عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Oct-2025

"في البدء كان العرب".. اللبدي يستعرض الحضارة العربية وهويتها الثقافية

 الغد-عزيزة علي

 نظمت لجنة النقد الأدبي في رابطة الكتّاب الأردنيين، ندوة حول كتاب "في البدء كان العرب" للدكتور عبد العزيز اللبدي، الذي أخذ الحضور في رحلة عبر التاريخ والحضارات، مستعرضا جذور العرب وهويتهم الثقافية ومسارهم الحضاري الطويل.
 
 
تميزت الندوة التي أدارها وقدم فيها ورقة الدكتور سمير أيوب، بعمق التحليل وسلاسة الطرح، حيث عكس الحوار بين المؤلف والدكتور سمير أيوب رؤية متكاملة لفهم العرب عبر العصور، ليس لإعلاء شأن شعب على آخر، بل لاستخلاص الدروس من التاريخ وتقدير جهود الحضارات البشرية المتعاقبة.
استهل الدكتور أيوب حديثه بتوجيه رسالة إكبار وتقدير إلى أهل غزة، مهنئا إياهم بالحرية، وقال "في القراءة المتبصّرة في الكتاب، ما إن تجاوزت إغواءاتِ عنوانه المستفز، وتوغلت في صفحاته، حتى شعرت بفصاحة مقاصد اللبدي، فحرصت أن أبقي رأسي منحنيا طَوال القراءة، وما رفعته إلّا وأنا مقتنع بتأويلات الكاتب، التي منحتني فرصةَ الارتقاء في سلم المعرفة ومضامين الوعي النقدي لدي".
وأضاف أيوب وما إن أتممت التبصر في النص، حتى تبين لي سبب اختيار المؤلف لموضوع كتابه، وهما في الحق سببان: أولهما ذاتي: مقترن بوفرة اهتماماته القومية وأطر التزاماته الوطنية المبكرة التي يصعب الفكاك من وعيه بها، ومشاركته في خوض الصراع دفاعا عن قضاياها.
وأوضح أن السبب الثاني، وهو لا يقل أهمية عن الأول، إذ تأكد للمؤلف وجود قوى عنصريةٍ، صهيونيةٍ وغيرها، تتعمد استيلاد تاريخٍ مشوّه للعرب، يستخفّ بهم، ويزرع في رؤوسهم أوهامًا ورواياتٍ مبتورةً عن ماضيهم، تقود إلى تفكيك ثقتهم بأنفسهم، وإغراق وعيهم بدونيةٍ مُستولَدةٍ ومستولِدةٍ، تمهيدًا لقضم أجزاءٍ من الوطن العربي.
ورأى أيوب، أنه بعد أكثرَ من ثلاث سنواتٍ من الاجتهاد، في الإيغالِ المتصل في التفتيش والتبصر والترجيح والتصحيح بحثا عن إجابات شافية، جاء هذا الكتاب ناقوسا نضاليا يدق وعي الأمة، محاولًا استعادةَ ما اغتُصبَ من تاريخ العرب، وكاشفًا لأزمة الهوية عند العربي، متتبعًا ملامحَها وامتداداتِها وإسهاماتِها، وعلاقتَها بأصولها وبالآخرين.
ولأن فلسطين هي مسقط رأسِ المؤلف، فقد أبهرتني واقعيته في اختيار قضاياه المرتبطة بها، وفهمُه أبعادَها واستيعابُه عمقَها. لذلك قررتُ ألا أتوقفَ في منتصف مقاربتي، بل تجاوزت مخاوفي من صعوبة المهمة، لأن الخوفَ قبل المضي قُدمًا عجز مذموم. وفق أيوب
من جانبه، قال مؤلف الكتاب الدكتور عبد العزيز اللبدي "إن الحضارة الإنسانية هي كُلٌّ متكامل، إذ بدأ الإنسان مسيرته من أفريقيا والمناطق المحيطة بها، وانتشر في أنحاء الكرة الأرضية، مستخدما عقله وظروفه لتحسين حياته والتغلب على صعوباتها. وقد خلف وراءه أدوات حجرية، وأبنيةً متواضعةً أو شامخة، تعكس مستوى التقدم الذي بلغه، وتمكن من خلالها الباحثون من تقييم حالته الحضارية. كما ترك الإنسان رسوما جدارية تعبر عما كان يجول في خاطره، واستمر في تطوره حتى اخترع الكتابة".
وأوضح اللبدي أن هدفه من هذا الكتاب ليس إثبات أفضلية العرب، أو تفوقهم، ولا التفاخر بإنجازاتهم، فهم في النهاية شعب من الشعوب التي وجدت على هذه الأرض وتوطنت في حوض البحر المتوسطة وما تزال تعيش في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا في جنوب البحر المتوسط، واحتلت الأرض في ظروف ناضجة ومتاحة لها. وتابعت بقية القبائل أو الشعوب هجرتها إلى أنحاء العالم الأربعة.
وأضاف اللبدي أن الهدف من الكتاب هو تبيان طريقة تكون الإنسان في هذا العالم، مؤكدًا أنه لا فضل لأي شعب، سواء أكان في البداية أو النهاية. وأشار إلى وجود نظريات تقول إن الإنسان انتشر من بلاد الشام إلى أفريقيا وبقية أنحاء العالم، كما سيتم تفصيلها في الكتاب، ويذكر بعض الباحثين أن بلاد الشام وأفريقيا شكلا فضاء جغرافيا واحدا في مراحل التكوين الأولى. غير أنّه أضاف أن هذه النظريات ليست مؤكدة حتى الآن، وما تزال قيد البحث والدراسة.
