حياة عائلات بأكملها

 الغد-تغريد السعايدة – بيوت تضيق على ساكنيها.. آباء وأمهات مثقلون بالوجع والخوف وانعدام الأمان، وكأن الحياة غدت “هباءً منثورا”؛ كل ذلك بسبب “سم قاتل” دخل البيوت من جحورها، أدمنه احد الأبناء ليتحول في لحظة لـ”مشروع مجرم”.

“في بيتنا مدمن”، جملة يخاف كثيرون إطلاقها للعلن، خشية من المجتمع أو التصريح بأن لديهم ابنا هو ايضا ضحية قبل كل شيء، خانه طيش الشباب مع غياب الرقابة لتجربة سُم قاتل دون وعيٍ ولا ادراك، حتى بات هذا المدمن كما الجرح الذي يواريه صاحبه دون علاج.
قصص يومية يطرحها الإعلام بين الحين والآخر لقضايا تعاطي المخدرات وفي غالبتها يكون الشاب ضحية أولى لهذه الجريمة، ثم ما يلبث الأهل إلى أن يتحولوا لضحايا آخرين، قد يتحول فيها أحد الطرفين إلى “مجرم” في نظر القانون والمجتمع، وهو ما حصل بالفعل في عدة قضايا كان لها وقع كبير في نفوس الأردنيين.
تصريحات إعلامية خلال هذا العام لإدارة مكافحة المخدرات بينت أن العام الحالي، ولغاية حزيران الماضي شهد انخفاض لقضايا المخدرات بنسبة 9 %، مقارنةً مع العام 2021. ووفق تلك التصريحات كذلك، فقد تبين أن إدارة مكافحة المخدرات تعاملت مع 8489 قضية، كان منها 2490 اتجار وترويج، في حين كان هناك 6000 قضية تعاطٍ لذات الفترة الزمنية، وما يثير الرعب ما بين المواطنين بشكلٍ عام، هو وجود مؤثرات من أنواع مختلفة للمخدرات والتي تُسمى بـ”الكريستال”، أو الجوكر، الذي بات يُشكل خطراً على عقول المتعاطين وحدوث ردود أفعال جرمية قد تصدر منهم.
الخبير في حقوق الإنسان ومواجهة العنف والجريمة مستشار الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان يبين أن هناك مسببات قد تكون وراء عبارة ” في بيتنا مدمن”، والتي يصعب التعامل معها في كثير من الأحيان، حيث يتحول فيها الإنسان المتعاطي من حاجته إلى العلاج من الإدمان، إلى مريض نفسي وبحاجة لرعاية نفسية معمقة بالتزامن مع العلاج من الإدمان.
وسبب الوصول إلى هذه الحالات المستعصية من المدمنين هو تدني جودة الخدمات المتعلقة بالصحة النفسية، والتي تتكون من تكامل الطب النفسي مع علم النفس السريري مع الخدمات الاجتماعية مع التأهيل، بالإضافة إلى الغياب التام للاكتشاف المبكر للامراض النفسية والاضطرابات.
ويشير جهشان إلى أن الخطورة في كثير من الأحيان تتمثل في عدم القدرة على السيطرة او توقع سلوك الاهل في مثل هذه الظروف بغياب توفر الارشاد المتخصص، وجهة تستجيب مهنيا لشكوى او حالة المريض والاهل، ويغدو كلا الوالدين، “والأب تحديداً” أو المتعاطي للمخدرات، غير قادرين على ضبط السلوك، الأمر الذي قد يكون نهايته مأساوية وجرمية وتصل إلى حد “القتل”.
ويؤكد جهشان أن حل المشكلة برمتها يبدأ من الحكومة ووزارة الصحة، كون الأهل قد يضطرون آسفين إلى تسليم أبنائهم للمراكز الأمنية في سبيل إيجاد حل لهم ولأبنائهم، كما ان القاضي ملزم بالقانون حرفيا، وفق جهشان، ولا توجد مواد بالقانون لعلاج مرضى الادمان قسرياً.
وكما يؤكد جهشان ان علاج المرضى النفسيين قسريا نادر الحدوث والتطبيق في هذه الحالات، وهو ما يجب ان يُطبق، وهذا من ضمن اختصاص وزارة الصحة وليس القضاء، وهذا غير وارد بحال وزارة الصحة الحالي، ورغم تكرار المطالبة لغاية الآن إلا أنه لا يوجد قانون مخصص للصحة النفسية في الاردن يعالج كافة الامور ومنها قضايا إدمان المخدرات.
