العربية.نت - جمال نازي - رغم أن بداية دخولها الخدمة يعود لزمن الحرب الباردة، لا تزال المقاتلة الأميركية قاذفة القنابل طراز B-2 تتربع على القمة في قائمة مقاتلات سلاح الجو الأميركي كونها مركبة عملاقة ذات حمولة كبيرة وقدرة على الطيران لمسافات طويلة، وإلى حين تصبح جميع المقاتلات الجديدة طراز B-21 جاهزة للخدمة، ستظل B-2 واحدة من أهم الركائز الأساسية للقوات الأميركية، وفقا لما جاء في مقال سيباستيان روبلين، الذي نشرته مجلة "National Interest" الأميركية.
تظهر المقاتلة B-2 Spirit قاذفة القنابل الشبحية في أحد المعارض الجوية، التي يتم تنظيمها بشكل دوري بالقرب من قاعدة ويتمان الجوية في ميسوري، رابضة بشموخ على المدرج.
نصف ملعب كرة قدم
ويبلغ طول أجنحة المقاتلة B-2 نحو 52 مترا أي ما يعادل نصف طول ملعب لكرة القدم، وتتخذ قمرة القيادة شكلا عضويا منتفخا من سطح يشبه رسوم سفن الفضاء لقصص الخيال العلمي في حقبة الخمسينيات، في تضاد كبير مع زوايا خشنة بميل يصل إلى 45 درجة من الحواف.
خداع الرادارات السوفيتية
وتم تصميم مقاتلة B-2، غريبة الشكل للغاية بغرض خداع وتجنب الرصد بواسطة الرادار، في وقت متأخر من الحرب الباردة لينتقل عبر شبكة الدفاع الجوي المتكاملة الهائلة للاتحاد السوفيتي، والتي كانت تجمع بين الرادارات الأرضية وقاذفات قنابل أرض-جو وصواريخ اعتراضية وطائرات محملة برادارات. وبلغت هذه الشبكة السوفيتية مرحلة نضح وصلت إلى حد أن الجهود الأميركية لتطوير قاذفات أسرع أو أعلى كانت غير مجدية آنذاك.
من أوائل المقاتلات الشبحية
ولأن الرادارات كانت تعد الركيزة الأساسية لأي نظام دفاع جوي حديث، لذا سعى البنتاغون إلى الحصول على مقاتلة شبحية تحتوي على الحد الأدنى من ارتداد المقاطع العرضية لموجات الرادار بحيث لا يمكن اكتشافها إلا في نطاقات قصيرة للغاية.
مركبات بدون ذيل
ومثلت أول مقاتلة تابعة لسلاح الجو الأميركي، من طراز F-117 Nighthawk، بداية واعدة، لكن كان يمكنها حمل قنبلتين فقط على مسافة 1500 كلم دون أن تحتاج لإعادة التزود بالوقود، وهي بالطبع مسافة ليست بعيدة بما يكفي لتوجيه ضربة استراتيجية عميقة داخل أراضي العدو.
نقطة التحول
في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، أجرى مهندسو الطيران تجارب على تصميمات لمركبات بأجنحة بدون ذيول مثل Horten Ho 229 النازي في ألمانيا ومركبات طراز XB-35 وYB-49 الأميركية. يمكن لهذه المركبات التحليق في ارتفاعات أعلى، وبالتالي تفضي إلى مقاطع عرضية قليلة نتيجة لطبيعة تصميم هياكلها المسطحة، مما يقلل من فرص ارتداد موجات الرادارات عنها وكشفها.
ولكن تفتقر تلك المركبات نظم التحكم في الذيل، مما يؤدي غالبًا إلى عيب قاتل نتيجة عدم الاستقرار الهوائي. وجاء تصميم المقاتلة B-2 بمثابة نقطة تحول واكبت تطورا في أدوات التحكم أثناء التحليق على نطاق واسع.
