الغد
هآرتس
بقلم: عاموس هرئيل
29/6/2025
بعد أن أنهى التفاخر بنجاح الهجوم في منشأة فوردو، وبعد أن أنهى إهانته للنظام في إيران وتهديده، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتنبؤ بموضوع صفقة تبادل قريبة بين إسرائيل وحماس. "هذا وضع فظيع. نحن نعتقد أنه في الأسبوع القادم سنحقق وقف لإطلاق النار"، قال في نهاية الأسبوع وأضاف "نظريا، نحن لا نشارك في ذلك. ولكن نحن نشارك لأن هناك أناسا يموتون".
الشخص الوحيد الذي يعرف هل يوجد في هذه الأقوال أي شيء حقيقي هو كما يبدو ترامب نفسه. فمنذ فوزه في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، يكثر ترامب من التصريحات المتفائلة بخصوص احتمالية التوصل إلى صفقة. في إحدى المرات قبل بضعة أيام على تسلمه للمنصب، نجح أيضا في فرض اتفاق على الطرفين. ولكن في آذار (مارس) الماضي إسرائيل خرقت وقف إطلاق النار مع حماس والصفقة انهارت والمفاوضات عالقة منذ ذلك الحين. الأوراق بقيت لدى ترامب، إذا قام بالضغط على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعد الإنجازات التي ساعدته في الحصول عليها في الأسابيع الأخيرة فربما ستكون انعطافة. بدون تدخل مباشر للرئيس الأميركي مشكوك فيه أن يتحرك أي شيء.
ترامب أعطى نتنياهو الضوء الأخضر لبدء الهجوم في إيران الذي بدأ في 13 الشهر الحالي. في 22 منه انضمت الولايات المتحدة لقصف المنشأة النووية في فوردو. بعد ذلك سارع الرئيس الأميركي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وفي يوم الخميس الماضي، بصورة استثنائية، نشر تصريح مطول تدخل فيه مباشرة بالإجراءات القانونية في إسرائيل وطالب بإلغاء محاكمة نتنياهو ووعد بإنقاذ رئيس الحكومة، مثلما أنقذ إسرائيل حسب قوله.
يضاف إلى الضغط الأميركي الذي يلوح في الأفق من أجل عقد الصفقة موقف الجيش الإسرائيلي. رئيس الأركان ايال زمير تجول أول من أمس بين قوات الجيش في القطاع واستغل هذه الفرصة للإعلان بأن الجيش سيتوصل في القريب إلى "الخطوط التي تم تحديدها للمرحلة الحالية"، وأضاف بأن إيران تعرضت لضربة قاسية وأن هناك إمكانية كامنة في أن الضربة التي تعرضت لها ستدفع قدما بأهدافنا في غزة. هذا تلميح شديد للموقف المتعزز في أوساط الجنرالات في هيئة الأركان والذي يقول إن قضية غزة يجب إنهاؤها بسرعة بصفقة شاملة لإعادة المخطوفين. الإجراءات التي يتخذها الجيش الإسرائيلي الآن، التقدم البطيء وهدم البيوت وضرب خلايا صغيرة للمقاومين وأحداث تقريبا كل يوم للقتل قرب مراكز توزيع الغذاء، كل ذلك لا يحقق أهداف الخطة الشاملة.
نجاح إسرائيل في إيران لا يرتبط بذلك بصورة مباشرة. ولكن ليس بالصدفة أن رئيس الأركان يستغله من أجل النقاش في صفقة المخطوفين. أقوال زمير يوجد لها ثقل آخر الآن، لأنه ليس فقط رئيس الأركان غير متماه مع الفشل في المذبحة في غلاف غزة، بل هو أيضا يعتبر وبحق كمن دفع لمهاجمة إيران. يبدو أن إغلاق قضية المخطوفين يمكن أيضا يغري نتنياهو نفسه. الشخص المقرب منه نتان ايشل اقتبس في موقع "تايمز اوف اسرائيل" وهو يقول بانه "حتى الانتخابات الجميع سينسون كارثة 7 تشرين الأول (اكتوبر)". هذه أقوال لا أساس لها: المذبحة سيتم تذكرها من قبل نتنياهو ليس اقل، بل ربما أكثر، من الهجوم في إيران.
هذه الأمور سيتم حلها أخيرا بين ترامب ونتنياهو، وهي تتعلق أيضا بجهود الإدارة الأميركية لعقد تحالف استراتيجي إقليمي جديد، يشمل أيضا التطبيع بين إسرائيل والسعودية. المستوى المهني في إسرائيل تقريبا غير مشارك فيما يحدث، وأعضاء مركز الأسرى والمفقودين التابع للجيش يعرفون أن الاتصالات التي تجري الآن تتم بسرية تامة.
