عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Apr-2021

ساكورة نيسان* رمزي الغزوي

الدستور - 

 
لا يثيرنا السؤال المفذلك الذي يطرح أحياناً على سبيل المفارقة والغرابة والاستهجان: لماذا كان الكميكازي (الطيار الياباني الانتحاري) يلبس خوذة فولاذية عندما هجم بطائرته المحملة بالمتفجرات على سفن ومنشآت قاعدة بيرل هاربر الأمريكية في جزر هاواي في الحرب العالمية الثانية. لماذا كانوا يلبسون خوذاً على رؤوسهم مع أنهم ذاهبون للموت؟!.
          لكن ما يثيرني حقاً ويدهشني، ويثير في نفسي أشجاناً وأفكاراً، أن طائرات الكميكازي كان يرسم عليها رسوم (الساكورا) الشهيرة، وهذه الكلمة تعني بالياباني نوار الكرز المتفتح، وهو الرسم ذاته الذي يزين زيهم التقليدي، ولأن الساكورا (نوار الكرز) لا تتفتح إلا بضعة أيام وتمضي وكأنها لم تكن، فهي في نظرهم ترمز إلى الحياة، وهشاشتها وقصرها وسرعتها الخاطفة، ولهذا رسم اليابانيون على طائراتهم نوار الكرز في إشارة فلسفية عميقة أن الدنيا ما هي إلا لمحة عين (مش أكثر)، أو (وقفة عز) لا أكثر!.
             مع طلة نيسان تفتحت قبل أوانها أشجار الكرز الشهيرة في اليابان. ونيسان عندنا كلمة تعني العشب والخضرة والتفتح في اللغة السريانية، ولهذا ترى الجميع يغتنمون هذه الفرصة النادرة السريعة العابرة، فيستغلونها بشغف كبير، فيبقون أجمل الحظات في ظلال هذا النوار المدهش النقي.
            نحن لدينا ساكورتنا الخاصة. ليس في أشجار الكرز والدراق والخوخ والتفاح التي سيمنحها المطر الأخير عمرا إضافيا. بل لدينا ساكورا في أغانينا الشعبية الخفيفة التي تحمل بعدا فلسفياً عالياً:(شباب قوموا العبوا، والموت ما عنه، والعمر شبه القمر ما ينشبع منه)، أي يشبهون العمر بالقمر، وما أسرع ما يغيب القمر، وما أسرع ما يتصاغر ويعود محاقاً متلاشياً، بعد أن كان تدور بدرا يانعا مثل رغيف. وهكذا كل الأشياء الجميلة، فهي قصيرة جداً مثل هذا الربيع فهو ينعة وكل ينعة إلى إحشاف أو جفاف. ومثل قمر نيسان!.
           هو الربيع يفرُّ منا كالماء، الذي يفر من فروج الأصابع، إن لم نرتويه على عجل. وكذا العمر الهارب كنوار الكرز. فلا ندري متى كبرنا؟!، ومتى صرنا آباء؟!، ومتى أتخمتنا الهموم؟!، ومتى شابت منا الذوائب أو محقت؟!، فماذا لو نحفن لظمئنا، ونشرب شرب الهيم (الإبل العطشى)، فهل يرتوي الحبيب من ريق الحبيب؟!.
       هي دعوة لمعيشة هذا الزائر السريع الخاطف الساكورا، حتى ولو بقراءة وردة صغيرة تفتحت بدلال وكسل في أصص زريعة، على شرفة من الشرفات، أو في بطن حجر. أو على حفة درب. الحياة ساكورا.