أنظمة كمبيوتر
ومن التقنيات المتطورة في مقاتلات B-2 تأتي إمكانية تلقي أوامر الطيار من خلال واجهة إلكترونية بدلاً القيادة بشكل مباشر عبرا المكونات الهيدروليكية، بما يسمح لجهاز الكمبيوتر بالتعويض عن خصائص الطيران غير المستقرة. فعلى سبيل المثال، يعالج نظام كمبيوتر مقاتلات B-2 مسألة التناغم بين الألواح على الأجنحة ودفع المحرك بشكل تفاضلي للتعامل بشكل مميز عند المنعطفات، التي تعتمد فيها معظم الطائرات على الدفات والمصاعد الخلفية للقيام بها.
تلافي مشاكل المحرك النفاث
وتعد المحركات النفاثة نقطة ضعف شائعة في تصميمات المقاتلات الشبحية، حيث تتميز بشفرات المروحة الواضحة وتولد عوادم للمحركات الساخنة تضيء مستشعرات الأشعة تحت الحمراء. لتجنب هذه الثغرة الأمنية، يتم تركيب مخارج في الجزء العلوي من أجنحة مقاتلات B-2 حيث يتم تمرير الهواء عبر قنوات على شكل حرف S إلى أربعة مراوح تيربو طراز F118 مدفونة في عمق الطائرة.
بصمة صوت وحرارة واهية
ويخفف هذا التكوين كل من صدى صوت مقاتلات B-2 وإمكانية رصدها بالأشعة تحت الحمراء. علاوة على ذلك، تستخدم مقاتلات B-2 مداخل ثانوية تحشد هواء الحاجز البارد المحيط بقاذفات القنابل والصواريخ وتخلطه مع العادم الساخن، والذي يُطرد بعد ذلك على سطح مستو من التيتانيوم/ألياف الكربون لزيادة تفريق الانبعاثات الحرارية.
مواد تمتص موجات الرادار
كما أن هناك سببا رئيسيا آخر في انخفاض درجة رصد مقاتلات B-2 بواسطة الرادار وهو المواد الماصة لموجات الرادار، التي يتم بها طلاء الهيكل الخارجي للمقاتلة المصنوع من مركبات كربونية مخلوطة بالتيتانيوم غير عاكسة للإشعاعات والحرارة، مع طبقات إضافية من مواد تمتص الرادار تم تعديلها على مر السنين.
سر الطلاء الرمادي الغامق
ويتم أيضا تغطية الطلاء بدهانات مرنة، عبارة عن بوليمر مطاطي، بهدف "تلميع" اللحامات أو البراغي أو المفاصل بين مواد مختلفة بما يمنع أي تشققات تتعارض مع هندسة التخفي. أما لون الطلاء فيكون الرمادي الغامق غير عاكس للتمويه أثناء التحليق نهارا أو ليلا، حيث يتماهى مع لون السماء على مسافة 37 كم أو أكثر.
30 طنا من الأسلحة
ويتميز تصميم B-2 بأنه يمنحها القدرة على التحليق في جميع أنحاء العالم بينما تحمل 20 إلى 30 طناً من الأسلحة، لكن لا تنطلق بسرعات استثنائية في حالة الحمولات الكبيرة للغاية.
طيران متواصل 48 ساعة
تبلغ السرعة القصوى للمقاتلة B-2 القصوى نحو 100كم/ساعة، مما يعني أنها أسرع قليلاً من طائرات جمبو جت، في حين يصل مداها من 8 آلاف إلى 11 ألف كم، ويمكن مضاعفة المدى بواقع مرتين إلى أربعة أضعاف في حالة التزود بالوقود في الجو من خلال فتحة مخصصة خلف قمرة القيادة. ويمكن للمقاتلات طرازB-2 الطيران دون توقف لمدة يومين تقريبًا انطلاقا من قاعدة ويتمان في ميسوري لتصل إلى أي أهداف في أي نقطة حول العالم.
التحليق بدون GPS
تستخدم مقاتلات B-2 نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) بشكل روتيني، إلا أنها يمكن أن تتعايش إذا تم التشويش على الأقمار الصناعية للملاحة الجوية أو تم إخراجها من الخدمة عن طريق استخدام نظام الملاحة بالقصور الذاتي الموجه نحو النجوم، والذي يدعمه نظام يعتمد على التضاريس الأرضية.