ولفت اللبدي إلى أن التاريخ مجرد صدفة محضة، كان يمكن أن يحدث مع غيرهم، ولا يعني أن العرب كانوا خارقين للعادة في اختراعاتهم أو تكيفهم مع البيئة والتاريخ، فذلك يحدث مع جميع البشر، وهو ما أدى إلى تطور الإنسانية عبر العصور، باعتباره تفاعلا طبيعيا مع الجينات المخزنة في وراثتهم.
وأوضح أن واجبنا كعرب محاولة فهم تاريخ تطورنا عبر العصور، ليس من أجل المباهاة، بل للاستفادة من أساليب التقدم والبحث في المجهول الذي يصبح معلوما مع مرور الزمن، وتقدير الجهود التي تبذلها شعوب العالم لتحقيق التقدم والحياة الفضلى.
كما شدد على أن ذلك لا يدعونا للشعور بالخجل من مراجعة مراحل الانحطاط التي مرت بها منطقتنا، فالمنطقة لم تكن طوال عمرها في حالة انحطاط، بل كانت مهد الحضارة البشرية لآلاف السنين، وكما هي سنة الحياة، تمر بمراحل من الولادة ثم الشباب ثم الكهولة ثم الموت.
واعتبر اللبدي أن ما يدعو للخجل هو طريقة تعامل الغرب القوي حاليًا مع بقية الشعوب التي لم تلحق بركب نهضته الحضارية، التي بنيت على جهود الشعوب السابقة، إذ وصل الغرب إلى نتائج تطوره وإنتاجه اعتمادا على تراكمات تاريخية سابقة، مع العلم أن الزمن يدور بدورته العادية ولا يوجد ثابت في التاريخ.
وأشار إلى أنه حصل انقطاع في دراسة تاريخ المنطقة العربية منذ فجر التاريخ، ولم يهتم أحد حتى الآن بالتنقيب عن تاريخ المنطقة بعيدا عن الأخبار التوراتية والروايات الموروثة عن العرب، ما أدى إلى وجود ثقب أسود في تاريخ المنطقة قبل الإسلام. وأضاف أن هذا الإهمال بدأ منذ الفترة الإسلامية، التي اعتبرت الجاهلية السابقة غير جديرة بالبحث والتنقيب.
وأوضح أنه لم يتم البحث الكافي في فترة نشأة الحضارات المشرقية التي سبقته التي استند إليها لاحقًا، ولم يذكر المؤرخون عروبة إبراهيم الخليل منذ الفترة البابلية، ولم يبحثوا عن بداية الخليقة وآدم أبو البشر، معتبرا أن المؤرخين السابقين معذورون بسبب عدم توفر الإمكانيات العلمية المتاحة اليوم.
وبين اللبدي أن دورة التاريخ لا تبقى على حالها، فقد صعدت حضارات وهبطت حضارات. وأوضح أن العرب قد نهضوا وامتلكوا العالم قبل الإسلام، مستفيدين من الحضارات الشرقية المختلفة، من الفراعنة إلى البابليين والآشوريين والآراميين وغيرهم من شعوب الشرق القديمة، الذين أسسوا بدايات الحضارة والإمبراطوريات، وابتكروا جميع العلوم القديمة التي قامت عليها حضارات العالم لاحقًا.
وأضاف أن هذه المرحلة انتهت بقيام الإمبراطوريات الفارسية واليونانية والرومانية، التي تقاسمت المشرق العربي وغربه، معتمدة في نهضتها على العلوم والمعارف التي أرسى العرب أسسها في شتى المجالات.
ورأى اللبدي أن دور العرب قد انحسر في دول تقع على تخوم الصحراء، مثل الأنباط وتدمر والحضر. وبعد نهضة العرب مع الإسلام، اعتمدت هذه النهضة على الحضارة اليونانية، التي كانت في جوهرها حضارة شرقية أيضًا، لكنها عربت لتصبح تمهيدا للعنصرية الأوروبية.
وأضاف أنه بعد غروب الحضارة العربية الإسلامية، صعد الغرب، فجعلوا اليونان أساس حضارتهم، متأثرين بعوامل عنصرية، وأهملوا كل ما تبقى من حضارات ومصادر الحضارة اليونانية، وركزوا على إهمال العرب وتاريخهم، معتمدين على التوراة في كتابة تاريخهم، التي كُتبت في بداية عصر التصحر والانحدار العربي في المنطقة، وهو ما يزال يؤثر على العالم حتى اليوم.
وذكر أن العرب لم يكونوا يومًا هوية خاصة لشعب واحد صغير، بل هوية جامعة لقبائل متعددة تنتشر في العالم العربي الواسع، تجمعها اللغة ولهجاتها، والحضارة والدين منذ ما قبل الإسلام وبعده. وأضاف أن جميع الأديان الشرقية بدأت وما تزال مع الإله "إيل"، ولم تفرقها التعددية والتشعب في الأديان المختلفة التي لم تبتعد كثيرا عن الجوهر.
وأشار إلى أن اللغة هي بناء متكامل من التفكير والمنطق والتركيبات اللغوية التي تؤثر في نمط التفكير، كما أنها مخزون من الكلمات التي تطورت عبر العصور مع تطور الحضارة، ما زاد من غنى اللغة والثقافة، وساهم في الوعي الذاتي واللغوي وتوحيد طريقة التفكير والثقافة في المنطقة.