عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Jan-2021

العودة للدراسة الوجاهية: على أي أساس؟*موفق ملكاوي

 الغد

مزهوة بانتصارات وهمية، ومدفوعة بالتوجيه الملكي، تسارع وزارة التربية والتعليم إلى تبني “خطة” للعودة إلى التعليم الوجاهي لـ”بعض” الصفوف، مشددة لهجتها تجاه من تمنحه بركاتها في العودة ومن تحرمه منها.
هذه ليست كل المشكلة. عاجلا أم آجلا، سيعود جميع الطلبة إلى مدارسهم؛ فالزي المدرسي جاهز، والكتب مجلدة كما هي العادة، والحقيبة تم شراؤها منذ زمن. كل شيء جاهز لكي يختبروا رحلة العلم. سيلتقون بأقرانهم، ويلهون في الساحات. سيكون كل شيء على ما يرام، المديرون المتجهمون، والمعلمون الصارمون، والحصص، والمقصف المدرسي.
كل ما حولهم سيكون على ما يرام، حتى الأمهات اللواتي يستيقظن باكرا لإعداد السندويتشات، وإفراغ ما في جعبتهن من أدعية حضرنها مسبقا لأبناء يختبرون رحلة الحرف والمعرفة.
كل شيء سيبدو متاحا، سوى أن ثمة غصة في البال: هناك من لا يستطيع أن يتهجى اسمه كتابة على الورق. هؤلاء وقعوا في فخ القفز صفا آخر، لكنهم ما يزالون غير قادرين على أن يعرفوا كيف يمسكون الكتاب الذي تبدو صفحاته أشبه بالسراب أمام أعينهم.
طلبة كثيرون فاتهم قطار التعلم، وغرقوا في تعليم عن بعد لم يأخذ بالحسبان أن ثمة “أكثر من أردن” لكي نقيس المدخلات والأهداف والنتاجات.
المخططون العباقرة في وزارة التربية والتعليم، وعلى رأسهم الوزير، نسوا، على ما يبدو، مثل هذه التفصيلات “البسيطة”، ووضعوا برامجهم التعليمية العبقرية لطبقة لا يمكن لنصف الأردنيين بلوغها!!
يستطيع أي شخص أن يقول إن الواقع فرض نفسه علينا، وإن الوزارة لم تكن مخيرة في انتهاجها التعليم عن بعد، بل كانت مجبرة بين أن توقف عملية التعليم برمتها، أو أن تقدم خيارا بديلا عن طريق المنصات. ونحن أيضا لن نقول بخلاف ذلك!!
جميعنا يدرك أن جائحة كورونا فاجأت العالم بأسره، فباتت القطاعات جميعها تبحث عن بدائل مناسبة لاستدامتها. لكن ما نطالب به من أكثر من تسعة أشهر هو تقييم موضوعي للعملية التي تمت خلال فصلين دراسيين كاملين!!
أين هي الدراسات الموضوعية لوزارة التربية والتعليم التي تبين مدى تحقيق الاهداف التعليمية والنتاجات للصفوف المختلفة، وأين الملاحظات التي يفترض أن تكون قيمة في ما يخص فاقد التعليم الذي اعترفنا فيه جميعنا؟! مثل هذه الاعترافات، هي ما يحدد مدى تمتعنا بضمير مسؤول تجاه من نعتبرهم مستقبل الأردن!
لكن الاعتراف وحده سيظل نصف الحقيقة، ما لم يتم تدعيمه بدراسات حقيقية، وما لم تتوفر خطط وبرامج لتعويضه، وإلا فسنكون مثل من يعترف بالذنب من أجل تجاوز المحاسبة.
الصفوف الثلاثة الأولى اليوم تعيش كابوسا تعليميا حقيقيا. خطيئة الحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم تكمن في عدم إجرائها دراسات ومسوحات حقيقية حول مدى تمتع تلك الصفوف بالتعليم اللازم لنقلها إلى الصف التالي. الوزارة عاشت على مفردة “ممتاز” التي خطها رئيس الوزراء السابق الدكتور عمر الرزاز على نافذة زجاجية، فانتشت بالنتيجة المخالفة لرأي الأغلبية من العائلات الأردنية التي اختبرت فاقد التعليم الكبير في أبنائها، بينما الوزارة لم تكلف نفسها بفحص استطلاعات ومسوحات كثيرة قرعت جرس الإنذار حول مستقبل غامض لأجيال من الطلبة الأردنيين!
بإمكان وزير التربية والتعليم ووزارته أن يظلوا غاضي الطرف عن المأساة التي يغرق فيها آلاف الطلبة. لكننا نحذرهم من أن الوجدان الشعبي لا يغفر مثل هذا التقصير. كلما أسرعنا بتقييم تجربتنا السابقة، سنكون أكثر انحيازا ولأمانة المسؤولية. وأيضا، سنكون قادرين على وضع الخطط والاستراتيجيات لردم الفجوة التي نشأت خلال المرحلة السابقة. من دون ذلك سنظل نمارس تمثيلا وإهمالا ليس في مصلحة أحد!
نرحب بعودة التعليم الوجاهي، لكننا لا نرحب بموقف الوزارة الذي ما يزال منكرا للكارثة. وأيضا نحن لا نريد أن نعتقد أن ثمة “فخا” آخر لنا في بداية الفصل الجديد، لكي ندفع من دمائنا لتسمين أرصدة المدارس الخاصة، ثم نذهب بعده إلى تعليم عن بعد مرة أخرى، تماما كما حدث في الفصل الأخير!
الوزارة والوزير كانا بلا أي فاعلية حقيقية خلال الفصلين السابقين، واختبآ خلف “قانون الدفاع” الذي، ربما، يؤجل المساءلة، لكنه لن يلغيها. هذه المساءلة ينبغي أن يتصدى لها مجلس النواب الذي لمسنا فيه أصواتا خارج “منظومة الاحتواء” هذه المرة، ونحن ندعوه لأن يقوم بدوره.