السودان: عبدالله حمدوك هل.. «خان» الثورة أم «انتحَر» سِياسياً؟*محمد خرّوب
الراي
لم تأتِ «المُصالحة».. الشخصية/المُنفردة التي تمّت بين رئيس الوزراء السوداني المعزول/حمدوك, العائد الى موقِعه بقرار من «جَنِراليّْ» انقلاب 25 تشرين الأول.. البرهان/وحميدتي, كما توقّع/تمنّى طرفا المصالحة المشكوك «جداً» في استمرارها أو نجاحها. رغم الترحيب الذي قوبلت به من الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي والاتّحاد الأفريقي في شخص مفوّضها العام المُتأسرِل/موسى فيكي، ناهيك عن دول عربية عديدة وخصوصاً من أطراف سودانية استطاع العسكر تطويعها, وبعضها كان انشقّ عن قوى إعلان الحريّة والتغيير ونقصد جماعة/الميثاق الوطني، تُقابلها معارضة مؤثرة وذات وزن سياسي وصوت مسموع في الشارع السّوداني, على رأسها تجمّع المهنيين السودانيين وإعلان قوى الحرية والتغيير/المجلس المركزي، والحزب الشيوعي السوداني وتنظيمات مسلحة في دارفور، ومنها جماعة عبدالواحد نور/حركة تحرير السودان.
أسباب عدة.. سياسية وموضوعية تدعو للتشاؤم أو أقلّه توقع انهيار حكومة حمدوك حال نجح في تشكيلها أصلاً، بعد أن فشل الرجل الذي راهنت عليه قوى المعارضة, رافضة «الجَزَرْ» الذي قدمه لها رئيس الانقلاب/البرهان، واضعةً على رأس مطالبها الإفراج عن حمدوك والتمسّك به رئيساً وحيداً لا بديل له, للحكومة المقالة التي تجب عودتها إلى ممارسة أعمالها بكامل أعضائها, فضلاً عن شرط إطلاق سراح المعتقلين كافّة، وفي الأساس عودة العمل بالوثيقة الدستورية دون أيّ تعديل أو مسّ بها, والتحقيق ومحاسبة المتورّطين في إزهاق أرواح الأبرياء الذين خرجوا إلى الشارع رفضاً للانقلاب واحتجاجاً على الاعتقالات والتنكيل.
شروط كهذه لم يلتزمها حمدوك عندما «تصالح مُتفرِّداً» مع جنراليّْ الانقلاب, بل زعم أنّه أقدم على خطواته تلك «حقناً لدماء السودانيين»، وهي حجّة متهافتة لا تصمد أمام ركاكة وعمومية الاتّفاق الذي عقده مع الانقلابيين, إن لجهة منح مجلس السيادة «الجديد» الذي شكّله البرهان على أنقاض المجلس الأصيل, «حُرية الإشراف» على المرحلة الانتقالية، ناهيك عن ضبابية وغموض البند الذي تحدّث عن الالتزام بالوثيقة الدستورية, دون أيّ توضيح عن مصير التعديلات التي أدخلها البرهان عليها إلغاء أو تجميداً غداة انقلابه.
وإذ باتَ واضحاً أنّ حمدوك أدار ظهره لحلفائه وداعميه في تجمّع المهنيين وقوى إعلان الحرية والتغيير، وذهب وحيداً دونما تشاور أو تنسيق مع أحد كي يوقّع اتفاقاً, تُجمِع أكثرية سياسية وحزبية ومدنية أنّه اتّفاق إذعان وشرعنَة للانقلاب، بل ذهب بعضها إلى وصف ما قام به حمدوك أنّه خيانة للثورة، فإنّ اللافت في مُجريات ووقائع الأحداث المُتسارعة التي سبقت التوقيع, مُترافقة مع تسريبات مُبرمَجة عن قرب رفع الإقامة الجبرية عن حمدوك، وتوقيعه المرتقب لاتّفاق مع العسكر يُعيده إلى منصبه، وتشكيله حكومات «كفاءات» تشمل جميع القوى السودانية دون استثناء، تُؤشّر ضمن أمور أخرى.. الى تدخل خارجي من وراء الكواليس, مصحوباً بضغوط مكثفة على حمدوك وجنرالات الانقلاب، أسهم في التوصل إلى صيغة عمومية كهذه قابلة لتفسيرات متناقضة, يستطيع العسكر تأويلها أو «تطبيقها» لصالحهم, وفق الاتّفاق الذي منحهم «حرية الإشراف» على المرحلة الانتقالية.
حكومة حمدوك العتيدة إن قامت لن تكون شاملة أو ممثلة جميع الشرائح السودانية، لأنّ قوى فاعلة ووازنة ومؤثرة ميدانياً ستُقاطعها, وستواصل احتجاجاتها وربما تُصعِّد لاحقاً باتّجاه إعلان العصيان المدنيّ, الذي كانت دعت إليه قبل خروج حمدوك من إقامته الجبرية، ظناً منها أنّ حمدوك سيبقى وفياً لتعهّداته السّابقة، لكن الرجل خذلها وآثر أن يلعبَ منفرداً, وربما تكمن هنا سذاجة القوى الثورية التي راهنت على «تكنوقراطي» لم يخض تجربة سياسية في حياته، وجِيء به رئيساً لأولّ حكومة بعد إطاحة البشير نظراً لخبرته الاقتصادية، خصوصاً بعدما تمّ التوقيع على «شراكة» بين العسكر وقوى إعلان الحرية والتغيير (قبل انشقاقها وذهاب قسم منها/الميثاق الوطني.. إلى حضن العسكر).
ما الذي سيفعله حمدوك حال باشر العسكر قنص المتظاهرين وملء السّجون بالمعتقلين؟ هل سيجد مبرراً لدعم قرارات العسكر؟ أم سيقول للجنرالات إنّ مهمة كهذه ملقاة على وزارة الداخلية وقوى الأمن التابعة لها, وليس لقوى القمع المسماة قوات الدعم السّريع؟. ثمّ ماذا عن بند الاتّفاق الذي وقّعه حمدوك مع العسكر.. الذي ينصّ على توحيد القوى العسكرية في إطار جيش سوداني مُوحّد؟ هل سيرضخ محمد حمدان/حميدتي للقرار ويتمّ دمج قواته في قوام الجيش الوطني الموحّد؟ أم يرفض ويتمرّد ويعود إلى سيرته الأولى قائداً للميليشيا؟
عبدالله حمدوك أدخل نفسه في «لعبة» خطِرة لا يُتقِنها, كما لا يستطيع إلزام العسكر بقواعدها، وسيكون أوّل من يدفع الثمن حال أطاحَهُ العسكر وأداروا ظهورهم له, بعدما شرعن انقلابهم، ونالوا اعترافاً دولياً.. أميركياً/أوروبيا/أفريقياً وبعض العرَب. فيكون بالفعل كمن.. «انتحر سياسيا».