عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Sep-2022

في الأوقات الصعبة.. هل “يتلاشى” الأصدقاء الافتراضيون ليجد الفرد نفسه وحيدا؟

 الغد-منى أبوحمور – لم تجد سيرين خالد في مئات التعليقات وآلاف الإعجابات بعد نشر خبر إعلان وفاة والدها، مواساة حقيقية وتربيتا على كتفها في اللحظات التي كانت تحتاج فيها لأشخاص حقيقيين قريبين منها يمسحون دموعها ويواسون حالة الفقد الحقيقية التي تعيشها.

عزلة اجتماعية ووجع حقيقي عاشتهما سيرين عند وفاة والدها، ما جعلها تفكر مليا بتلك الصداقات الوهمية التي كانت تعتقد أنها موجودة بالفعل في حياتها، لكنها وفي أول لحظة احتاجت بها لرفيق أو صديق حقيقي لم تجد أحدا.
ليست سيرين وحدها من تعاني عزلة اجتماعية بعد أن أوهمتها مواقع التواصل الاجتماعي بعلاقات وهمية، وهو ما أكده سعود عندما سأل نفسه مستنكرا “أنا معقول ما عندي صاحب؟”.
الأزمة المالية التي تعرض لها عليان بعد خسارته في التجارة أيقظته على حقيقة لم يكن يعرفها من قبل، فقد كان يعيش على وهم، والعلاقات الاجتماعية الإلكترونية جعلته يصدق أن لديه صداقات عديدة ويعرفه الآلاف ويحظى بتعليقات ممن يمدحونه ويؤيدونه.
يقول سعود “ما أكثر الأصدقاء حين تعدهم، ولكنهم في النائبات قليل”، هذا تماما ما ينطبق على متابعيه وأصدقائه الذين لم يكونوا يوما بجانبه أو يشعرونه بوجع خسارته، هم فقط يتفاعلون من وراء الشاشات.
“أفقد وجود روح حقيقية في حياتي.. أرغب في صديق ينصحني ورفيق يخاف علي وأبحث عن يد تطبطب علي”.. هذا ما قالته بيسان محمد التي تقضي معظم وقتها على مواقع التواصل الاجتماعي ويحيط بها مئات المتابعين والأصدقاء، لكنها تفتقر إلى صديقة حقيقية تشاركها لحظاتها الصعبة وتدعمها لتجاوز ظروف حياتها.
عزلة اجتماعية يعيشها آلاف المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي، ليختبروا في أول أزمة حقيقية عزلة لم يكونوا على وعي بها تدخلهم في حالة من النكران والوحدة.
اختصاصية علم الاجتماع الدكتورة فاديا الإبراهيمي، بدورها، تشير إلى أن التطور في مجال التكنولوجيا، أوجد شكلا جديدا من أشكال التواصل الاجتماعي في المجتمعات الحديثة.
هذا الشكل الجديد، بحسب الإبراهيمي، يحمل العديد من الامتيازات، أهمها السرعة والدقة وتوفير الجهد والوقت، وفتح آفاق جديدة وواسعة للتعارف والتواصل من خلال تطبيقات ومواقع الكترونية متطورة ومتعددة فيها من السهولة والمتعة والتشويق، ما يدفعنا دائماً لاستخدامها وعدم القدرة على الاستغناء عنها.
هذا الشكل الجديد من التفاعل والتواصل الاجتماعي والإنساني، وفق الإبراهيمي، رغم ميزاته وإيجابياته، إلا أنه لا يخلو من السلبيات مثل تغير قُدسية ورمزية بعض العلاقات الاجتماعية مثل علاقة الصداقة مثلاً.
وتقول الإبراهيمي “صحيح أننا اليوم نستطيع أن نحصل على عدد أكبر من الأصدقاء يصل للآلاف بوقت قياسي قصير، ومن مختلف البلدان والجنسيات والتعرف على العديد من الثقافات، إلا أن هذه الصداقات افتراضية وغير حقيقية قد تنتهي بكبسة زر كما يقال”.
وتضيف “هذه الصداقات لا تعطينا احتياجاتنا البشرية أو الإنسانية من هؤلاء الأشخاص، ويغيب عنها اللقاء والتواصل الحقيقي الذي من خلاله ننقل أحاسيسنا ومشاعرنا للآخرين كبشر دون أن نختبئ خلف الشاشات”.
كثرة هذه الصداقات، بحسب الإبراهيمي، قد توقع البعض بكثير من المطبات مثل الاحتيال والابتزاز والخداع والتعود والإدمان، كما أن كثرة استخدام هذه المواقع لفترات طويلة تسبب حالة من العزلة والاكتئاب والابتعاد عن الحياة الواقعية، فلا نتفاعل ولا نتواصل مع الآخرين بالقدر الكافي أو المطلوب، وتقلل من نشاطاتنا البشرية التي يجب أن نمارسها في حياتنا اليومية مثل القراءة وممارسة الرياضة وتبادل الزيارات الاجتماعية وممارسة الأنشطة الخارجية.
وفي ظل هذه الفوضى العارمة التي يعيشها البعض والخلط بين مفهوم الصداقة الحقيقية أو الكلاسيكية التي يعرفها الجميع، وبين الصداقة الافتراضية الإلكترونية الحديثة، يجب أن نكون على درجة من الوعي تجعلنا نفرق ونميز بين هذين النوعين المختلفين من الصداقة ونفهم متطلبات وحيثيات وإيجابيات وسلبيات كل نوع.
