عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-May-2025

«‏الأردن الجديد» يتشكّل.. وهذه ملامحه*حسين الرواشدة

 الدستور

بهدوء، تباشر إدارات الدولة عمليات «استدارة» مدروسة للداخل الأردني، الاستعداد للمرحلة القادمة وما تحمله من استحقاقات وتحولات استدعت ذلك، الدولة العميقة تمسك، تماماً، بخيوط «التحول الكبير»، الملفات التي كانت قيد النقاش، والاختلاف احياناً، تمّ حسمها بشكل نهائي، الفرضيات التي حكمت الحراك السياسي على امتداد عام ونصف خضعت للمراجعة، بعضها ثبت أنه لم يكن دقيقاً، لا صوت يعلو على صوت الدولة وقراراتها وخياراتها، استنفار الأردنيين للالتفاف حول دولتهم هو عنوان المرحلة الجديدة.
 
‏ما شهدناه في يوم الاستقلال كان جزءاً من هذه الاستدارة، او انعكاسا لملامحها القادمة، لقد بات واضحاً أن الدولة بموسساتها، والأردنيون بفطرهم الوطنية، ملأوا الفراغ الذي تركه «حلف» التيارات الأيديولوجية، بكافة فروعها واتجاهاتها، بعد أن جرى تجميد حركتها، أو ربما بعد أن فقدت دورها وانكشفت أوراقها، مجلس النواب، خلال الفترة القادمة، سيكون في حالة «بيات» صيفي استعداداً لانطلاقه جديدة وترتيبات جديدة أيضاً، الحكومة ستتفرغ لاكمال رسم خطوط «خريطة» برنامجها للسنوات القادمة.
 
‏من المتوقع أن نشهد تغييرات في المواقع العليا، التعديل على الحكومة لن يتأخر- في تقديري- عن بداية شهر آب القادم، قبله سيجري الإعلان عن أربعة مشروعات اقتصادية مركزية كبرى، من شأنها أن تحرك عجلة الاقتصاد في البلد، زيارة الرئيس لواشنطن كانت ناجحة، الحكومة ستطلق خلال الأيام القادمة برنامجها لتنفيذ الخطة الاقتصادية للأعوام الثلاثة القادمة.
 
 ‏ما ذكره رئيس الوزراء في خطابه بذكرى الاستقلال يشير بوضوح إلى مسألتين: رؤية اقتصادية محددة ببرامج ومؤشرات أداء وقياس، ورؤية سياسية تهدف إلى الانفتاح على المجتمع وترطيب المزاج العام، ثم حسم بعض الملفات التي تشكل عائقاً أمام ترتيب البيت الداخلي الأردني، بما يتناسب مع الاستحقاقات والتحديات القادمة.
 
 ‏ما يمكن أن يقال هنا؛ «الأردن الجديد» بدأ يتشكل، خرج من أزمة ما بعد حرب غزة بولادة طبيعية، ربما لم تكن متوقعة، لكنها حدثت وأصبحت واقعاً، الدولة (ومعها الأردنيون) نجحت باستدعاء كل عناصر القوة التي نملكها، التاريخ والهوية الوطنية والجبهة الموحدة، لبناء حالة غير مسبوقة من الإجماع على الدولة وضرورة الحفاظ على منعتها والالتفاف حولها، حصل ذلك على الرغم من تراكم الإحساس لدى البعض بالخيبات، والانتقاد للسياسات العامة، ومحاولات خلق الانقسام، وإنعاش المظلوميات، هذا يعني أن الاستمرار في معركة الوعي الثقافي السياسي أصبح متطلبا إجباريا على إدارات الدولة ونخب المجتمع، لا يجوز أن تتأخر مهمة إنجازه، كما أن إعادة الاعتبار للوسائط والأدوات الاجتماعية والسياسية الوطنية أصبحت ضرورة لنجاح الاستدارة، وإنضاج عملية التشكل.
 
 ‏أهم ما حدث في بلدنا هو أن الأردنيين، بعيداً عن سطوة بعض التيارات السياسية التي اختطفت وعيهم، وكرست لديهم اليأس، وزرعت داخلهم الشك بدولتهم وأنفسهم، واستهزأت بمشاعرهم الوطنية الصادقة، انتصروا في معركة الوعي على الأردن ومن أجله، وكسروا الأساطير التي أوهمت بعضهم، عبر عمليات خلط للروايات والوقائع، أن ارتباطهم ببلدهم يجب أن يكون مشروطاً، أو مقيداً بقضايا عابرة للحدود، وأهم ما حدث، أيضاً، هو أن إدارات الدولة حسمت خياراتها باتجاه هذا التحول في الوعي الأردني، وهذه، في تقديري، الفرضية الأصح التي يجب أن نمضي بها بلا تردد ولا توقف.