عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Nov-2020

سالم المساعدة: شاهد العدلية على ثلاثة أرباع المئوية الأولى من عمر الدولة

 الراي-ملك يوسف التل

إسأل أي ذي علاقة بالبرلمان والحياة السياسية عن الانتخابات النيابية التي يتمناها، وستجد الجواب بالمطلق انها الانتخابات التي أجراها سالم المساعدة عام 1989 عندما كان وزيراً للداخلية.
 
وإذا كان من ستسأله متابعا لمجريات العقود الأربعة الماضية، فإنه سيستذكر لسالم مساعدة سيرة رجل دولة من سويّة لم تعلق بها أي شائبة أو شبهة، في كل المسؤوليات التي نهض بها في أكثر من حقيبة وزارية وفي عضوية مجلس الملك–الأعيان -.
 
مِن بين النِعم الكثيرة التي أفاض الله بها على (أبو محمد)، الذاكرة الحيّة النشطة المؤثثة بالرضا، والتي عايشت ثلاثة أرباع المئوية الأولى من عمر الدولة، وهي تستحضر لمحبيه تاريخا اجتماعيا وعائليا من القناعة بالبساطة والتصوف بالعدلية، يعود إلى 85 سنة.. يقول فيه:
 
المرحلة الجامعية
 
في عام 1952 أنهيت المتريك بتقدير امتياز وكان والدي متحمسا لي كثيرا. أخبرته رغبتي أن أصبح طبيبا مثل أخي أحمد، وقد حصلت على بعثة مع زميل آخر لا أعرفه وخلال ذلك سمعت بتعييني معلما في مدرسة جرش الابتدائية. وبعد سنة تدريس في جرش لمادة اللغة العربية، تعاملت مع تلاميذي خلال تلك الفترة تعاملا طيبا، في حين كان من زملائي المدرسين اثنان من الشركس، وكل واحد منهما يحمل بيده عصاً ويضرب التلاميذ، في وقت أخذت على نفسي عهدا بأن أتعامل مع الطلاب بروح طيبة. وفعلا باسلوبي مع الطلبة استطعت ان اسيطر على الصف بشكل ممتاز، دون ضرب.
 
وعندما رأيت هؤلاء الأساتذة مع كل واحد منهما عصا، أمسكت بواحدة صغيرة، فعندما رأى مدير المدرسة وهو من عائلة الفرحان من إربد، العصا بيدي طلبني وأخبرني بأنه راقبني وكنت ممتازا بتعاملي مع طلاب الصف دون استخدام العصا معهم وطلب مني أن لا أستعملها.
 
في جرش قضيت وقتا ممتعا مع الطلاب والأساتذة وأهالي البلد. كان راتبي حوالي 12 دينارا، كافياً لأجرة البيت الذي أسكنه ولتلبية جميع احتياجاتي من طعام وشراب ومواصلات، وأحيانا يبقى معي من المبلغ حتى الشهر الذي يليه.
 
بين الطب والقضاء
 
بعد سنة تدريس في جرش عدت إلى والدي وأعدت عليه رغبتي بأن أصبح طبيبا مثل أخي أحمد.
 
هذه الرغبة التي لم تفارق تفكيري كانت نوعا من الغيرة بين الإخوان، فأخبرني والدي بأنه لا يستطيع أن يصرف على تعليم اثنين في وقت واحد، وأضاف: أريدك أن تصبح قاضيا لإعجابه بالقاضيين موسى الساكت وضياء زعيتر.
 
في الوقت الذي نصحني والدي بدراسة القانون، أشار علي ايضا مدير المدرسة وهو والد زوجتي منى، بدراسة القانون في الجامعة السورية، وأخبرني بأنه بعد حصولي على شهادة القانون سيرسلني إلى جامعة السوربون في باريس وهي من أعرق وأرقى الجامعات في العالم لأكمل دراستي.
 
أقنعني مدير الناحية ومدير المدرسة بالتنسيق مع والدي، فخضعت للأمر الواقع وسجلت في كلية الحقوق في جامعة دمشق.
 
