عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-May-2019

تأملات في فریضة الصیام - أسامة شحادة
الغد- ھا نحن على مشارف تودیع شھر رمضان بعد أن كنا في حالة ترقب وتشوق لقدومھ، وصدق الله العظیم في وصف قلة زمان رمضان بقولھ: ”أیاما معدودات“ (البقرة: 184 ،(نسأل الله أن نكون
ُ ممن حظي بالقبول وفاز بالعتق وب ّشر بالقبول إن شاء الله.
جمیعاً فیلم الاكشن والاثارة والتشویق خالد یدخل طریق الإرھاب وعلیھ التھرب من الداخلیة واستمالة حبیبتھ التي ترفض أفكاره الجھادیة.
فھذه عدة تأملات في فریضة الصیام من معین القرآن الكریم، الذي ھو رفیق وأنیس الصائمین
والقائمین والمعتكفین في ھذا الشھر المبارك.
1 – ُ یقول الله تعالى: ”یا أیھا الذین آمنوا ك ُ تب علیكم الصیام كما كتب على الذین من قبلكم“ (البقرة: 183 ،(وفي ھذا إشارة صریحة إلى أن شعیرة الصیام شعیرة عرفتھا الأمم السابقة وكانت
مفروضة وواجبة على المؤمنین عبر العصور.
ً وفي ھذا أیضا دلالة صریحة على وحدة البشریة وعالمیة الإسلام، فالإسلام والقرآن یصرحان مراراً وتكراراً أن البشریة كلھا من أصل واحد، وھو آدم علیھ السلام، الذي خلقھ الله عز وجل خلقاً
تماماً مباشراً ٌ من الطین ”إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طین“ (ص: 71 ،(وھذا یھدم كل
مزاعم نظریات التطور وأن الإنسان تطور من حیوانات سابقة! ولذلك فإن البشریة عبر تاریخھا الطویل وحاضرھا الممتد -وبرغم تعدد شعوبھا وأجناسھا وألوانھا وألسنتھا- كلھا تخضع لنفس المعاییر والسنن الربانیة.
وأیضاً فإن القرآن الكریم یصرح مراراً وتكراراً بأن البشریة كلھا والكون كلھ من خلق الله عز وجل ”الله خالق كل شيء“ (الزمر: 62 ،(وأن البشریة بأجمعھا مطالبة بالعبودیة  عز وجل والدخول في الإسلام، وبھذا جاءت الرسل والأنبیاء لكل الأمم والشعوب ”ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت“ (النحل: 36 ،(وقال تعالى: ”إن الدین عند الله الإسلام“ (آل عمران: 19.( ومن ھنا فإن أركان الإسلام الخمسة: شھادة التوحید، الصلاة، الزكاة، الصیام، الحج، لا تختص بأمة محمد علیھ الصلاة والسلام، بل ھي أركان الإسلام الدین الشامل للبشریة جمعاء وكذلك ھو حال أركان الإیمان الستة.
فبخصوص أركان الإسلام نجد كل الأنبیاء طالبوا أممھم بشھادة التوحید وعبادة الله وحده كما تقدم،
وكل الأنبیاء كانوا یصلون ویأمرون أقوامھم بالصلاة، فھا ھو أبو الأنبیاء إبراھیم علیھ الصلاة
ّ والسلام یقول: ”رب اجعلني مقیم الصلاة ومن ذریتي“ (إبراھیم: 40 ،(وھا ھو عیسى المسیح علیھ
الصلاة والسلام یخاطب قومھ وھو رضیع مدافعاً عن طھارة أمھ مریم البتول: ”وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حیا“ (مریم: 31 ،(والزكاة كانت في شریعة كل الأنبیاء ”وجعلناھم أئمةً یھدون بأمرنا وأوحینا إلیھم فعل الخیرات وإقام الصلاة وإیتاء الزكاة وكانوا لنا عابدین“ (الأنبیاء: 73،( والحج أیضاً كان شعیرة معروفة عند الأنبیاء السابقین، فھا ھو إبراھیم یؤذن بالحج ”وأذّن في الناس  وعلى كل ضامر یأتین من كل فج عمیق“ (الحج: 27 ،(وقد صح عن النبي بالحج یأتوك رجالاً من الأنبیاء قد حج للكعبة، فعن ابن عباس رضي الله عنھما قال: صلى الله علیھ وسلم أن عدداً كبیراً ى في مسجد َ الخْی ِف ّ سبعون نبیًا، منھم موسى صلى الله قال رسول الله صلى الله علیھ وسلم: ”صلَّ ُّ علیھ وسلم“ رواه الطبراني َّ وصححھ الألباني، وأخبر النبي صلى الله علیھ وسلم أن نبي الله عیسى ِّ علیھ السلام سیحج في آخر الزمان بعد نزولھ للأرض، فعن أبي ھریرة رضي الله عنھ عن النبي صلى الله علیھ وسلم قال: ”والذي نفسي بیده، ُھَما“ رواه مسلم، وأما الصیام فقد تقدم أنھ كتب على الأمم السابقة أیضاً فشعیرة الصیام تربط المسلم المعاصر بتاریخھ العریق والذي یشمل كل الأنبیاء والرسل والأمم المسلمة ویحقق العولمة الحقیقیة!
