عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Sep-2022

كتب الأطفال.. تحطيم جسور الدهشة يعيق نمو المخيلة

 الغد-ديمة محبوبة

انتقاد الكاتبة المتخصصة في قصص الأطفال وسام سعد، تدخل الناشرين في معالجة الكاتب للقضايا التي يتناولها في مؤلفه الموجه للصغار، لم يأت من فراغ، حيث قدمت مثالا على تجربة شخصية حدثت معها.
تقول “قبل سنوات كتبت قصة عن طفل يعيش في أجواء الحرب. الطفل كان لديه عصفور في قفص، خاف أن يلقى حتفه جراء القصف فقرر أن يحرره. لكن الحرب المستمرة قتلت العصفور رغم تحريره.. هذه الجزئية لم تعجب دار النشر التي تقدمت لها بالقصة”.
وأضافت “اشترطت الدار للموافقة على النشر تغيير النهاية إلى وداع العصفور الذي يطير بعيدا عن ويلات الحرب، وذلك خوفا من عدم استحسان الأهالي للكتاب، الأمر الذي يعتقدون أنه يؤثر سلبا على المبيعات في المحصلة!”.
وسام سعد تشير إلى أن ثمة مواضيع تنظر إليها دور النشر “كمحرمات يُفضل عدم الكتابة عنها، مثل الموت، والطلاق، والغيرة بين الإخوة، رغم أنها مواضيع حيوية، وهي بالطبع تحتاج إلى معالجة خاصة”.
يتذكر محمد العمد، الذي يبلغ من العمر الآن 18 عاما، تجربته كطفل وكفتى يعشق القراءة واجه مشكلة في الحصول على كتب تشبع فضوله. يقول: “معظم القصص كانت مكررة، لا تحمل أفكارا جديدة. كنت مهتما بقصص الفلك والفضاء، ولم أكن أجد كتبا تناقش هذه المواضيع باللغة العربية. حتى المترجمة منها كانت قليلة وأغلبها مترجم بلغة ضعيفة غير مترابطة”.
نتيجة لذلك، اتجه العمد إلى قراءة القصص باللغة الإنجليزية، التي وجد فيها “تنوعا كبيرا لجهة المواضيع وأساليب طرحها، وحتى نهاياتها كانت مختلفة لا تركز دائما على النهاية السعيدة، التي غالبا ما نجدها في الكتب العربية”.
أما مراد عماد إسماعيل الأب لأربعة أطفال، فيقول: “لم أجد كتبا عربية موجهة للأطفال توسع آفاقهم، وتجعلهم على دراية بما سيواجهونه في الحياة من مصاعب. هذا الأمر دفعني للبحث عن كتب بلغات أخرى تقدم معرفة معقولة وتراعي الجوانب النفسية للطفل. لكن ربما هناك بعض الاستثناءات في الكتب العربية مثل قصص المكتبة الخضراء التي تحكي قصصا من التراث العالمي، وفيها متعة وفائدة للطفل”.
جسور إلى الدهشة
يجمع عدد من المتخصصين في أدب الطفل على أن معظم المنخرطين في العملية الإبداعية لكتب الأطفال يتعاملون معهم باعتبارهم أشخاصا أقل ذكاء، أو محدودي الخيال. فالمواضيع تقليدية، وأغلفة الكتب تحمل تصاميم بدائية غير جاذبة، والرسوم الداخلية مباشرة تفتقر إلى الخيال، بحسب ما يقولون.
الكاتب المتخصص بأدب الطفل محمد جمال عمرو، يرى أن المشكلة تكمن في طريقة طرح المواضيع، تحديدا تلك التي تركز على قيم الصدق والوفاء والصداقة، فإذا رغب الناشر بإصدار سلسلة عن الفضائل مثلا، فعلى الأديب أن يطرح الفكرة بعيدا عن أسلوب الوعظ. ويضيف “كل الرسائل المراد إيصالها إلى عقل الطفل ووجدانه نستطيع إيصالها بأسلوب يستمتع به الطفل ويحبه، مثل الفكاهة، والمغامرة، والألغاز، وهذه كلها جسور تحمل الطفل القارئ إلى عالم المتعة والدهشة والانبهار، طبعا في حال كان الكاتب محترفا عارفا بعوالم الطفل وقريبا من وجدانه”.