أقول انني سُررت، لم أجد نفسي أنني ذاهب مكرها كنت متحمسا وكانت هي رحلتي الأولى خارج الأردن، بلد جميلة بهرتني بما تتمتع به من مناخ معتدل وجو جميل ولاطلالتها على سواحل البحر المتوسط, فهي تنعم بهواء نقي وسماء صافية اضافة لطبيعتها الساحرة والمساحات الخضراء وكانت أول زيارة قمت بها التجوال في سوق الحميدية وهو من أشهر أسواقها.
 
سجلت في الجامعة، وكنا كزملاء وزميلات من عدة دول عربية. وكان يوجد فتاتان سوريتان في صفي، وطلاب بعثيون وإخوان مسلمين، وقوميون عرب وبعثيون نتحدث في السياسة.
 
كنت حينها مع حزب البعث، وكان ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث موجودا في البرازيل، وعندما جاء في زيارة، الى سوريا ذهبنا لزيارته في منزله، لفت نظري ان منزله بسيط جداً، خال من الكماليات والترف..
 
كنا نقوم بمسيرات احتجاج، منها احتجاجان على موقف معين، لكننا لم نكتب أي منشور. جاءنا شباب من حماه وهم شيوعيون ووضعوا نفس المبادئ التي نتحدث بها، فوقعت معهم على اعتبار ان الحزبين أهدافهما قريبة جدا ومتشابهة. و في اليوم الثاني ذهبنا إلى اجتماع للحزب، فجاء وكيل ميشيل عفلق وقال بأن سالم قام بعمل انتهازي بتوقيعه على عريضة مع الشيوعيين. فانفعلت لقوله ان العمل انتهازي، وأخبرته بأنه كان هناك موضوع نعمل عليه وقصرنا بقيادتك أن نكتب فيه ونقدم اعتراضات على الأمور، فلا أسمح لك بأن تقول بأنه عمل انتهازي، بل هو قصور في حزب البعث.
 
تأثرتُ بشقيقي البعثي
 
خلفيتي السياسية، عندما كنت طالبا في إربد، لا تُذكر بالأهمية لأنني لم أمارس العمل الحزبي حينها لكنني كنت مقتنعا بأفكار شقيقي وهو خريج سوريا. وكان حزبيا.
 
اذكر عندما زارنا أحد الشيوخ في المضافة وكان يتناقش مع والدي وشقيقي، كنت أستمع لحوارهما، فسمعت من الشيخ أمورا دينية تتعلق بالإخوان المسلمين ومن أحمد أمورا في السياسة تتعلق بحزب البعث وكانت قناعة والدي أن ما تحدث به أحمد هو الصحيح..
 
توقيف ومحاكمة وترحيل ثم عودة
 
في الذاكرة انني كنت أذهب إلى حديقة كبيرة للدراسة خلال سنوات الجامعة. وذات يوم جاءت الشرطة وأخذوني من المنزل. دخلت على مدير الشرطة وكان بجانبه سطل وعصا يضرب الناس بها. وعندما دخلت سألني عن اسمي أخبرته باسمي وأنني من الأردن، فنادى الشرطي وأخبره بأن يأخذني إلى النظارة كسجين. كنت أسكن وقتها مع زميلي الأردني قاسم الناصر، وقد أصبح قاضيا فيما بعد. فانضم لنا قاسم الناصر في السجن وتعرض للضرب، وتم تحويلنا في اليوم الثاني للمحكمة السورية وموقعها مقابل سوق الحميدية. وكنا حوالي خمسة منهم شخص عراقي. قرأ القاضي تقرير الشرطة، فرفض أن يحاكمنا وخرج من القاعة فجاء قاض آخر. سأل الجميع عن الفعل الذي قام به، وعندما وصل لي أخبرته بأننا كنا نتحدث في أمر معين، فقال أنه من واجبنا أن نتحدث بما تحدثنا به وهو انتصار للقضية الفلسطينية ثم قرر عدم مسؤوليتنا وأعادنا إلى الشرطة التي طلبت منا ان نلتزم الصمت ولا نتحدث في أمور سياسية. ركبنا مع الشرطة في السيارة وكان العراقي يريد الهروب من العراق ومن سوريا، فأوصلتنا الشرطة إلى الحدود الأردنية، وقاموا بتسليمنا للشرطة الأردنية. وكنت وقتها ما زلت سنة أولى جامعة. وبعد اسبوع قضيناه في اربد، عدنا إلى سوريا، حيث كان من بين أفراد الشرطة الأردنية شخص له علاقات بالسفارة الأردنية في سوريا، تواصل معهم وسمحوا لنا بالعودة وتخرجت عام 1954.
 
