عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Sep-2025

حين تصبح إسرائيل "منبوذة" على مستوى العالم*د. أحمد بطّاح

 الراي 

حين بدأت إسرائيل حربها على قطاع غزة في أعقاب السابع من أكتوبر 2023 تعاطف كثيرون معها حول العالم على أساس أن حربها كانت حرباً "دفاعية"، ولكن مع استمرار "الحرب الإبادية" التي تشنها على القطاع المنكوب، ومع ارتكابها لمختلف المجازر (أكثر من 60,000 شهيد وأكثر من 160,000 جريح)، ومع ممارستها لحرب التدمير (أكثر من 80% من مساكن غزة، وآخرها الأبراج)، وحرب التجويع (بشهادة الأمم المتحدة)، بدأ العالم يستفيق على همجية الحرب الإسرائيلية ولا "أخلاقيتها" وقد تجلّت هذه الاستفاقة في عدد من الظواهر التي لا يمكن التغافل عنها ومن أهمها:
 
أولاً: الرأي العام العالمي الذي عبّر عن نفسه في مظاهرات مليونية جابت عواصم العالم ومُدنه الكبرى (لندن، باريس، مدريد، .....الخ)، وعبّرت عنها بالذات احتجاجات الشباب في الجامعات، وبالذات في الجامعات الأمريكية (ومنها جامعات النخبة مثل: "هارفارد"، كولومبيا، MIT، .... الخ) كما عبّرت عنها استطلاعات الرأي المتعددة والمستقلة والتي أشارت بوضوح إلى أنّ ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة هي "جرائم حرب" موصوفة ولا يمكن السكوت عليها.
 
ثانياً: المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة وغير التابعة لها فمن تلك التابعة للأمم المتحدة والتي رصدت كارثة قطاع غزة: منظمة الصحة العالمية، والأونروا، وتلك المسؤولة عن مراقبة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ومن تلك المنظمات غير التابعة للأمم المتحدة: منظمة العفو الدولية، والمنظمة العالمية لحقوق الإنسان، بل وحتى المنظمات الحقوقية الإسرائيلية كمنظمة "بتسليم"، وغني عن القول في هذا السياق أن محكمة العدل الدولية -وهي أعلى محكمة عالمية تابعة للأمم المتحدة- تحاكم إسرائيل الآن بتهمة الإبادة الجماعية (Genoside)، كما أنّ محكمة الجنايات الدولية أصدرت حُكمين على نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، وجالانت وزير دفاعها، يقضيان بأنهما "مجرما حرب".
 
ثالثاً: الحكومات على مستوى العالم، حيث لم تستطع هذه الحكومات، -وبالذات في أوروبا التي دأبت على دعم إسرائيل وحمايتها وتنمية العلاقات بمختلف أشكالها معها- تجاهل ما تقوم به إسرائيل فقامت بالاحتجاج على إسرائيل وتنبيهها إلى فداحة ما تقوم به ضد الشعب الفلسطيني في القطاع المنكوب، وقد تفاوتت إجراءَات هذه الدول فدولة مثل ألمانيا أوقفت شحن الأسلحة إلى إسرائيل (ألمانيا هي ثاني مُورد للأسلحة إلى إسرائيل بعد الولايات المتحدة)، وأخرى مثل فرنسا أعلنت أنها سوف تعترف بالدولة الفلسطينية أثناء اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة القادم وكذلك فعلت بريطانيا وبلجيكا، وثالثة منعت الوزراء الإسرائيليين المتطرفين مثل سموتريتش وبن غفير من دخول أراضيها، ورابعة مثل إسبانيا منعت السفن الإسرائيلية من الرسو في موانئها، ولعلّ المثال الأبرز على توجه الحكومات ضد "جرائم" إسرائيل وارتكاباتها هو موجة الاعترافات القادمة بالدولة الفلسطينية أثناء اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الشهر حيث يعتقد أن 17 دولة سوف تعترف بالدولة الفلسطينية بالإضافة إلى 147 دولة تعترف بها فعلياً، وذلك طبقاً لحل الدولتين القاضي بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 (الضفة الغربية وقطاع غزة) وعاصمتها القدس الشرقية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي بقيت تغرد خارج السرب وتقدم دعماً غير مسبوق وغير محدود لإسرائيل منكرةً أنها تقوم بإبادة جماعية وبتجويع مُمنهج للشعب الفلسطيني في القطاع.
 
إنّ من الواضح تماماً أن إسرائيل أصبحت "منبوذة" على مستوى العالم فعلاً وهي تكتفي بالاستناد إلى الولايات المتحدة كقوة عظمى توفر لها كل الدعم وبكافة أشكاله، فضلاً عن الغطاء السياسي في الأمم المتحدة وغيرها.
 
هل "وضعية" إسرائيل كدولة "منبوذة" مفيد لنا فعلاً؟ بالطبع وبخاصة على المدى البعيد، فالتاريخ علّمنا أنّ "جنوب إفريقيا" العنصرية كانت تحظى بالدعم الغربي غير المحدود ولكن الأمر انتهى بها إلى التسليم بحقوق مواطنيها السود وبتأسيس دولة غير عنصرية تحكمها الأغلبية السوداء، والولايات المتحدة أوهمت العالم أنّ حربها في فيتنام شرعية، ومُبرّرة للدفاع عن أمنها القومي، ولكن الأمر انتهى بها إلى أن يُدينها العالم ويحتج عليها شعبها وتُضّطر إلى الانسحاب المُهين من فيتنام، وفرنسا استعمرت الجزائر لمدة 130 سنة وادّعت أن الجزائر قطعة من فرنسا وعيّنت ممثلين لها في الجمعية الوطنية الفرنسية ولكن الأمر انتهى بها تحت ضغط الكفاح الجزائري الباسل، وتَعَاطُف العالم مع القضية الجزائرية إلى الانسحاب من الجزائر والإقرار بحق الشعب الجزائري بالحرية والاستقلال.
 
وفي الختام، فإنّ إسرائيل "منبوذة" الآن (برغم التمترس الأمريكي معها) ليس فقط من شعوب العالم، وبالذات الفئات الشبابية منها بل وبصورة متنامية من برلمانات العالم وحكوماته التي لم تعد تستطيع "هضم" الفظائع الإسرائيلية، وإنّ مما لا شك فيه أنّ إسرائيل سوف تجد نفسها في النهاية مُرغمة (كجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة، وفرنسا قبلها) إلى التسليم بحق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير الذي يتبلور في إقامة دولته المُستقلة على ترابه الوطني، وإنّ غداً لناظره قريب!