عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Nov-2019

انتفاضة البنزين ومصير ملالي طهران - باسر عبد العزيز
 
الجزيرة - حينما قرر رئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد مصدق زيادة العائد المالي الذي تجنيه الدولة من ناتج الشراكة مع شركة بريتش بتروليوم المسيطر الأكبر على عائدات النفط في بلاده وهدد بسحب الاستثمارات من الشركة، لفت ذلك انتباه الرئيس الأمريكي آنذاك أيزنهاور بأن حالة من التمرد بدأت تسري في شرايين الدولة التابعة بعد انتخاب رئيس وزرائها الجديد، وهو ما يعني أن السكوت عليه تقارب محتمل مع الاتحاد السوفيتي العدو الأقوى للرأسمالية في ذلك الوقت، وكشكل من أشكال الحرب الإبداعية ولعدم الانجرار لحرب نووية مع الاتحاد السوفيتي في حال تدخلت أمريكا مباشرة لحماية مصالح حليفتها بريطانيا وحماية النفوذ الرأسمالي وإخضاعا للدولة التي بدأت تتمرد قرر الرئيس الأمريكي، وبناء على نصيحة كل من وزير خارجيته آلان دالاس ورئيس مخابراته جون دالاس بإرسال أحد عملائهم ببضعة ملايين من الدولارات إلى إيران لشراء ذمم بعض النافذين مقابل أن تكون أيام مصدق في الحكم معدودة.. وهو ما قد كان.
 
 قبل ستة أشهر من اندلاع التظاهرات في إيران بسبب رفع أسعار البنزين في إيران أختصر واستبق وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو المشهد الحاصل الآن حين قال: (نهدف من العقوبات أن ينتقل النظام الإيراني من القتال على جبهات عدة في الشرق الأوسط، إلى القتال من أجل بقائه وحماية نفسه)، لقد سبقت هذه التظاهرات بأيام قليلة موجة تظاهرات في مدن الأحواز العربية بعد اغتيال الشاعر العربي حسن الحيدري وتحولت جنازته إلى تظاهرات حاشدة شاركت فيها المدن الأحوازية كل في مدينته، مع ذلك لم تخرج هذه التظاهرات عن تلك التي يفجرها الأحواز من وقت لآخر، لكن قرار رفع سعر البنزين بهذا الشكل المستفز في بلد عرفت منذ اكتشاف النفط فيها بــ (جنة البنزين) وذلك لانخفاض أسعارها عن دول الجوار، مع ذلك فإن عمليات تهريب البنزين من إيران والذي يقوم عليها الحرس الثوري التابع للمرشد مباشرة جعل الدولة عاجزة عن الاستمرار في المادة الأهم والأكثر تأثيرا في اقتصاد المواطن الإيراني.
 
لا شك أن الموجة الثانية للعقوبات الأمريكية على إيران قد أثرت إلى حد بعيد على اقتصاد إيران إلا أن تلك العقوبات لم تنهك الاقتصاد الإيراني كما يحاول الأمريكيون، أو الآملون من جوار إيران، أن يصوروا المشهد، فالعراق كحديقة خلفية للاقتصاد الإيراني قد استطاع أن يخفف كثيرا من وطأة تلك العقوبات، ولا يخفى أن الاستثمار القذر الذي يقوم به الحرس الثوري بشراكة مع حزب الله والمتمثل في الاتجار في المخدرات والبشر وبيع الأعضاء وتزييف العملات وما يتبع كل ذلك من تحويلات من خلال الشبكة السوداء وغسل الأموال جعل العقوبات الأمريكية غير ذات جدوى حقيقية ولم تحقق الهدف منها.
 
عودة إلى تصريح مايك بومبيو، وبشيء من التدقيق نجد أن أمريكا لم تضع في حسبانها إسقاط نظام الملالي في إيران بقد تحجيم نفوذها وقصقصت أجنحتها بعد أن تنامت بشكل لا يمكن السكوت عليه ومؤشرات ذلك انجلت في الاشهر الأخيرة بعد إقالة جون بولتون أحد الصقور المهمة في البيت الأبيض، كما أن سكوت الإدارة الأمريكية على إسقاط إيران الاستطلاع في الخليج، وغض الطرف عن تهديد أمن الملاحة في الخليج، ثم تصريح الرئيس الأمريكي المحبط للسعودية بعد هجوم أحد أذرع إيران على شركة أرامكو السعودية، يؤشر إلى أن أمريكا لا ترغب في إسقاط النظام في طهران.
 
وقد تكون لأمريكا أسبابها في ذلك مثل الاستمرار في استخدام إيران كورقة لتهديد أمن الخليج ومن ثم مزيد من النفوذ وبيع السلاح، وهو المبرر الذي اتخذته لعودة جنودها إلى السعودية بعد اثني عشر عاما على خروجها، كما أن إيران ورقة مهمة في يد أمريكا ضد (أعدقائها) في الكيان الصهيوني، فلابد من إشغال الكيان الصهيوني بعدو بعد إسقاط الأنظمة العربية المقاومة وتطبيع الأنظمة الأخرى معه، لذا فإن الخطة الأمريكية تهدف إلى  إضعاف المليشيات الموالية لإيران دون تفكيكها، وهو ما سينعكس بالطبع على المشهد اللبناني واليمني وكذا العراقي والسوري، وهو ما يفسر مثلا جر الحوثي إلى اتفاق الطائف، لذا فإن خطة الإبقاء على النظام يأتي ضمن خطة أكبر لتقسيم المنطقة ومن ضمنها إيران في حينها.   
 
لذا فإن إستراتيجية أمريكا في التعامل مع إيران تتمثل، بحسب الشواهد، في عدم التدخل المباشر في حرب مع إيران، حتى ولو ستدفع السعودية فاتورتها، وذلك لاستمرار الاستفادة من الدور الإيراني في المنطقة، ولأن قوة إيران العسكرية وموقعها الجيوسياسي، يجعل أمريكا تفكر ألف مرة قبل خوض مغامرة في الخليج ثانية، في ظل سياسة لملمة الخسائر، أفغانستان مثال، كما أن تجربة حرب الناقلات التي دشنتها إيران في ثمانينات القرن الماضي والتي أفقدت العالم ملايين البراميل من النفط تؤكد أن أمريكا لا ترغب في خسارة واردتها من النفط حتى مع الإنتاج الاقتصادي للنفط الصخري من أراضيها.
 
لذا فإن المتوقع أن تمارس أمريكا سياسة الضغط القصوى لإنهاك إيران دون إسقاط نظامها، ومن هنا يمكن تفهم اندلاع الثورات في كل من العراق ولبنان في هذا التوقيت بالذات، بعد إنهاك حزب الله والحوثي وفتح المجال للطيران الصهيوني لقصف المليشيات العراقية، والنتيجة في النهاية هي خروج إيران من هذه الموجة القوية من التظاهرات بمزيد من الخسائر المتمثلة في حرق وتخريب المنشآت الاقتصادية ما يقابله قمع كبير من قبل الباسيج والحر الثوري وسقوط المئات من المتظاهرين وحراك دولي حقوقي ينتج عنه مزيد من العقوبات والتضييق يضعف النظام أكثر وأكثر لكنه سيبقيه على قيد الحياة.