النفاق بأشكاله.. يمتد “إلكترونيا” ويتوسع على منصات التواصل!
مجد جابر
عمان-الغد- النفاق.. ذلك المرض الاجتماعي الذي بات ينتشر بكثرة بين الأفراد سعيا للوصول لمآرب معينة تخدمهم، أو بهدف تحقيق المصالح بأشكالها، سواء على مستوى العلاقات أو في بيئة العمل.
ذلك النفاق يكون بادعاء الكذب على أنه صدق والمبالغة بالكلام والتصرفات في غير مكانها الصحيح لتحقيق أغراض شخصية وإرضاء الآخرين بهدف تحقيق مصلحة ما، ويلقى تجاوبا وقبولا، بالرغم من أنه يتناقض مع القيم المجتمعية السليمة والإيجابية.
غير أن ذلك النفاق وبأشكاله المتعددة، يمتد “الكترونيا” ويصبح واضحا بين الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا فيما يكتب وينشر، أو حتى عبر الصور والفيديوهات، والتي يكون واضحا في أحيان كثيرة غياب صدقها، لكنها تأتي من باب النفاق الذي يسميه البعض “مجاملة اجتماعية” تلزم في الوقت الحالي!
وأثناء تصفح الشخص مواقع التواصل الاجتماعي، ومروره بصور وتعليقات، يتفاجأ بوجود حالة من “النفاق الاجتماعي” على هذه الصفحات، وهو تماماً ما أكده إبراهيم علي الذي بات يعتبر أن هذه المواقع أصبحت فضاء واسعا للنفاق وتلبية المصالح والمجاملة المبالغ بها، فقط لا أكثر.
يقول إبراهيم، إنه يجلس على سبيل المثال مع شخص يدرك جيدا أنه على خلاف مع آخر وبدرجة كبيرة، وأنهما مهما حدث لن يتعاملا مع بعضهما بعضا مرة أخرى، غير أنه وبعد مرور أيام وأثناء تصفحه “انستغرام” يجد كليهما في صورة مليئة بالحب والمودة، ويزينها كلام مليء بالعاطفة تجعل المتصفح العادي يشعر بهذا التوافق والرقي والمحبة الموجودة بينهما.
ذلك الأمر جعله يقف متعجباً ما بين الواقع وما يشاهده على هذه المواقع، ليتفاجأ أن العلاقات باتت مبينة على المصالح والمحسوبيات بغض النظر عن مبادئ الشخص وطبيعة مشاعره الحقيقية وأصل الخلاف تجاه الشخص الآخر.
وربما جاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتزيد وتظهر حالة النفاق الاجتماعي الذي نراه أكثر، بسبب ما تشهده من نشر لصور وتعليقات، ما يخلق هذه الحالة من التعجب ما بين حقيقة مشاعر الإنسان وما يظهره على هذه المواقع من علاقات مزيفة.
وهو تماماً ما حدث مع منى عطا التي تفاجأت في أحد الأيام وهي تتصفح حسابها على “فيسبوك” بوجود “وصلة غزل”، كما وصفتها، ما بين صديقتها ومديرتها في العمل مع صورة تجمعهما، وهو ما جعلها تتفاجأ بسبب كمية الشكاوى التي تقولها لها صديقتها من مديرتها تحديداً وأنها تنتظر أي فرصة لتؤذيها بها وتكيد لها.
وهو ما جعلها تقوم بالاتصال بها، وتسألها ما اذا كانت الأمور بينهما باتت جيدة بسبب هذه الصورة والكلام الجميل، لتفاجأ بأن الوضع ما يزال من سيئ لأسوأ، لكنها تدبر لها مكيدة وهو ما دفعها لتستبق الأحداث بهذه الصورة لإبعاد الشبهات عنها.
هذا الموقف جعل منى تعيد الحساب بعلاقتها بهذه الصديقة، الى جانب أنه جعلها لا تصدق أي نوع من الحب والمشاعر الذي تراه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت عبارة عن نفاق اجتماعي للوصول الى مصالح ورغبات معينة.
وكانت إحصاءات عالمية حديثة قد أظهرت أن عدد مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارا حول العالم “فيسبوك” في الأردن، بلغ مع نهاية العام الماضي حوالي 5.8 مليون مستخدم.
وبحسب إحصائيات وتقديرات عالمية، يبلغ عدد مستخدمي “فيسبوك” في الأردن 5.7 ملايين حساب، وما يقارب 675 ألفا على “تويتر”، أما “انستغرام” فهناك ما يقارب من مليون مستخدم، وهناك مليون آخرون على موقع “سناب شات”.
ويرى الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي، أن هذا النفاق “الالكتروني” يعد من سلبيات التكنولوجيا واعتمادها على المجاملات والمبالغة في المديح، مبينا أن مواقع التواصل تخفي المشاعر الحقيقة للناس، فلا يعرف الشخص فعلاً هل هذه الصورة دليل حب وتوافق أم هي فقط من باب المصلحة والاستعراض.
ولا يمكن الحكم على سلوكيات الإنسان من خلال تصرفاته على مواقع التواصل كونها جميعها لها حسابات معينة، لافتاً إلى أن المبالغة في النفاق أمر سلبي مهما كانت العلاقة.
ويشير الى أن مواقع التواصل فتحت المجال أمام كل هذه الفئة من المنافقين وأصبحوا يجدونها طريقة مناسبة جداً للتودد لأشخاص بهذه الطرق، لافتا الى أن النفاق يخفي الحقائق الأصلية ويجعل الناس في حالة حيرة ما بين الواقع وما يشاهدونه على هذه المواقع.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة الى أن النفاق الاجتماعي هو آفة اجتماعية أصبحت موجودة وبارزة في مجتمعنا، ولها روادها وهي الطريقة الأسهل والأسرع للوصول وتحقيق المكاسب.
والنفاق أصبح من أشكال الحياة وموجودا بكثرة، ما يجعل الشخص يمدح الطرف الآخر بوجهه ويتحدث عنه بالسوء من خلفه، مبيناً أن مواقع التواصل الاجتماعي جاءت لتعزز وتزيد من هذه الآفة.
وهذا كله عبارة عن سلبيات في الشخصية وتشكيلها وتكوينها، وهذه الأمراض المجتمعية موجودة، أحياناً نجد من يتحدث عن النفاق الاجتماعي على مواقع التواصل هو نفسه الذي يقوم به.
ويذهب إلى أن الناس يعيشون في العالم الافتراضي كأنه عالم واقعي، مبينا أن مواقع التواصل أصبحت ساحة لفرض العضلات وإظهار المواهب والاستعراض واعتبار أن الغاية تبرر الوسيلة ولا يملكون القدرة على المواجهة، مبينا أن النفاق في الأصل هو حالة إنسانية موجودة ربما ظهرت أكثر بوجود هذه المواقع بسبب المنفعة التي يسعون اليها.
إلى ذلك، أصبح الشخص الصريح والصادق غير مرغوب فيه، مبينا أن المعاني الاجتماعية تغيرت وانعكست والمفاهيم اختلفت، وبات الشخص يصفق للمنافق ويطرب لحديثه، ما يجعله يزيد في هذا النفاق. ويشير مطارنة الى أن الشخص لابد أن يكون لديه موقف ومبدأ ولا يتبع أي وسيلة فيها نفاق.