في هذه الأثناء حدثت أول من أمس مذبحة أخرى خطيرة، الثانية في غضون أسبوع، نفذها نشطاء الإرهاب اليهودي في كفر مالك قرب رام الله. هذه المرة هذا كان تصادم مباشر مع لواء احتياط في الجيش الإسرائيلي، الذي جنوده برئاسة قائد كتيبة تمت مهاجمتهم بالضرب والحجارة. نتنياهو، زمير ووزير الدفاع، قاموا بإدانة ذلك، لكن هذه ستبقى أقوال فارغة في الوقت الذي يجلس فيه في الحكومة ممثلو الذراع السياسي لـ "شبيبة التلال" ويوفرون الدعم للعنف ويملون سياسة إسرائيل في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
يجدر الذكر بان كاتس نفسه هو الشخص الذي قام بإلغاء في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي الاعتقال الإداري لليهود في الضفة. ستمر بضعة أيام أخرى من القلق، والمشاغبون سيتمكنون من العودة إلى عادتهم كما هي الحال دائما. وإذا تبين وجود اتفاق في قطاع غزة فمن المؤكد انهم سيحاولون إشعال تصعيد أقسى في الضفة بهدف إحباطه.
ليست مجرد عملية أخرى
في السنتين الأخيرتين التقيت مرتين مع العقيد أ. وهو طيار مقاتل وقائد لإحدى قواعد سلاح الجو. اللقاء الأول جرى في ذروة الاحتجاج ضد الانقلاب النظامي، حيث كان سلاح الجو ممزق من الداخل إزاء تصريحات رجال الاحتياط بأنهم سيتوقفون عن التطوع للخدمة احتجاجا على خطوات الحكومة. في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي التقينا ثانية: سلاح الجو كان في ذروة موجة هجمات واسعة في لبنان، التي فيها (كما تبين لاحقا) تم تدمير جزء كبير من القدرة العملياتية لحزب الله. بعد أسبوع من ذلك دخلت القوات البرية الإسرائيلية إلى جنوب لبنان وبدأت في تطهير تحصينات حزب الله في الطريق إلى النصر في هذه الجبهة.
المحادثات معه في هذه المرة جرت بعد 12 يوم من الهجمات في إيران التي فيها شارك هو وآلاف رجال القاعدة، من الطواقم الجوية ومرورا بالطواقم الأرضية وحتى رجال الاستخبارات. أ. وهو طيار مخضرم نسبيا، كان مشارك أيضا في تحضيرات سابقة لهجوم في إيران، الذي لم يتحقق، في بداية العقد الماضي.
"بعد 7 تشرين الأول (اكتوبر)"، قال. "عندما عرفنا أن من يمسك الخيوط هي إيران بدأنا نتحدث عن ذلك بجدية أكبر. في تشرين الأول (أكتوبر) 2024 الفكرة أصبحت حقيقية أكثر، وفي نصف السنة الأخيرة انتقلنا إلى إجراءات المعركة قبل الهجوم. يجب معرفة أن هذه ليست عملية أخرى خاصة، بل هي معركة. عندما وجهت الضربة الأولى وشاهدت بانك أخرجت الطرف الثاني عن حالة التوازن فإن هذا الحدث أصبح حدثا متسلسلا. لا يوجد أي شخص أو أي وحدة في سلاح الجو لم يشاركوا في ذلك. ليس فقط هم، بل أيضا جميع الأجهزة الاستخبارية، التكنولوجيا والتنصت".
رغم انه قدر بانه في هذه المرة ستنتهي الإعدادات بالهجوم "إلا أن هذا الأمر ما يزال مرهق لحظة حدوثه. نحن كنا نستعد لسيناريوهات أخرى، وكنا مستعدين لدفع تكلفة مختلفة كليا. الأمر فاجأني في الأيام الأولى. لا اعتقد أنني شاهدت تنفيذ قريب جدا من الخطة الأصلية. المسؤولون عن العمليات والاستخبارات كانوا يعرفون كيفية إبلاغنا بالضبط وكيف سيبدو الأمر. كنا متشككين كثيرا في البداية. في لحظة معينة كنا نفكر: مهلا، هذا يسير بسلاسة مفرطة. الأمر متكرر، سلسلة من الإجراءات. لقد كنا نعد لذلك منذ أشهر. لا يمكن تنفيذه في لحظة".