ويبقى الأهم، اختيار الأصدقاء بعناية فائقة، و”أن نغرس في نفوس أبنائنا أهمية الصداقة الحقيقية والتفاعل والتواصل مع الآخرين وتحفيز الذكاء الاجتماعي لديهم، فنحن بالنهاية بشر يجب ألا نلغي إنسانيتنا مهما بلغنا من التقدم والتطور”.
خبير العلاقات الأسرية والاجتماعية مفيد سرحان، يشير إلى أن الصداقات “الافتراضية” أكثر سهولة عند الكثيرين من العلاقات “الواقعية” بل وقد يجدون فيها متعة كبيرة، حينما لا تخضع لشروط العلاقات الحقيقية، وتكون أكثر تنوعا من حيث الجنسية ومكان السكن والمستوى العلمي والعمر والجنس.
وتسهم هذه العلاقات في الدخول بنقاشات جماعية بسهولة أكبر من الصداقات “الحقيقية” لعدم وجود شرط اللقاء أو الاجتماع في مكان واحد “وجها لوجه” وفي وقت واحد، مما يعطي مرونة أكبر في المشاركة وتنوع المواضيع، وفق سرحان.
ويقول سرحان “إن هذه الصداقات الافتراضية تفتقر الى “الحميمية” التي تضفيها اللقاءات العادية، وفي التعرف أكثر على أصدقائك وأسرهم وعلاقاتهم والالتزام بضوابط معينة”.
في الصداقات “الافتراضية” يتشارك الأصدقاء بجميع المعلومات على الأغلب، وتقل فيها الخصوصية، وكلما زاد عدد الأصدقاء الافتراضيين يصعب على الشخص التفاعل القوي مع الجميع، وربما يقتصر التفاعل مع مجموعة منهم، والآخرون مجرد “أرقام” لزيادة العدد والتفاخر بذلك أمام الناس.
وكما تبنى الصداقات الافتراضية سريعا، فإنها أيضا يمكن أن تنتهي سريعا دون مقدمات، فالحذف من قائمة الأصدقاء هواية يمارسها البعض، خصوصا إذا زاد عدد الأصدقاء على العدد المسموح به على الموقع، فالصداقة هنا فيها قدر كبير من “المزاجية” و”الحظ”.
والواقع يبين أن غالبية هذه الصداقات “الافتراضية” تتم دون معرفة حقيقية بالآخر أو بظروفه أو بطبيعة شخصيته، وأحيانا قد تكون الصورة مغايرة عما هو معلن.
ووفق سرحان، يكون المجال في الصداقة الإلكترونية كبيرا للخداع والتزوير وتقمص الشخصية لأن الشخص لا يستطيع التأكد تماما من جميع المعلومات المنشورة عن الآخرين ومن هويتهم. ويمكن أن “يجمل” الشخص صورته ويظهر بمظهر مغاير للواقع، كما أن الصداقة الحقيقية بحاجة الى قدر كبير من الصدق والعفوية والواقعية.
في حين يسهل في الصداقة الافتراضية ممارسة المجاملة والنفاق الاجتماعي لأنها ليس بالضرورة أن تنقل الأحاسيس الحقيقية للإنسان وفيها تخضع المشاعر “الزائفة” لمهارات استخدام التقنيات.
ويقول سرحان “لغة الجسد التي تنقل رسائل حقيقية للآخرين غائبة ويتم التعبير عن المشاعر من خلال رسومات “كاريكاتيرية” جاهزة ربما لا تمت لواقع الحال بل على نقيضه تماما”، وليس هذا فحسب فمواقع التواصل “تسهل” بل “وتعلم” طرق التحايل والخداع وقلب الحقائق وتعديل الواقع والمضمون.
ويرى سرحان أن الصداقات الافتراضية يسهل فيها إنهاء العلاقة “وقطعها” وتغييرها بأخرى، والصداقات الحقيقية تتجذر وتقوى مع مرور الوقت، وتكون قد مرت باختبارات متعددة. ويفكر الشخص “ألف مرة” قبل أن ينهي صداقته مع آخر، خصوصا مع صعوبة تعويض “الصديق”، إذ يوجد أشخاص لديهم صداقات افتراضية كثيرة لكنهم يشعرون بالوحدة ويعيشون في عزلة عن محيطهم بل وأحيانا عن أسرهم.
الاستشاري النفسي والتربوي موسى مطارنة، يشير، بدوره، إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي، عالم افتراضي وليس واقعيا ولا يوجد أي نوع من الارتباط الحقيقي بين الناس المتواجدين عليه.
ويلفت مطارنة إلى أن من يعتقد أن العلاقات على مواقع التواصل الاجتماعي تقوم على أساس حقيقي هو شخص واهم، فهو عالم افتراضي وهؤلاء الأشخاص مجرد أرقام ولا يوجد لها أي أثر نفسي أو اجتماعي.
ويقول مطارنة “العلاقات على مواقع التواصل مجرد أسماء وصور في كثير من الأحيان، وهذا يوقع البعض بإشكالات نفسية فيجد في العالم الافتراضي عالمه الحقيقي لأنه غير قادر على بناء علاقات حقيقية في الواقع”.
ويبني البعض، بحسب مطارنة، علاقاته على العالم الافتراضي، وبالتالي يتكلم مع أشخاص كثر على اعتبار أنهم أصدقاء لكن في الحقيقة غير متواجدين.
ويشير مطارنة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون بداية ومساحة للتعارف، ولكن العلاقات الحقيقية التي تضم لقاءات وجاهية تبقى الثابتة، وفيها تكيف وتوازن نفسي.