عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Jan-2020

الصبر الاستراتيجي والحراك الفاعل - الدكتور محمد عبد العزيز ربيع

 

الدستور- الصبر الاستراتيجي هو الانتظار الواعي الذي يضع نصب عينيه الهدف الجماعي، فيما يقوم بتحين الفرص والتقدم خطوات نحو الأمام؛ الأمر الذي يجعل الهدف المنشود يقترب يوما بعد يوم. اما الذكاء التكتيكي فهو فعل يُكمِّل الصبر الاستراتيجي، فيما يرفض فكرة انتظار مجيئ الظروف الملائمة، ويقوم بتحديد معالم الطريق إلى الهدف، وإعداد خطط علمية تربط الواقع بالهدف، وتسهم في تشكيل ظروف الواقع لتصبح أكثر ملائمة لتحقيقه. وهذا يعني أن العمل الذي تتوفر له امكانات النجاح لا بد وأن يقوم على الصبر الاستراتيجي الذي يعكس موقفا مبدئيا، والتكتيك الفاعل الذي يعكس وعيا بان الزمن لا يتوقف عن المسير.
يُعتبر عامل الزمن من أهم أدوات صنع التاريخ والتعامل مع تحديات الحياة؛ إذ من خلال اللجوء إلى الصبر الاستراتيجي والذكاء التكتيكي يمكن تحقيق الكثير من الأهداف الخاصة والعامة. فعلى سبيل المثال، إذا كانت القضية الأهم هي قضية صراع مع عدو في حالة تراجع، فإن الصبر يكون هو الاسلوب الأفضل لان عامل الزمن قد يكون كافيا وحده لتحقيق الهدف المنشود. أما إذا كانت قوة العدو ومكانته الدولية في تزايد، أو أن القوة الذاتية في تراجع، فإن الصبر يصبح انهزامية وجهل، لأن عامل الزمن يخدم العدو، ويساعده على كسب المزيد من أسباب القوة والانتصار في نهاية المطاف. وهذا يعني أنه حين تكون قوة العدو في تزايد والقوة الذاتية ثابتة او في تراجع، فإن الفعل يكون هو الأسلوب الذي لا عنى عنه لمواجهة العدون.
إن استخدام عامل الزمن بشكل جيد يعتمد على القدرة على قراءة المستقبل، وتحديد اتجاهات التغير وموازين القوى الإقليمية والدولية، والتعرف على العوامل المؤثرة في مساراتها. حين تكون المؤشرات تصب في مصلحة العدو، يكون الخيار الأفضل هو الفعل القادر على على تحقيق انجازات تختصر المسافة بين الواقع والهدف. وحين تكون المؤشرات في غير صالح العدو، فإن الصبر يكون هو الخيار الأفضل، لأن التحرك قد يوقظ العدو من سباته، ويدفعه نحو استعادة زمام المبادرة. ولما كانت موازين القوى تتصف بديمومة التغير، وخضوعها لتأثير عوامل كثيرة ليس باستطاعة جهة ان تتحكم فيها، فإن النظرة لعامل الزمن لا بد وأن تكون ديناميكية، تتابع التطورات وتقترح خططا للاستفادة من كل تغير، إما بتحقيق بعض المنافع او بدرء بعض الضرر. وهذا يعني أن عامل الزمن يعمل دوما لصالح العدو وضد العدو، ولصالح الجهة المعنية وضدها، وذلك تبعا لقدرة كل جهة على قراءة المستقبل والتأثير في العوامل التي تقوم بتشكيل موازين القوى.
من ناحية أخرى، الصبر حالة ذهنية تقود الصابرين في كل الحالات إلى التواكل؛ الأمر الذي يجعل الصبر غير المقترن بالعمل موقفا سلبيا يقود إلى تزييف الوعي والحاق الضرر بالصابرين أنفسهم. في المقابل، الحركة التي تسير من دون رؤية ومرجعية علمية وطنية هي حركة فوضوية قد تضر ولا تنفع؛ إذ تعكس الحركة في حالة كهذه استهتارا وتصرفا غير واعي، ما يجعلها تستنفذ الكثير من طاقات المجتمع من دون انجاز يذكر. وهذا يعني أن الموقف الاستراتيجي هو الصبر المقترن بالذكاء التكتيكي... صبر يرى المستقبل، ويتحرك بخطوات بطيئة ومدروسة نحو الهدف الأكبر. لذلك لا يكون الصبر استراتيجيا إلا إذا اقترن بذكاء تكتيكي تُجسده على الأرض حركة فاعلة تسعى لاضعاف إرادة العدو ومعنوياته. وهذا يعني انه لا معنى للصبر من دون حركة فاعلة، ولا معنى لحركة فاعلة من دون رؤية استراتيجية، فالصبر الاستراتيجي والذكاء التكتيكي جناحان لطائر واحد، لا يتقدم مجتمع من دونهما، ولا يتسنى النجاح في غياب أي منهما.