عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Feb-2021

هل ستخرج «المخابرات» من الخدمة السياسية؟*فايز الفايز

 الراي

يبدو أن رسالة جلالة الملك لمدير المخابرات العامة قد أخذت أبعاداً لدى البعض تجاوزت حدود الحلم بالتغيير الشامل في نهج الدولة العميقة وجهازالمخابرات جزء منها، ولكن الأمور لا ترى من زاوية واحدة، أكانت حادة أو منفرجة، فالجهاز الأمني في أي بلد يعتبر المنصة العليا التي يناط بها حماية الوطن وأمن المواطنين وسياج الدولة الأشبه بالأشعة الحمراء غير المرئية، وما كانت توجيهات الملك لمدير المخابرات إلا في سياق التحديث والجهوزية للعمل الاستخباري وتجديد الثقة به كجهاز وطني يكافح العديد من التحديات خارج الحدود وداخلها، ولا يضر المؤسسة أخطاء فردية أو اجتهادات خاطئة.
 
عندما نعود إلى التاريخ فلا أذكر أننا رأينا صورة لمدير المخابرات إلا بعد أن تسلم احمد عبيدات رئاسة الحكومة 1984، وحتى بعد ذلك بسنوات خلال الدراسة الصحفية التي هي أقرب للعمل الاستخباري لم أر سوى صورة يتيمة للواء طارق علاء الدين، إذ لم تخترق الصحافة خصوصيات المؤسسة ورجالاتها، ومع ذلك فإن ما نسميه أمن الدولة الحقيقي هو منع أي كارثة إرهابية وإحباطها قبل دخولها الأرض الأردنية، بل تجاوزت نجاحات المخابرات الأردنية حدود الأردن وخدمت العديد من الدول العربية ضمن العمل الأمني العربي.
 
اليوم وبكل وضوح نرى أن المؤسسات المدنية الحكومية ليست هي المؤسسات التي كنا نعرفها قبل عقود، وتبادل الوجوه لم يعد يذكرنا بأسماء يمكنك الإعتماد عليها حارساً على تطلعاتك السياسية وأحلامك الديمقراطية ومشاركتك في صنع القرارالصائب ولا بأمنك الوظيفي وانتماؤك الوطني ومستقبل أولادك التعليمي، ورغم أن هناك من الشخصيات المحترمة والوازنة، فإن سنة كورونا قد كشفت فشل المسؤولين في حكومات سبقت وعجزهم عن الاستكشاف وفقرهم للتجارب الحقيقية في مواجهة الوباء، ما استدعى تدخل جهاز المخابرات ليقوم مقام السياسي لرعاية المواطنين.
 
دائرة المخابرات العامة ناهز عمرها الثامنة والخمسين عاماً، ولا يمكن إحالتها على التقاعد، وتاريخها يشهد بإنجازات سباقة في جمع المعلومات والتصنيف الأمني ومستويات الخطر، والتدقيق للمؤسسات الرسمية بتوصيات عجزت عنها المؤسسات نفسها، وبعد سنوات طويلة من الإنجازات على مستوى الإقليم والعالم، فإن الملك يرى أن تعُظم الجهود للعمل الاستخباري الذي هو عمل «الدائرة»، وهذا قد يفهم أنه إخراج من الخدمة السياسية، ولكن ما نراه في أعرق دول العالم أن أجهزتهم الاستخبارية لا تتقاعد عن العمل السياسي المرتبط بحماية الدولة، وليس أوضح من المخابرات المركزية الأميركية أو الاستخبارات الباكستانية التي صنفت الأولى عالمياً عام 2018، أو إلام أي 6 البريطانية أو حتى الموساد، فالجميع يتدخل بالعمليات السياسية الخارجية.
 
هنا نرى أن دخولنا في مئوية الدولة الثانية يحتم علينا تغيير آليات العمل القديمة، والانفتاح السياسي، وهدم الأسوار التي كانت تختبئ وراءها مراتع العجزة وأوكار الفساد المطلي بجمال الوجوه والتغول على حقوق المواطنين، ولنا أمثلة كثيرة في قضايا قاتلة اقتصادياً وأمنياً لم يعرف عنها وزراء ولا مدراء إلا بعد أن كشفت عنهم المؤسسة الأمنية، ولهذا سنرى عجز الحلول سيطارد المؤسسات والهيئات التي طالما كانت تعتمد على دائرة المخابرات في حل مشاكلها.
 
وهذا يجب أن يؤسس لجيل حكومي جديد يعمل بيديه ليقلع الأشواك من طريقه، وليترجم التوجيهات في تقويم المسيرة وتعزيز آليات قوة المؤسسية للدولة الأردنية وقوانينها، وعلى جميعهم القيام بواجباتهم ومهامهم في إطار دولة القانون وحماية الحقوق المدنية والسياسية والحريات العامة والعدالة الاجتماعية، وهذا ما يؤسس لمستقبل الدولة التي ستبقى بحماية أجهزتها الاستخبارية والأمنية وقواتها المسلحة، وتأسيس نهج يوازي بين السياسي والأمني من منطلق حماية الدولة ورعاية مواطنيها بأمانة.