عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Feb-2025

الصين وإعادة اكتشاف الشرق الأوسط*فارس الحباشنة

 الدستور

زرت الصين مرتين، والتقيت باحثين وصحفيين وسياسيين صينيين. في كلام الصينيين عن بلادهم يقولون : لسنا دولة عظمى، وما زلنا على مقاعد الدرس والتعلم من تجارب الدول الاخرى. ولا يقبلون ويعارضون اطلاق صفة قوة عظمى على الصين.
 
وكما لو أن الصينيين في عبارة فاصلة وقاطعة يصفون موقعهم ومكانتهم على الخرائط والنظام العالمي. وفي السياسة الخارجية تلتزم الصين الحياد الايجابي، والتزام بمبادىء الامم المتحدة والشرعية الدولية، ودون انحياز لاي طرف على حساب اخر. الحياد الصيني جعل البعض يرى أن مواقفها غامضة، وغير مندفعة ولا شجاعة على أقل تقدير. وتتجنب الصين أن تكون سياستها « مع او ضد «، وقراراتها تقاس وفقا لمصالح واهداف صينية بحتة دون اخذ اي اعتبارات اخرى.
 
وفي السياسة الخارجية الصينية تحرص على الترويج والدفاع عن السلام، ونبذ العنف والحروب وتحقيق التنمية والعدالة، والوصول الى مستقبل افضل للبشرية.
 
وتبتعد عن الاقتصاد الحربي، وترى أنه لا يتوافق مع مبادىء وثوابت سياستها الساعية لتحقيق التنمية والبناء، وتجنب الحروب والتوترات والصراعات، وبناء السلام العالمي.
 
في لغة الارقام، الصين دولة عملاقة اقتصاديا وتكنولوجيا، واليوم تكاد تقفز الى المراتب الاولى في الاقتصادات العالمية.
 
وتملك الصين ترسانة عسكرية متقدمة، وجيشا قويا، وسلاحا متطورا وحديثا. ورغم امتلاك الصين للسلاح والمال وفي مستويات قياسية، ولكنها ليست على عجلة من أمرها للعب أي أدوار عظمى. تجلس الصين على حافة النهر، وفي انتظار ان تطفو جثة العدو.. إنها سياسة الصبر الصيني والحكمة الكونفوشيستية، وهي متراكمة من عهود قديمة.
 
عليك أن تقرأ الثقافة الصينية، وأن تقرأ الفلسفة الصينية لفهم الشخصية والعقلية الصينية، وتلم في مفاتيحها الرئيسية.
 
الحكمة أن تعرف ضعفك قبل قوتك. وثمة ما هو لافت في التجربة الصينية في النظر الى التواضع والبساطة مقارنة في حجم التقدم والانجاز والتطور في بناء الدولة، ودون تصادم مع شرعية الثورة التي قادها ماو تسي تونج الى النصر عام 1949.
 
نابليون بونابرت قال : ان العالم سوف يتغير اذا ما استيقظ العملاق الصيني من سباته الطويل.
 
الغرب ينظر الى ما قد يحدث في الصين وأمامه لغز يستعصي على الفهم والاحاطة، ورغم ما ينشر في الاعلام الغربي عن الصين، وما يفوق اهتمام الدول الاوروبية والغربية في شؤونها واقتصادها. في الشرق الاوسط، لا شك أن الصين خسرت صديقا وحليفا بعد سقوط نظام بشار الاسد. وسورية واحدة من الحلقات الاستراتيجية في مشروع الحزام والطريق. ورغم أن العلاقة بين البلدين لم تمر بتطورات تتناسب مع الابعاد السياسية والتقارب الشديد. وفي الحرب السورية، الموقف الصيني انطلق من احترام مبادئ الامم المتحدة، واحترام سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ومن جهة أخرى، فان مخاوف الصين تتضاعف مع أزالة الحزب الاسلامي التركستاني من قوائم الارهاب العالمية. وانهم هؤلاء لا يؤمنون بالجهاد العالمي، ولا يشكلون خطرا على الغرب وامريكا. وفي العام الماضي دعيت الى زيارة اقليم «شيناجنع»، وهو اقليم يقع شرق شمال الصين، وأغلب قاطنيه من المسلمين، وينتمون الى 12 قومية مسلمة.
 
وما هو لافت في روايات الاضطهاد الديني أننا لا نسمع سوى عن اضطهاد الايغور. ويبدو أن ثمة مخططا لاستنساخ نموذج افغاني ضد الصين. وتكرار تجربة الاتحاد السوفيتي مع افغانستان لمدة عشر سنوات، وأدت الى استنزاف روسيا اقتصاديا وثم تفكيكها. في سردية التجييش ضد الصين والاتهامات الموجهة باضطهاد المسلمين تهدف الى عرقلة واحباط النمو والتقدم الاقتصادي والتنموي الصيني.
 
 وفي الواقع، ينعم مسلمو الصين في وافر من الحريات الدينية والاجتماعية. وكل ما يروج عبر الاعلام الغربي مجرد اتهامات زائفة وتضليل للرأي العام العربي والاسلامي.
 
المخاوف الصينية يبدو أنها سوف تزداد.
 
ما يستجد من متغيرات اقليمية يبدو أنه يفرض على الصين اعادة التفكير في استراتيجيات الامن الاقليمي، واعادة رسم دورها المستقبلي في الشرق الاوسط.