الغد
هآرتس
يوسي ميلمان 16/6/2025
الفرح كان سابق لأوانه. منذ اللحظة التي سقطت فيها الصواريخ الإيرانية الأولى مساء يوم السبت في رمات غان وفي مركز تل أبيب، كما يبدو بهدف المس بوزارة الدفاع، فإن النشوة المؤقتة التي استمرت لنصف يوم تقريبا تحولت إلى خوف وقلق. الإدراك بأنه لا توجد حروب سهلة يسود في أوساط الجمهور الإسرائيلي الذي على الأغلب يتحمس، وحتى يهتاج، من إنجازات الضربات الافتتاحية في العمليات اللامعة في قطاع غزة وفي لبنان الآن في إيران، فقط من أجل أن يعرف بعد ذلك بأن النجاح الإستراتيجي يقاس بالنهاية.
في هذه الأثناء عدد القتلى في الجبهة الداخلية يزداد، وهناك حوالي 200 مصاب، وعشرات المباني تضررت أو تم تدميرها.
سيكون هناك من يعزون أنفسهم بحقيقة أن الضربات التي يوقعها سلاح الجو بإيران هي أكثر قسوة. سلاح الجو وشعبة الاستخبارات والموساد حقا تظهر البطولة والتصميم وقدرة مثيرة للانطباع عندما تفعل الاعاجيب الاستخبارية والتكنولوجية غير المسبوقة. الاستخبارات وسلاح الجو يثبتان مرة أخرى بأن يدهم تتفوق في هذه المستويات إزاء التدني الإيراني. ولكن مثلما لا يتم حسم الحروب بإحصاء خسائر العدو بالارواح والممتلكات، شاهدنا ذلك في فيتنام وفي أوكرانيا وأيضا في قطاع غزة وفي لبنان، فانه لا يمكن تطبيق ذلك على الحرب ضد إيران.
النظام المتعصب في الجمهورية الإسلامية والذي يرتكز إلى آلاف سنوات التاريخ الفارسي المجيد، أثبت الصمود والتصميم على تحمل الضربات وليس الاستسلام. في نهاية العام 1979 شن رئيس العراق صدام حسين هجوما مفاجئا على إيران الضعيفة والمفككة، التي تم فيها إسقاط حكم الشاه على يد رجال الدين بقيادة آية الله الخميني. صدام حسين تصرف على فرض انه سيهزم إيران في غضون أيام أو أسابيع، ولكن بسرعة تبين أنه مخطئ. الخميني رفض الاستسلام وحشد الشعب لمحاربة العدو السني، الامر الذي استمر لثماني سنوات وجبى مليون ضحية في الطرفين.
رغم ان طهران كانت مكشوفة وبدون دفاعات جوية وتعرضت لعشرات آلاف القذائف والصواريخ وهجمات سلاح الجو العراقي، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي، إلا أنها صمدت. بالمناسبة، أحد دروس هذه الحرب كان أنه يجب عليها التزود بالصواريخ.
يبدو ان إسرائيل بدأت في تغيير التكتيك العملياتي خشية من أن تطول الحرب وتصبح حرب استنزاف لسنوات طويلة، التي مشكوك في أن يكون هناك احتمالية للانتصار فيها. لذلك فإنها بدأت بالتدريج بمهاجمة اهداف في مجال الطاقة في إيران، الذي يوفر معظم مداخيلها. في هذه العملية تكمن أيضا أخطار، لأنها يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، الذي سجل من الآن وأحدث أزمة عالمية. الصين هي المستوردة الأكبر للنفط الإيراني، وهي من شأنها ان تدخل إلى مرجل الشرق الأوسط وربما تضطر إلى التفاوض مع الولايات المتحدة، الامر الذي سيكون على حساب مصالح إسرائيل.
وسيلة أخرى، تأمل إسرائيل في ان تحدث انعطافة، هي ازدياد الهجمات على التجمعات السكانية، بالأساس في طهران، على أمل خلق تأثير الدومينو. الجيش الإسرائيلي طلب من سكان طهران الذين يسكنون قرب القواعد والمخازن العسكرية إلى الإخلاء. هذه المقاربة تمت تجربتها في السابق بدون نجاح كبير في لبنان وفي قطاع غزة، على امل أن يستخدم الجمهور الضغط على القيادة من اجل الاستسلام أو التنازل. وحتى لو كان هناك إنجازات مؤقتة، فمشكوك فيه ان يؤثر هذا الامر على دولة عدد سكانها 100 مليون نسمة، ومساحتها اكبر بثمانين ضعف من مساحة إسرائيل.
محظور ان تصل إسرائيل إلى حرب استنزاف سيصعب عليها الصمود فيها. الجمهور في إسرائيل وبحق يظهر التصميم والمناعة وهو مستعد لتحمل إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية، لكن محظور على القيادة الأمنية والسياسية استغلال مناعة الجبهة الداخلية إلى ما لا نهاية. على إسرائيل السعي إلى انهاء الحرب والاكتفاء بالإنجازات المبهرة التي حققتها حتى الآن وان تحرك بواسطة الرئيس الأميركي عملية تؤدي إلى تسوية مع إيران.
الاتفاق يجب ان يكون حل وسط، يقلص قدرة إيران النووية، لكن، يجب الاعتراف، لن يؤدي إلى تفكيك مطلق لهذه القدرة، كما يطلب رئيس الحكومة نتنياهو. في الواقع الرئيس الأميركي يطلب من إيران وقف بشكل مطلق تخصيب اليورانيوم وإخراج المادة التي راكمتها في السابق (التي تكفي لعشر قنابل اذا قامت بتخصيب اليورانيوم خلال بضعة أيام من مستوى 60 في المائة إلى 90 في المائة). ولكن أصبح من المعروف الآن بأن تصريحاته مرنة ومتغيرة.
مصدر رفيع في الموساد، طلب عدم ذكر اسمه، وهو لا يكثر من الظهور في الاستوديوهات، قال لي: "الحرب تقاس استنادا إلى نهايتها، وليس حسب الضربة الافتتاحية الناجحة. وبالتأكيد عندما يدور الحديث عن اعلان حرب شاملة كما فعلت إسرائيل بالفعل. آمل ان يكون اتفاق على إنهاء العملية مع الولايات المتحدة، لأنه خلافا لإسرائيل، في العالم بعد الحرب توجد مفاوضات". نفس المصدر عبر عن الخوف من ان إسرائيل أيضا يمكن ان تجد نفسها في وضع يتعين عليها فيه في المفاوضات أن "تدفع ثمنا مؤلما وقاسيا". ربما المصدر قصد الطلبات التي ربما ستطرح ويطلب منها التنازل عن جزء من قدرتها النووية. وكبديل عن ذلك اذا استمرت الحرب فإن إسرائيل من شدة اليأس يمكن أن تفحص استخدام السلاح الاستراتيجي، مثلما كانت أصوات طرحت ذلك عشية حرب الأيام الستة في أيار 1967، أو في العقد الأخير، عندما دعا البروفيسور بني موريس إلى قصف إيران بالسلاح النووي.