ولكن، في كل قضية تُطرح في سرد قصص المتعاطين وممن وصلوا إلى حد الإدمان، وحتى ممن يعملون في مجال تجارة المخدرات بأنواعها، خاصة مع اكتشاف ان نسبة كبيرة منهم هم من الشباب وصغار السن، الذين يسهل عليهم البيع المجزأ للخدرات، يتحدث الجميع عن دور الأهل في هذه المرحلة و” أين الأهل عن أبنائهم؟”.
وفي ذلك، يقول الخبير والاستشاري التربوي الدكتور عايش النوايسة إن تعاطي المخدرات بأنواعها أصبح للأسف ملفتا للنظر، مع انتشاره في عدد من البيوت وبين الاسر، وخاصة “الحشيش الصناعي” الذي لا يمكن السيطرة على نتائجه في كثير من الأحيان، ويُشكل خطراً كبيراً على الاسر والمجتمع والابناء، وهناك كم هائل من الحالات التي نشاهدها ونسمع عنها بشكل يومي.
وفيما يتعلق بدور الأهل في هذا الجانب، يقول النوايسة إن على الأهل معرفة أسلوب وسلوكيات ابنائهم ومتابعتهم واصدقائهم، فالصديق هو المرآة الحقيقة، لذلك وجب على الاهل ان يكونوا على اطلاع تام ومعرفة بتصرف الأبناء خارج المنزل وعلاقاتهم وحياتهم اليومية”.
وحول ما يحدث من قضايا “جرمية” في قضايا الإدمان، وحدوث جريمة من الأب أو الأم ضد الابن، أو العكس فإن ذلك “غير مقبول اطلاقاً”، وفق جهشان، وأنه لا مبرر للقتل او للعنف بأي شكل من الاشكال.
وبحسب جهشان، فإن “اللوم الوحيد لا يقع الا على التراخي من الجهات المعنية باحترام حقوق المرضى النفسيين بما فيهم الاضطرابات النفسية للمدمنين.
اختصاصية علم الاجتماع الدكتورة فاديا الابراهيمي تتفق كذلك بأن “تعاطي المخدرات يقتل مستقبل وأمال واحلام أبنائنا وشبابنا ويهدم أسرنا وبيوتنا ويكسر قلوب أمهاتنا وكبرياء أبنائنا ويتأثر سلباً أمان ومستقبل مجتمعاتنا”.
وتشير الإبراهيمي الى ان دوافع تعاطي المخدرات مختلفة ومتنوعة أهمها الفراغ والبطالة الفقر قلة الوازع الديني والتقصير في التربية والمشكلات الاسرية والصدمات العاطفية ورفقاء السوء عدا عن غياب العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص مما يدخل الشباب في حاله من الاكتئاب والاحباط تدفعهم لتعاطي المخدرات.
وفي الكثير من القضايا، يرى النوايسة ضرورة الانتباه للاهتمامات الموجودة عند الابناء، وبالتالي تعزيزها، حتى لا يتشكل لديهم وقت فراغ كبير يجعلهم يبحثون عن بدائل، كما يجب متابعة مواقع التواصل الاجتماعي التي يتابعها الابن، من الجنسين، فهنالك مقاطع يمكن أن تؤثر في سلوك الابن، كما في المقاطع التي تتناول التعاطي أو التدخين، والمشروب، وغيرها من الأمور، بطريقة فكاهية أو أنها سلوك عادي.
وكما تبين المعطيات لدى مدمني المخدرات، فإن عددا كبيرا من هؤلاء يقلدون سلوكيات تنتشر مواقع التواصل الاجتماعي، كما يرى النوايسة، لذلك الفراغ “مفسد”، والاصل ” ان نشغل أبنائنا بأمور تعود عليهم بالنفع والسلوك السوي، وأن نركز على الهوايات وأن نكون على اطلاع يومي بسلوكيات الابناء”.