مرونة دفاعية كبيرة
وعندما تقترب طائرة B-2 من المجال الجوي للعدو، تنتقل إلى وضعية "التخفي" أو الشبحية، حيث يتم إغلاق الهوائيات، وقطع بعض روابط الاتصالات، بل ويصل الأمر إلى تقييد استخدام اللوحات الإلكترونية. ويمكن للمقاتلة العملاقة أن تحلق بنظام ملاحة آلية لمرحلة ما قبل بلوغ المجال الجوي للعدو، ويتم التحول عندئذ إلى القيادة بواسطة الطاقم المكون من طيار ومساعده، وإذا هددتها الرادارات والصواريخ طويلة المدى على مسافة بعيدة، يمكنها تهبط للتحليق على ارتفاع منخفض لتقليل مدى الرصد، معتمدة على نظام تتبع التضاريس الملاحي، الذي يسمح لقاذفة القنابل العملاقة بالانخفاض لما يصل إلى مائتي قدم فوق الأرض.
توجيه ضربة نووية
وبالنسبة للقدرة على تنفيذ مهام توجيه ضربة نووية، لا يزال دورها الأكثر أهمية حتى الآن بين مقاتلات سلاح الجو الأميركي، حيث يمكن للمقاتلة B-2 حمل ما يصل إلى 16 قنبلة من طراز B-61 أو من طراز M-83 ذات القوة التفجيرية الضخمة على مجموعتي القاذفات الدوارة المدفونة في باطن المقاتلة. ويتم تعزيز إلكترونيات الطيران الخاصة بمقاتلات B-2 بحيث تصمد أمام النبضات الكهرومغناطيسية الناتجة عن الانفجارات النووية، كما يتم تزويد طاقم طياري المقاتلة بأقنعة بيضاء تنزلق لحماية أعينهم من وميض التفجير. ولكن مع انهيار الاتحاد السوفيتي قامت القوات الجوية الأميركية بعمليات تكيف سريعة حيث جرى تذخير مقاتلات B-2 بنظم الأسلحة التقليدية.
أسلحة تقليدية وموجهه
يمكن لنظام الحامل البديل في مقاتلات B-2 أن يستوعب ما يصل إلى ثمانين قنبلة من طراز Mark 82، التي تزن حوالي 241 كغم، أو أي وزن مكافئ في القنابل العنقودية أو الألغام أو الذخائر الكبيرة. وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، تم إدخال تحديثات على المقاتلة B-2 لكي تحمل أسلحة موجهة JDAM GPS تصل إلى حوالي 900 كغم، والتي تحقق مدى دقة متناهية داخل دائرة نصف قطرها 6 أمتار، والتي أصبحت السلاح الأساسي للمقاتلة منذ ذلك الحين.
ضربات هجومية من مسافات بعيدة
تحمل مقاتلات B-2 أيضًا قنابل انزلاقية طراز AGM-154 JSOW بعيدة المدى (128 كم) وصواريخ كروز الشبحية طراز AGM-158 JASSM (من 370 إلى 925 كم) مما يمنحها القدرة على شن هجمات دون المخاطرة بالاقتراب من رادارات الدفاع الجوي الحديثة القوية بشكل متزايد.
الميزة الأكثر إثارة للدهشة
وتبقى الميزة الأكثر إثارة للدهشة، هي قدرتها على شن ضربات بما يصل إلى 15 طنا من قنابل طراز GBU-57 ذات القدرة على اختراق وتدمير المخابئ الخرسانية حتى عمق 61 مترا تحت الأرض.
ويختتم روبلين مقالته معرباً عن أمله في ألا يتم أبدًا اختبار قوة المقاتلات طراز B-2 أو أيا من خصائصها، التي لا يمكن أن تظهر جلية إلا في صراع بين القوى العظمى على نطاق واسع (ومن المحتمل أن يكون نوويًا)، وهو الغرض الذي تم تصميم تلك المقاتلة العملاقة لخوضه.