كيف يتساوق هذا مع جيش 7 تشرين الأول (اكتوبر)؟
"الإجابة المطلوبة قبل أي شيء آخر هي أنه لا يوجد أي شيء يمكن فعله حتى نهاية حياتنا يمكن أن يغطي على الفشل الفظيع في 7 تشرين الأول (أكتوبر). هنا نحن فشلنا تماما. للأسف، في سلاح الجو هذا الأمر تقريبا موضوع واضح كليا. إذا قمت بإعداد نفسك مسبقا فانت ستكون قادر تقريبا على كل شيء، وإلا فان البعد الزمني هو أمر حاسم. عندما اخترق 1200 شخص من النخبة الأوائل الحدود ونحن وصلنا بعد ساعة أو ساعتين، عندها فإن ما قمنا به لم يكن مهما. أنا لا أبحث عن أعذار: نحن لم نكن بحاجة إلى الكثير كي نوقفهم – نحن كنا بعيدين جدا عن هناك.
"الموضوع الثاني هو قيمي وإستراتيجي. هذه المرة نحن عملنا وفقا لمقاربة الصد، هذا بالضبط هو الفرق. المستويات العليا كان يمكنها ليس فقط إرسالنا إلى هناك، بل كان يمكنها الامتناع عن ذلك بسبب الثمن الذي ربما سندفعه. لكن إسرائيل 2025، بعد المذبحة، لا تتنازل عن هذه الفرصة ولا تبقيها للنوبة القادمة".
ماذا كانت الصعوبة الأساسية في الهجوم؟ هل هي المسافة؟ هل هذا لا يشبه الهجمات في اليمن؟.
"اليمن غير مشابهة، هي في الواقع أبعد من بعض الأهداف في إيران، لكن التحدي مختلف. الجزء الأصعب هو الضربات الموجهة للجبهة الداخلية. أنت تقوم بعمل جيد وتقصف قواعد اطلاق الصواريخ هناك، لكن هذا لا يكون دائما على لا شيء، دائما يوجد انحراف لصواريخ التي تسقط في الجبهة الداخلية. الطلعات نفسها بالطبع طويلة، ولكن أنت تكون متوترا جدا. الجزء الأكثر قسوة هو رحلة العودة. كلما ابتعدت عن إيران يقل التوتر، لكن ما يزال أمامك ساعة ونصف طيران نحو الغرب".
كم من الجهد بذلتم بشكل متواصل لضمان استمرارية العمل في القاعدة تحت النار؟ "نحن نفذنا عملية قتالية استمرت لأشهر من أجل تجنب أي اختناقات وضمان سير الأمور بسلاسة. كلما تمكنت من اختراق عقل العدو زادت قدرتي على تجنب إصابة نقاط الضعف التي يعتقد أنها قابلة للإصابة. نحن نحرص بقدر الإمكان على أن تبقى الطائرات المقاتلة متحركة، الأمر الذي يصعب على ضربها. في النهاية أمام الطرف الآخر توجد 11 دقيقة بين الضغط على الزر ووصول الصاروخ إلينا، في الـ 11 دقيقة يمكنك إنجاز الكثير".
بعد هذا النجاح هل لا تخشى من أن يقول الأشخاص في السلاح: لقد وصلت إلى الذروة والآن يمكنني مغادرة الخدمة الدائمة؟
"أنا ساقول قبل أي شيء بأنه يوجد لنا 49 أخا وأختا في غزة. أضف إلى ذلك الأصدقاء الذين يعملون هناك وحادثة حاملة الجنود المصفحة للواء الهندسة (القتلى السبعة في الانفجار في خان يونس)، الطائرات تخرج للهجوم في غزة طوال الوقت، حتى عندما قامت طائرات أخرى للهجوم في إيران. أمام الإيرانيين انفسهم هذه معركة أولى.
"يجدر الافتراض بأن هذا ليس مجرد ضربة واحدة وانتهى الأمر. هذا هو الفصل الأول. الآن نحن نبدأ سباق تعلم أمامهم ويفضل أن لا نتجمد في مكاننا. بخصوص إبقاء الأشخاص، آمل أن يكون هذا الأمر على عاتق كل المجتمع الإسرائيلي. نحن يجب علينا المحاربة من أجل هؤلاء الأشخاص وأن ندعمهم ونوفر لهم الظروف، كل رجال الخدمة الدائمة لدينا، مع التأكيد على المهنيين ورجال الأرض. يجدر أن لا ينقصهم أي شيء. هم يقومون بعمل مقدس".