ولكن يشدد النوايسة على أهمية ألا يتبع الأهل طريقة تربية تتسم بالتسلط، بل أن يكونوا قريبين من الأبناء، مساندين لهم في كل الظروف لتجاوز مشاكلهم النفسية، إذ إن شعور التقارب ما بين الأهل والأبناء، يشجعهم على المصارحة والبحث دائماً عن الحلول قبل فوات الاوان.
ويؤكد النوايسة أن التعاطي والادمان هو في الأصل “مرض” وأحياناً يكون نسبة التشافي منه والعودة عنه ضعيفة، لذلك، يتفق النوايسة مع جهشان على ضرورة تفعيل دور المؤسسات الوطنية في إيجاد حلول لضحايا التعاطي وذويهم، كما في المؤسسات الاعلامية والتربوية والدينية، مع برامج هادفة.
الى ذلك، استقطاب الشباب واستغلال طاقاتهم وجهدهم وفراغهم في ظل ارتفاع معدلات البطالة، وذلك عبر برامج جديدة تغطي اوقات الفراغ، والتي تعد أحد أهم اسباب اللجوء للمخدرات، ويكون البعض فريسة سهله للتجار، لذا، فإن هذا يحتاج جهدا تشاركيا من الجميع يبدأ من الاسرة وينتهي بالمؤسسات الوطنية والأهلية.
ولحماية الابناء من الوقوع في فخ تعاطي المخدرات يجب أن يتفهم الاهل أن احتواء الشباب وتفهم مطالبهم ومساعدتهم هي أولوية كبرى لحمايتهم، وفق الابراهيمي، وذلك عن طريق مراقبة سلوكياتهم وملاحظة أي تغيير فيها.
وبعد التأكد ووجود الدلائل على تعاطي المخدرات، عدم التسرع أو الانفعال رغم أننا نعرف أن هذا الامر مؤلم ومستفز، لكن يجب ضبط الأعصاب وعدم مواجهة المدمن مباشرة، و”لا ننسى انه اذا واجهنا المدمن في أغلب الاحوال سينكر لانه يعرف أنه ارتكب خطأ كبير”، لذا هنالك اهمية لطلب المساعدة أو الاستشارة لمعرفة الطريقة المُثلى، بحسب الابراهيمي.
كما يمكن استشارة طبيب مختص بعلاج الادمان أو الذهاب لمراكز علاج الادمان وطلب المشورة والمساعدة منهم أو اختصاصي نفسي أو اجتماعي وسيحددون الطريقة المثلى للتعامل معه.
ولا بد من إعطاء الثقة والدعم للابن والوقوف الى جانبه وعدم التخلى عنه أبداً في رحلة العلاج، حيث اغلب حالات التعامل مع الاشخاص المدمنين تكون سلبية وقاسية وسيئة للغايه، فنرى الاسرة تنفعل انفعالا شديدا دون مراعاه لحالة ونفسية المدمن، فينهال عليه اللوم والعنف الجسدي واللفظي والنفسي ويمكن أن يمتد لحبسه داخل المنزل أو طرده من المنزل فتزيد الحالة سوءاً.
وهنا تؤكد الإبراهيمي انه يجب أن نتفهم أن متعاطي المخدرات هو مريض بالدرجه الاولى وأنه ضحية لظروف مختلفة دفعته لمثل هذا السلوك، مع ضرورة كسر حاجز الخجل والفوبيا المجتمعية إن كان أحد أفراد العائلة قد أدمن المخدرات لأن هذا الموضوع اصبح منتشر وأي شخص ممكن أن يتعرض له.
ووفق ما تقول الابراهيمي، ينبغي ان نتفهم أيضاً أن صحة وسلامة المدمن ومساعدته على الشفاء أهم بكثير من كلام الناس ونظرة المجتمع، وعند محاولة اقناع المتعاطي بالعلاج والتوقف عن الادمان ورفض ذلك من المهم إبلاغ الجهات الأمنية المختصة حتى لا يتسبب في ضرر لنفسه أو أسرته ومجتمعه.
واخيرا، تلفت الابراهيمي إلى انه وفي حال تم العلاج والتخلص من حالة الادمان، علينا ألا ننسى مرحلة التعافي النفسي واعادة الادماج بالمجتمع بشكل صحيح يضمن للابن عدم العودة مطلقاً الى حالة الادمان، ومساعدته في حل الاسباب أو المشكلات التي دفعته لذلك.