وشعیرة الصیام تؤكد للمسلم والمسلمة المعاصرة أن الدین والتوحید ھما الأصل في البشریة، وأن
الكفر والشرك والإلحاد ھم الانحراف والشذوذ، بخلاف مزاعم العلمانیة لما جعلت أصلھا حیوان
كان منطقیاً أن تنطلق من الكفر!
ّ بینما الرؤیة القرآنیة التي تنطلق من تكریم الإنسان والبشریة ”ولقد كرمنا بني آدم“ (الإسراء: 70(
وأنھ خلق في الجنة فإنھا تكرم الإنسان أیضا وتجعل الإنسان الأول آدم علیھ الصلاة والسلام نبیا
دینھ الإسلام والتوحید بعیداً عن أوساخ الكفر والشرك.
2 – الصیام الذي ھو امتناع ذاتي طوعي عن المباحات والحلال ھو تجسید لعبودیتنا  عز وجل
ذي الجلال والكمال، ھذه العبودیة التي تحررنا من العبودیة المذلة للمخلوقات (أشخاص، أحجار،
أشجار، أوھام، مال، حیوانات...).
وھنا تتمثل قوة الإرادة والتسامي فوق الشھوات والأھواء للحصول على محبة ورضا الرحمن الرحیم من جھة، وأیضا تكشف بوضوح عن حقیقة الإیمان بأنھ الطاعة التامة  عز وجل في كل مناحي الحیاة، وفي ھذا رد على دعاة العلمنة الذین یحاولون فصل الدین عن الدولة، أو عن الحیاة عند الغلاة منھم.
وھذه العلمنة تتعارض مع حقیقة الإیمان والذي یقوم على أن  عز وجل أمر وحكم في كل شؤون
الحیاة ”قل إن صلاتي ونسكي ومحیاي ومماتي  رب العالمین* لا شریك لھ وبذلك أمرت وأنا أول المسلمین“ (الأنعام: 162-163 ،(وأن حقیقة الإیمان با عز وجل ھو الطاعة والخضوع التام لأوامره وأحكامھ مع المحبة والفرح بھا، والصیام ھو نموذج مصغر لاختبار التخلي عن الرغبات واللذائذ، وامتحان الصبر على المصاعب والمشاق، مما یكشف حقیقة المحبة ویبرھن على مقدار الإخلاص.
3 – ِ الصیام في ظاھره تعذیب للبدن وإرھاق للجسد، ولا ینتفع الفقیر بجوع الغني، ھذه ھي النظرة
السطحیة لحقائق الدین والتي تقیس الأمور بالمادیات المباشرة.
لكن لما تقدمت العلوم ثبتت فوائد الصیام الصحیة ومنھا تخلص الجسم من سمومھ وتجدید خلایاه
وھو الأمر الذي كان مجھولاً لمئات السنین والذي یصلح أن یكون من تنویعات معنى قولھ صلى الله
ُ علیھ وسلم ”الصیام ج ُ نة“ متفق علیھ، وج َ نة أي وقایة من الشھوات، ولذلك أمر الشباب بالصیام
لكسر الشھوة وھو أیضا وقایة صحیة، وبھذا یتجلى الإیمان بالغیب ویتحقق التسلیم المطلق لأمر الله
عز وجل لأن أمره كلھ خیر وبھذا نصل للیقین مجدداً بقولھ تعالى ”والله یعلم وأنتم لا تعلمون“ (البقرة: 216 ،(فكم من أمر رباني قد لا ندرك حكمتھ ومصلحتھ الآن لكن قد نعرف ذلك في المستقبل، وبالطاعة للأمر الرباني، ولو لم نعرف حكمتھ یختبر الإیمان في القلوب.
4 – لما كان الصیام في حقیقتھ اختبارا لمصداقیة الإیمان من جھة وتعامل مع عالم الروح وتجاوز عالم المادة والأشیاء، كانت مقاییسھ مختلفة، فرائحة فم الصائم (الخلوف) أزكى من رائحة المسك!
والثواب على الصیام یتولاه الله عز وجل مباشرة! وقیام لیلة القدر -وھي بضع ساعات- یعادل قیام
ألف شھر!
5 – ولما كان شھر الصیام من مواسم الخیر الجزیل والثواب العمیم فإن نھایتھ تكون عیداً وبھجة
ّ بما وفق الله عز وجل من طاعتھ ویسر من عبادتھ، فلذلك یفرح المؤمنون بصیامھم كما
وفرحاً یفرحون بحجھم، ومن ھنا فإن تحریف معنى العید لیصبح موسماً للعصیان ومناسبة لارتكاب الآثام ھو مثال بارز على ضخامة كید الشیطان وأولیائھ في جر المؤمنین والمؤمنات لدخول النار وإبعادھم عن طریق الرحمة والجنة والنعیم، فھل نغفل عن ھذا المكر في خاتمة رمضان، والعبرة
بالخواتیم