من التدريب إلى ديوان المحاسبة ثم العدلية
 
في عمان عملت محاميا متدربا في مكتب أحد المحامين مقابل البريد في وسط البلد. في البداية كنت أستمع للمحاكمات، فكان حزب البعث في الأردن يعطي للمحامي المتدرب 25 دينارا.
 
وبعد شهر تدريب جاء للمكتب قانوني يعمل في الديوان الملكي، انضم للمكتب كمحام قانوني، وأصبحنا معا في نفس المكتب. وبعد شهرين تم تعيينه مديراً في ديوان المحاسبة، حيث طلبني عنده، وأصبحت موظفا في ديوان المحاسبة، وتبين فيما بعد بأن شقيقه هو رئيس ديوان المحاسبة.
 
عملت موظفا في ديوان المحاسبة لمدة ليست طويلة، بعدها انتقلت إلى وزارة العدلية قاضي صلح في عمان دون تدريب.
 
هل تذكر أول قضية نظرت بها؟
 
أذكر قضية حصلت خلال عملي قاضي صلح حيث جاءني عن طريق الشرطة شخص اسمه موسى الشماس، كان يريد الدخول إلى البريد ومعه سلاح وقد بين التقرير بأنه يريد قتل شخص، وهذه تعتبر جريمة. ومن حسن حظه أن القضية جاءت عندي.
 
سألته وأخبرني بأنه أتى من مادبا وانه كان يفتش عن عنوان معين، فدخل مكتب البريد ليسألهم عن الموقع الذي يريده. كان يحمل معه سلاحه الذي سلمه لهم.استجوبتُه فلم يكن لديه اي غرض آخر، وبعد الحكم عليه بغرامة مالية، غير متوفرة لديه فدفعتُ عنه المبلغ من جيبي الخاص وقررت براءته.
 
عفو من الإعدام.. والإفراج عن الآخرين
 
لم أمكث كثيراً كقاضي صلح. كان يتم انتدابي لمحكمة البداية، حيث نقلت اليها فترة بسيطة.
 
وبعد يوم من نقلي الى محكمة الاستئناف، نُشراعلان عن إعارات لدول الخليج، فجاء رئيس المجلس القضائي ووضع اربعة أسماء للإعارة، ولم أكن من بينهم رغم انني رغبت ان أكون احد المعارين لتحسين وضعي المالي. فذهبت إلى رئيس المجلس القضائي حيث رحب بي فقلت له: ترحب بي في المكتب لكن عندما تكون هناك فائدة تنساني. وأخبرته ان اسمي لم يدرج ضمن اسماء المعارين فقال لي بأنه كتب الكتاب وأرسله أمس، وإذا كنتُ مصرا على الذهاب فسيقوم باسترجاع الكتاب لوضع اسمي، حيث كان يعرفني جيداً وأراد تكريمي.
 
وعندما خرجت من مكتبه فكرت بالموضوع وعدت إليه في اليوم الثاني وشكرته على حسن معاملته التي جعلتني أغض النظر عن الذهاب...وبقيت في القضاء.
 
