عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Sep-2023

فرنسا إذ «تبحث» عن.. أصدقاء «جدداً»؟؟*محمد خرّوب

 الراي

في تصريح لافت ومثير جاء بعد بدء محادثات بين فرنسا و«ضباط» من النيجر، تروم سحب جنود فرنسيين من البلد الإفريقي, الذي أعلن عن أن الوجود العسكري الفرنسي فيه لم يعد شرعياً، أعلن الرئيس ماكرون أن فرنسا تبحث عن أصدقاء جدداً, بعدما أدارت معظم الدول الإفريقية ظهرها للمستعمِر السابق، حيث لم يتورع/ماكرون عن الزعم بأنه «لولا فرنسا لما كانت النيجر ومالي وبوركينافاسو موجودة».. تصريح إستعلائي متغطرس يعكس حجم ومدى الضربات المُتلاحقة المحمولة على صحوة إفريقية متأخرة, لم تأتِ من الشعوب المُفقّرة والمقموعة والمنهوبة، بل من جنرالات يصعب التكهن بمدى التزامهم بالوعود التي بذلوها والشعارات التي رفعوها, عندما حرّكوا دباباتهم لإحتلال القصر الجمهوري في مالي وبوركينافاسو والنيجر, وأخيراً (وليس آخرا) في الغابون. فضلاً عن أن تصريح ماكرون جاء بعد شهر من التهديدات بأن باريس لن تتردّد في استخدام أي وسيلة لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم رجل فرنسا وحامي على مصالحها، وانها – باريس – لن تعترف بالانقلابيين وستدعم أي تحرك «عسكري» لمجموعة «ايكواس", التي يبدو أن تهديداتها بالتدخل العسكري لم تعد على جدول الأعمال، ليس فقط لأن إنقساماً داخل صفوفها قد حدث منذ اليوم لتلويحها بالخيار العسكري، بل خصوصاً لأن التحالفات العِرقية والقبائلية وخصوصاً الطائفية والمذهبية قد تُفشِل أي تحرك عسكري في اتجاه نيامي/عاصمة النيجر.
 
إعلان ماكرون بحث فرنسا عن أصدقاء جدداً, يؤشر أيضاً إلى إفلاس السياسة الإفريقية لفرنسا، خاصة في عهد ماكرون الذي يدير تلك العلاقات وفق أساليب استعمارية قديمة, لا تلحظ التغييرات المتلاحقة في المشهد الافريقي، بل أن باريس «الماكرونية» ما تزال ترى في افريقيا كما رآها أجداده تُجار العبيد وناهبي ثرواتها, مصدر ثروات طبيعية وسوقاً لمنتجاتها و«رقماً» للتصويت في الأمم المتحدة لصالح المعسكر الغربي, ودائماً في الشعور الزائف بأنها ما تزال قوة كبرى عبر منظمة الفرانكفونية, بسرديتها الفلكلورية التي يتناقص عدد اعضائها بتسارع.
 
 
وإذا كان انقلاب النيجر قد جاء بمثابة ضربة قاصمة للوجود العسكري الفرنسي, ومُؤشراً بقرب فقدانها امتيازات شركاتها التي تنهب ثروات المستعمرات السابقة, سواء في ما خص معدن اليورانيوم الذي يُضيء منازل الفرنسيين, فيما «يشتري» شعب النيجر الكهرباء من نيجيريا (التي سارعت إلى قطع التيار الكهربائي عن النيجر بعد الانقلاب)، فإن إنقلاب الغابون الذي وُصف فرنسياً وأوروبياً بأنه «مختلف» عن إنقلاب النيجر، قد وضع هو الآخر المصالح الفرنسية في مهب الريح, حتى بعد عودة شركة التعدين الفرنسية العملاقة «ايراميت» إلى العمل بعد أن كانت اوقفتها اثر حدوث الانقلاب، التي تعتبر أكبر منتج لخام المنغنيز عالي الجودة في العالم.
 
هي إذاً مصالح تجارية ومناطق نفوذ إستعماري, وليس انتصاراً للديمقراطية أو الشرعية كما يزعم الفرنسيون وأتباعهم في إفريقيا، وإلاّ كيف يمكن تفسير كل هذا «الهلع» الغربي لفقدان مصادر الثروة والطاقة (خاصة في الغابون العضو في منظمة أوبك) بعد ان كانت عائلة بونغو قد احتكرت ثروات ذلك البلد الكبير في ساحته وعدد سكانه القليل الذي لا يزيد عن 5ر2 مليون نسمة..
 
هنا تحضر الولايات المتحدة الأميركية خاصة في مشهد النيجر، التي تطمع واشنطن أن تكون مقراً لقيادتها العسكرية في افريقيا المُسمّاة «افريكوم»، بعد أن لم تجد دولة إفريقية تقبل بوجود تلك القيادة على أراضيها، ناهيك عن وجود قوات أميركية داخل هذا البلد, حيث وافق الانقلابيون على بقائها، بعدما اتخذت وما تزال – موقفاً مقبولاً عليهم, فهي لم تصف ما حدث بـ"الانقلاب»، ناهيك عن رفضها أي تدخل عسكري (ولو كلامياً), ما لجم إندفاعة مجموعة ايكواس, كما ارسل ضوءاً أحمر لباريس، التي ما لبثت أن خفّفت من لهجتها, خاصة بعد زيارة خبيرة الانقلابات والثورات الملونة مساعدة وزير الخارجية الأميركية/فيكتوريا نولاند إلى النيجر مع جنرالات الانقلاب. وهو ما اشارت إليه صحيفة لوفيغارو الفرنسية, التي قالت إن واشنطن ستقيم حواراً مع الإنقلابيين, وان استقرار المنطقة من اولوياتها,"غامزة من قناة واشنطن» وهذا يجعل وزارة الخارجية الفرنسية تقول همساً (وِفق لوفيغارو): «مع هؤلاء الأصدقاء لا داعي للأعداء».
 
هل «فازت» الولايات المتحدة بـ«النيجر», ومهّدت الطريق لانسحاب فرنسي عسكري واقتصادي منها؟.
 
فرنسا خرجت خاسرة ومُهانة, والأمور تميل في ما يبدو - حتى الآن – لصالح واشنطن, رغم أن الأعلام «الروسية» تُرفع في ميادين العاصمة نيامي، ليس فقط في أن وزير الخارجية الأميركية/بلينكن كان أعلن في وقت مبكر أن «الدبلوماسية هي السبيل الأفضل, لحل الأزمة التي سبّبها الانقلاب في النيجر»، بل خصوصاً أن فيكتوريا نولاند أعلنت بعد لقائها جنرالات الانقلاب, ان هؤلاء يُدركون «مخاطر» التحالف مع روسيا، وفي ذلك «تحذير» أميركي واضح لهم بان الإقتراب من موسكو... محظور.