عمان - الدستور - خالد سامح - جرش أو جراسيا ...احدى مدن الديكابوليس وأيقونة المنجزات الحضارية الرومانية.
تتحضر المدينة هذه الأيام لانطلاق مهرجانها الوطني والدولي الكبير بدورته الرابعة والثلاثين، والذي تقام غالبية فعالياته على مسارحها وفي ساحاتها التي تتسع لآلاف الأشخاص، وأهمها : المسرح الشمالي، المسرح الجنوبي، ساحة الأعمدة، معبد أرتيميس، ساحة الأعمدة، وغيرها...حيث تضاء تلك المواقع لعشرة أيام وتزهو بفعاليات وأنشطة إبداعية وفلكلورية محلية وعربية وعالمية.
سماوي: المحافظة على الآثار أولًا.
«الدستور» توجهت لمدير مهرجان جرش أيمن سماوي للاستفسار عن الإجراءات المتخذة للحؤول دون أي تأثير سلبي على آثار المدينة خلال أيام المهرجان نتيجة لتوافد عشرات الآلاف من الزوار منذ منتصف النهار تقريبا وحتى ساعات متأخرة من الليل، فقال، «ضاعفنا من جهودنا هذا العام للمحافظة على نظافة المكان وتجنب أي فرصة لتخريب الآثار، وبالتعاون مع دائرة الآثار العامة وبلدية جرش ووزارة السياحة وأمانة عمان الكبرى، تجري حاليا عمليات التعشيب وتنظيف المكان وتركيب الوحدات الصحية واللوحات الارشادية».
وشدد سماوي على أهمية الحفاظ على الموقع الأثري كقيمة سياحية وحضارية وتاريخية كبيرة، مؤكدا أن ادارة مهرجان جرش تضع على أعلى سلم أولوياتها الحفاظ على الموقع الثري ومعالم المدينة وعدم تعريضها لأي تأثير سلبي لتجمهر الناس بإعداد غفيرة، معربا عن ثقته بوعي الجمهور وادراكه لقيمة المدينة ككنز وطني كبير.
جرش ...ابنة الألفي عام.
تعتبر جرش (48 كم شمال عمّان) واحدا من أكثر مواقع العمارة الرومانية المحافظ عليها في العالم خارج إيطاليا. وحتى يومنا هذا، لا تزال الشوارع معمدة، والحمامات والمسارح والساحات العامة والأقواس في حالة استثنائية. احتلها الرومان قبل ألفي عام تقريبا وأقاموا فيها المسارح والمعابد والحمامات، وبلغت المدينة أوج ازدهارها زمن الرومان في بداية القرن الثالث الميلادي، وخلال ذاك العصر الذهبي وصل عدد سكانها إلى قرابة الـ 20,000 نسمة. كما أن جرش كانت مزدهرة زمن الأمويين، إلا أن زلزال الجليل سنة 749 قد دمر أجزاء كبيرة من المدينة. وأدت الزلازل المتلاحقة أهمها زلزال دمشق سنة 847 إلى دمار اضافي أسهم في خرابها. مع ذلك، وفي بدايات القرن الثاني عشر، سنة 1120، كان في جرش حامية من أربعين جندياً تمركزوا هناك بأمر من أتابك دمشق ظاهر الدين طغتكين التابع للدولة السلجوقية، وكانوا قد عَمدوا إلى تحويل معبد آرتميس في المدينة إلى حِصْن، وفي سنة 1121، احتله بلدوين الثاني ملك مملكة بيت المقدس وقام بتدميره، ثم ما لبث الصليبيون أن هجروا جرش وتراجعوا نحو ساكب على حدودهم الشرقية.
بقيت جرش مهجورة إلى أن عادت للظهور مع بدايات العهد العثماني في القرن السادس عشر. وبحسب إحصاء عام 1596، كان عدد سكانها 12 خانة (أسرة / منزل) جميعهم عرب مسلمون، وكان هناك شخصان يعملان على خدمة المسجد والزاوية (مدرسة)، لكن عمليات التنقيب في المدينة منذ العام 2011 تشير إلى أنه تم استيطان جرش قبل العهد العثماني، حيث ألقت عمليات التنقيب الضوء على فترة العهد الإسلامي المتوسط، وأسفرت عن اكتشاف عدد من المباني والفخاريات في الجزء الشمالي الغربي من المدينة والتي تعود إلى حقبة المماليك.
عام 1806، وصل الرحالة الألماني أولريش ياسبر زيتسن إلى جرش، وكتب عن الآثار التي شاهدها. هذا لفت أنظار العالم إليها، وبدأ الرحالة بزيارتها. وقد تم الكشف عن المدينة الأثرية من خلال سلسلة من عمليات التنقيب بدأت منذ العام 1925، واستمرت حتى يومنا هذا. من أبرز شخصياتها التاريخية الفيلسوف والرياضي الشهير نيقوماخس الجاراسيني.
وقد قامت دائرة الآثار بإعادة تأهيل وترميم عدة مواقع في المدينة قبل عقد تقريبا وبالتعاون مع مؤسسات أجنبية متخصصة، حيث تم ترميم بوابة هرديان وميدان سباق الخيل والبوابة الشمالية وغيرها.
اكتشافات أثرية جديدة.
وبالتزامن مع الاستعدادات لمهرجان جرش كشفت تنقيبات دائرة الاثار العامة في المنطقة الجنوبية لأسوار مدينة جرش الأثرية بجوار المقبرة القديمة وجود بقايا معمارية وأرضيات فسيفسائية ملونة تؤرخ إلى الفترة البيزنطية.
وأكد مدير اثار جرش زياد غنيمات أن هذا المشروع يأتي لضرورات التأكد من قيمة الآثار الموجودة في منطقة الأرض التي تملكها وزارة الأوقاف والتي تقرر استثمارها بإنشاء أبنية ومراكز تجارية حديثة، مبينا ان المديرية ستقوم بتنفيذ المشروع بكوادرها الفنية والعلمية لعدة أسابيع لإعطاء صورة واضحة عن حجم الآثار التي تحتويها قطعة الأرض ومدى امتدادها وما تمثله من أبنية وعناصر أثرية.
وقد يوقف الاكتشاف المشروع الاستثماري في جرش، خصوصا إذا كان حجم الأثار كبيرا، وفي الحالة هذه ستقوم دائرة الأثار العامة باستملاك قطعة الأرض وتعويض وزارة الأوقاف.
واضاف غنيمات ان التنقيبات تأتي انسجاماً مع دور الدائرة في الحفاظ على الموارد الأثرية والتراثية وتنفيذ السياسة العامة الهادفة إلى حماية أي آثار سواء مملوكة للدائرة أو للغير.
واوضح ان الدراسات والمسوحات الأثرية السابقة وتقارير الرحالة والمستشرقين الذين زاروا المنطقة خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أكدت وجود كنيسة وصفت أنها كنيسة صغيرة بنيت من صحن واحد بدون أروقة وتقع خارج أسوار المدينة الجنوبية إلى الجنوب من كنيسة بروكوبيوس.
ووبين غنيمات ان دائرة الآثار العامة لا تهدف بأي شكل من الأشكال لإعاقة الاستثمار أو أي نشاط تجاري واقتصادي ولكن بنفس الوقت لا بد من تقييم أي آثار ممكن أن تتأثر بهذا الاستثمار، مشيرا الى ان الدائرة ستقيم الآثار التي يتم الكشف عنها من خلال لجان فنية وعلمية متخصصة واتخاذ القرار المناسب بعد ذلك.