من القضايا التي اتذكرها أيضا قضية إعدام. كنت حينها وزيرا للعدل فقرارات المحكمة المتعلقة بالإعدام يجب أن تمر على وزير العدل للمصادقة عليها، لذلك أتتني هذه القضية وعندما قرأتها لم أجد فيها ما يستدعي حكم الإعدام، حيث كان هناك شخص يقوم بعمل دعاية ضد الأردن من أجل عمل انقلاب، ومعه عدد من الضباط، وهذا الشخص مدني وليس عسكريا، حيث أعطى الفكرة لليبيين الذين كانوا ضد النظام ويعملون ضده، أخبرهم بأن لديه أشخاصا وضباطا سيساعدونهم، كنوع من الاحتيال على ليبيا للحصول على أموال منهم.
 
جاءتني القضية موقعة من القضاة بحكمه بالإعدام، فلم أتحدث لا مع رئيس الحكومة ولا مع غيره. مباشرة اخذت ملف القضية وذهبت لمقابلة الملك الحسين، وقدمت لجلالته الملف وأخبرته بأن هذه قضية احتيال على القذافي من أجل الحصول على أموال أكثر، وهذا الشخص ليس له اية علاقة، فما كان من جلالته وهو يعلم انني تجاوزت رئيس الحكومة وكتب على ملف القضية (عفو من الإعدام.. والإفراج عن الضباط الآخرين وعودتهم الى إلى مراكز عملهم)، حيث لم يكن الضباط لهم علاقة بالموضوع ولا يعلمون عنه شيء انما هي قضية احتيال لكسب نقود من القذافي لإسقاط النظام في الأردن. وكنت أعلم بان القذافي كان يعمل على إسقاط النظام في الأردن.
 
نفس هذا الرجل الذي برأته لأنه بريء، التقيته قبل ما يقارب عشر سنوات. كنت في عزاء أحد الاصدقاء فإذا به يقف ولم أكن أعرفه أو أراه من قبل. فوقف بين جموع المعزين وقال: هذا الرجل وهو يقصدني لا أعرفه ولا يعرفني وهو سالم مساعدة كان وزيرا للعدل عندما حُكم علي بالاعدام فخلص رقبتي من حبل المشنقة.
 
أجرى انتخابات 1989
 
مازلنا حتى يومنا هذا نتغنّى بانتخابات عام 1989. كانت الإنتخابات تجرى بإشراف وزارة الداخلية، وكنت حينها نائبا لرئيس الوزراء وزيرا للداخلية. بعد مضي 31 عاما كيف تصفها، وهل من مقارنة؟
 
أقول فقط أنها كانت أفضل انتخابات حصلت في تاريخ الأردن. ولا أريد ان أدخل في تفاصيل التعديلات التي جرت على القانون وغير ذلك فيما يخص موضوع الانتخابات فالحديث في هذا يطول .
 
نأمل ان تكون الانتخابات القادمة أفضل مما قبلها وان يختار النائب من يمثله بصدق ومصداقية.
 
ما أجمل ذكريات تحملها خلال مسيرتك في العمل العام؟
 
أجمل الذكريات التي أحملها عندما كنت أقوم بالمسؤوليات وأقدر فيها وخاصة من قبل جلالة الملك الحسين.
 
المحصلة التي خرجت بها من خلال مشوارك في الحياة؟
 
القناعة بأنني خدمت بلدي بكل إخلاص وحصلت على تقديري واحترامي من المسؤولين واستمتعت بحياتي العائلية.
 
هل ربيت أبناءك على الأسلوب الذي تربيت عليه؟ وما أهم نصيحة قدمتها لهم؟
 
حاولت ذلك وأن يكونوا مخلصين لوطنهم ودينهم.
 
أسرتي
 
زوجتي منى محمد أمين معابرة تعرفت عليها في دير أبي سعيد من خلال صداقة جمعت بين العائلتين.
 
أكبر أبنائي عبير لديها 3 بنات ولها أحفاد. ثم محمد له ابنة وولدان.
 
وفراس لديه ابنتان وولد. وناصر لديه ولد وبنت. وأكبر احفادي سالم أصبح طبيبا. ومن الحفيدات أكبرهن تارا من ابنتي عبير ولها طفلان.