ويضيف: “تسقط الفكرة مهما كانت نبيلة وراقية، إن صادفت كاتبا يجهل عوالم الطفل، وبقاموسه اللغوي، وجاهلا بخصائص الوسيط الذي من خلاله يقدم الأدب للطفل”.
تؤكد سعد ما سبق، بالقول: “من يكتب للطفل عليه أن يعرف حاجاته النفسية واهتماماته، وإلا سيحصر نفسه في مواضيع مكررة وفي أساليب معالجة تقليدية، لا تخاطب الطفل الذي يعيش اليوم في عصر ذكي ولديه القدرة على التواصل مع العالم كله”.
أما الاختصاصية التربوية، د. سعاد غيث، فتشير إلى أن كتب الأطفال وقصصهم “فيها تنوع كبير بالمواضيع، لكنها فعلا بعيدة عما يسمى بالمحرمات المجتمعية”.
وتقول: “شاهدت كتبا تتناول موضوع حماية الجسد من الإساءة الجنسية، على سبيل المثال، وكتبا أخرى عن التسامح مع الآخر المختلف، فهي موجودة لكنها ليست شائعة، وبالمقارنة مع السواد الأعظم مما يكتب للطفل فهي تكاد لا تذكر”.
وتتابع: “في المجمل، كتب الأطفال تركز على القيم والأخلاقيات، أما المواضيع التي تهتم بالنمو العاطفي والإدراكي والاجتماعي، ونمو الذات والهوية، فتغيب بشكل كبير”.
يرد صاحب دار المنهل للنشر والتوزيع خالد بلبيسي، على ما سبق، بالتأكيد أن دور النشر “مرآة لما يطلب في الأسواق من مختلف شرائح المجتمع”.
ويوضح: “عند الحديث عن كتب الطفل، خصوصا في الفئات العمرية المبكرة، فنحن نتحدث عن أولياء أمور، ومعلمين ومعلمات، ومؤسسات مجتمع مدني، ولجان اقتناء الكتب في المؤسسات العامة والخاصة، وهؤلاء جميعا لديهم ضوابط وحساسية ضمنية تجاه العديد من المواضيع، فتجد ولي الأمر أو المدرس أو المشرف التربوي يبتعد عن الكتب التي تتناول قضايا غير تقليدية ولا يريدون الخوض فيها، هذه أكبر مشكلة نواجهها”.
ويضيف بلبيسي “وفي المقابل، ينقصنا أصحاب اختصاص يتعاملون مع هذه المواضيع بأساليب إبداعية، ويطرحونها بشكل متدرج غير مباشر، حتى لا نصطدم بالرفض التلقائي المجتمعي. هناك كتّاب لا يعرفون شيئا عن الكتابة للطفل، وكيفية معالجة الأفكار”. ويشير، من ناحية أخرى، إلى تجارب ناجحة لترجمة العديد من العناوين التي تناقش مواضيع حساسة، والتي طرحت بطريقة غير تقليدية، ولاقت قبولا لدى العديد من الفئات في المجتمع، خصوصا “عند اعتماد ترجمة أدبية يمكن أن تهذب النص بما يناسب الحياة العربية”.
ويقول عمرو “إن أول شرط من شروط الكتابة للطفل أن يكون الكاتب متمكنا من أدواته الإبداعية، ومدركا لخصائص كل مرحلة من مراحل الطفولة”. وهو يعتقد “أن الكاتب الناجح يستطيع تقديم الأفكار المناسبة للأطفال -مهما كانت خطورتها وحساسيتها- من دون الوقوع في المحاذير أو التعرض للنقد من قبل التربويين وأولياء الأمور وسواهم. مع أهمية البحث بذكاء عن قوالب جاذبة”، بحسب ما يقول.
حواجز وهمية
وفي سياق آخر، تلفت سعد إلى ضرورة الاعتناء بالشكل الفني لكتاب الطفل، معتبرة أنه لا يقل أهمية عن المحتوى، وموضحة “أن بعض دور النشر تصمم كتب الأطفال ورسومها بطريقة لا تواكب التطور الذي نعيشه اليوم، وهو ما يدفع الطفل الأردني لتفضيل الكتب الأجنبية، فألوانها ورسومها جميلة، وأغلفتها مصممة بطريقة جذابة”.
وهو أمر أكده العمد حين قال: “أول ما كان يجذبني في القصص والكتب الأجنبية الصور والألوان الجميلة الزاهية، وملمس الورق والغلاف، وهو أمر بدا لي أنه لا يُعتنى به كثيرا في كتب القصص العربية”.
