الدستور - حين تواجه الشعوب أزمات طارئة تفرض عليها التحرك بسرعة، فإنها تتجه نحو التصرف تبعا لما تملي عليها ثقافاتها الوطنية وتجاربها الحياتية. وهذا يقود الدول المختلفة إلى مواجهة الأزمات والتحديات تبعا لثلاثة نماذج متباينة: النموذج الأول: ينطلق النموذج هذا من الواقع ويعتمد مرجعية ترتكز على السياسات والقوانين المرعية لتحديد مواقفه من التحديات المستجدة وسبل التعامل معها. أما النموذج الثاني، وفي ضوء فشله في اللحاق بالعصر، وفشل حكوماته في مواجهة التحديات، فيتجه إلى الماضي ليتخذ منه ومن تجربته مرجعا يعتمد عليه في مواجهة الأزمات والمحن. أما النموذج الثالث فينطلق من رؤية مستقبلية قام باستخدامها للحاق بالعصر والتغلب على أزمة التخلف وتحقيق النهضة. شعوب الغرب عامة، بمن فيها أمريكا ودول أوروبا الغربية تعيش في الحاضر بناء على واقع أفرز أحزابا سياسية فاعلة ومجتمعا مدنيا متعدد الجماعات والمنظمات، ما جعل تلك الأحزاب والمنظمات والقوانين التي تحكم علاقاتها مع بعضها البعض تصبح مرجعية العمل لإدارة شؤون الحكم ومواجهة الأزمات الطارئة. ولما كانت دول الغرب عامة تمر بأزمة سياسية منذ سنوات نتيجة لحدوث تمحور عقائدي في بلادها، والمرور بردة ثقافية عنصرية، فإن قدرتها على التصرف بحزم ضعفت كثيرا. إلى جانب ذلك، شهدت فترة التحول إلى نظام السوق الحر بدءا من ثمانينيات القرن العشرين توجه عامة الناس إلى الاقتراض والاستهلاك؛ الأمر الذي أغرق نسبة كبيرة منهم في الديون، وهذا تسبب في تراجع قدراتهم على الادخار لمواجهة الطوارئ، كما أضعف اهتماماتهم بالسياسة لأن تسديد أقساط البيوت وبطاقات الائتمان لم تترك لهم مجالا كبيرا للاهتمام بأمور أخرى. ولهذا جاءت ردود فعل دول الغرب على فيروس كورونا متأخرة ومترددة وغير فاعلة؛ الأمر الذي جعل دولة مثل إيطاليا تدفع ثمنا في الإصابات والضحايا أكثر من الصين التي يزيد عدد سكانها عن سكان إيطاليا بأكثر من 20 مرة. في المقابل، اتجهت الصين وكوريا الجنوبية إلى تجربتها الحديثة في النهوض وتحقيق التقدم، وهي تجربة قامت على مبدأين: تجاوز الماضي بتراثه وتركته الحضارية، وتشييد حاضر جديد بناء على رؤية مستقبلية تأخذ في الاعتبار اتجاهات التطور والتحول في كافة مجالات الحياة. ولهذا كانت تلك الدول، وبخلاف دول الغرب والدول العربية التي اتجهت نحو الماضي، مستعدة للطوارئ ومواجهة التحديات بكفاءة. أما كثير من الدول العربية التي اتجهت إلى الماضي بسبب فشل حاضرها؛ فإنها وجدت نفسها تهمل الحاضر والمستقبل معا، ما جعلها تبدو عاجزة عن مواجهة أزمة فيروس كورونا. بل أكثر من ذلك، إذ قادتها ثقافتها التقليدية إلى اعتبار الإشاعات أكثر مصداقية من الحقائق العلمية.