يشير الفنان التشكيلي علي عمرو إلى إشكالية الرسم للطفل، موضحا “أن الكثير من الفنانين يرسمون ما يرونه هم كأشخاص بالغين وليس ما يراه الطفل. وفي الوقت نفسه يعتقدون أن الطفل محدود الخيال، لذلك نجد بعض الرسومات وكأنها خربشات لكنها مرسومة بشكل طفولي، بطريقة بعيدة كل البعد عن إطلاق العنان لمخيلة الطفل”.
ويقول: “إذا أردنا منتجا أدبيا ناجحا علينا الاشتغال على الشكل الفني والوعاء الذي يقدم من خلاله الأدب، وليس فقط المضمون. قد تكون منافسة الوسائط الثقافية الحديثة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، إذا توفرت الإرادة لدى أطراف عملية إنتاج أدب الطفل العربي”.
بلبيسي يرى “أن ثمة حواجز وعوائق شكلية ووهمية أمام إنتاج كتب أطفال جيدة، يمكن كسرها وتجاوزها من خلال ورش العمل، وجلسات العصف الذهني التي يشارك بها مؤلفون وناشرون لمناقشة جميع جوانب العملية الإبداعية باستفاضة وأريحية، والخروج منها بتوصيات يمكن تبنيها من قبل جميع المعنيين بالأمر”.
مطلوب رؤية وطنية
لكن ماذا عن دور وزارة الثقافة الأردنية في تطوير محتوى كتب الأطفال؟ وقد حددت، في استراتيجيتها وضمن رسالتها هدف “النهوض بالفعل الثقافي الأردني وإطلاقه في فضاء إبداعي حر،… وتوظيفه للتأثير على نوعية حياة الإنسان اجتماعيًا واقتصاديًا وفكريًا”.
يؤكد مدير الدراسات والنشر في وزارة الثقافة الدكتور سالم الدهام، أن وزارة الثقافة “جهة داعمة وراعية للفعل الثقافي بجميع أشكاله أكثر منها صانعة له”، موضحا أنه “ليس هناك قيود على حركة التأليف والكتابة إلا في حدود القوانين والأنظمة المرعية لجهة عدم المساس بالخصوصيات والحقوق المحفوظة دستوريا وقانونيا لأي مكون من مكونات المجتمع الأردني الدينية أو العرقية”.
ويتابع: “لأن الكتابة للأطفال على درجة كبيرة من الأهمية، فإن وزارة الثقافة خصصت مجلة شهرية لمناقشة قضاياهم وشؤونهم، وهي تستقبل ما يقدمه المؤلفون لها من دراسات ومخطوطات، وتنشر كل ما يصلح للنشر من الناحية الفنية. لكن غياب بعض القضايا في هذا الجهد مثل مواضيع الجنس والدين والسياسة، فأظن، وبعض الظن من اليقين، أن المؤلفين ومن ورائهم دور النشر لا يدعمون هذا التوجه، تقديرا منهم لخطورة إغراق الأطفال بمثل هذه المواضيع، التي تحتاج إلى حرفية عالية في تقديم الجرعة المناسبة من هذا النوع من الثقافة، وبالطريقة المناسبة ضمن سياق تربوي عام. وذلك حتى لا يحدث خلل في التنشئة الاجتماعية لدى الأطفال، ومن ثم تنقلب الغاية المرجوة من وراء ذلك إلى ضدها”.
ومن وجهة نظر شخصية للداهم، فإن “تبني مثل هذه المواضيع في كتب الأطفال يحتاج إلى تقدير علمي مسؤول، وهذا التقدير ينبغي أن يكون من لدن المؤسسات الوطنية المختصة بالطفولة، ومن الأكاديميين والباحثين المختصين، ومن التربويين، وعلماء نفس الطفولة، والمبدعين، ليقدر هؤلاء جميعا شكل ونوعية المحتوى المعرفي المناسب لكل مرحلة عمرية من مراحل الطفولة”.
ويقول: “إذا كانت المؤسسات الأهلية كدور النشر تستشعر هذه المسؤولية وتتريث في خوض غمارها، فكيف يطلب من مؤسسة رسمية تمثل الحكومة في الشأن الثقافي أن تنوب عن المؤلفين والناشرين الأهليين دون أن تتشكل رؤية أو استراتيجية وطنية بهذا الخصوص من قبل العاملين في حقل الطفولة على المستوى الوطني”.