عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Dec-2024

خريطة طريق لاستقرار سورية والمنطقة*مكرم أحمد الطراونة

 الغد

ما حدث في سورية ليس تغييرا بسيطا، وأكاد أجزم أن معظم دول المنطقة تفاجأت بالانهيار السريع لنظام بشار الأسد، فالتقديرات كانت تشير إلى أنه يمتلك تماسكا نسبيا قادرا على إبقائه محتفظا بالسلطة في سورية. لكن الثورة أطاحت به سريعا، وأدخلت دول المنطقة في حسابات جديدة لاستيعاب النظام الجديد.
 
 
غالبية الدول لم تكن راغبة بالتعامل مع النظام القديم، وكانت ترى فيه عبئا على المنطقة تبعا لتحالفاته التي زعزعت الأمن والاستقرار، وأدت إلى اختلالات ديمغرافية خطيرة، إضافة إلى تهديده السلم المجتمعي بإصراره على تمويل نظامه وجيشه والمليشيات المتحالفة معه من تجارة المخدرات التي أغرق بها الدول المحيطة. 
 
دول المنطقة تقف اليوم عند لحظة الحقيقة؛ ففي الجوار نظام وليد يمكن أن يشكل إضافة نوعية للمنطقة، وأن يوقف جميع التهديدات التي عانت منها إبان حكم بشار الأسد، وأن يكون نظاما واقعيا يتعامل مع الأمور والتحديات من منطلق المصلحة والشراكة، وليس الفرض والإجبار بواسطة الحلفاء الذين صادروا القرار الوطني السوري على مدار سنوات طويلة.
لكن ذلك لا يتم بمعزل عن الدول المحيطة، والتي ينبغي لها تقديم جميع أنواع الدعم والمساندة لإنجاح الحكومة السورية الجديدة، وهو دعم يتوجب أن يتم على جميع الصعد؛ سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا، لكي لا نتفاجأ بعد حين بتحديات وتهديدات جديدة بسبب عدم الاستقرار، أيا كان نوعه، فالشعب السوري يستحق أن يعيش باستقرار وأمن بعد أكثر من نصف قرن من القمع والترهيب والمعتقلات.
في هذا الإطار، تحتاج سورية إلى بناء جيش قوي، وقوى أمنية، بعيدة عن الأيديولوجيا، وقادرة على حماية الأمن والحدود، وحفظ السلم المجتمعي، فخلال أكثر من خمسين عاما شكلت عقيدة البعث وما أنتجته من تشوهات نخبوية وطائفية وطبقية ومحسوبيات، بناء فوق اجتماعي فرض سطوته وسلطته على المجتمع، وارتبط بصلات وظيفية مصلحية لا علاقة لها بالصالح العام، ما أدى إلى تشكل طبقة فوق المحاسبة في الجيش والقوى الأمنية، أضعفت المنطلقات الوطنية لدى هذه المؤسسات المهمة، وعملت لمصلحة نفسها ودوائرها الضيقة وارتباطاتها المصلحية، وهو الأمر الذي قاد إلى فوضى عارمة وظلم وتجبر داخل سورية. 
قد يكون بناء جيش وطني وقوى أمنية، هو الهدف الأول الذي ينبغي للحكم الجديد وضعه على سلم الأولويات الوطنية، فهناك تحديات كثيرة مفروضة على أرض الواقع، وهناك حدود ممتدة ينبغي حمايتها. وهذا إطار يمكن للأردن، الجار القريب، أن يلعب فيه دورا مهما، خصوصا ببناء عقيدة الالتزام الوطنية، واحترافية الدفاع عن مصالح الشعب وأمنه، فالجيش الأردني وعلى مدار سنوات الأزمة السورية وقف بشراسة لحماية حدود تمتد مئات الكيلومترات، ولم يسمح بتهديد أمن بلده، كما خاض حربا شرسة ضد المخدرات والسلاح والمهربين، وخفض كثيرا من تهديداتها على الأردن. كما أن القوى الأمنية الأردنية لها تاريخ طويل بتقنيات حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب، ويمكن أن تساعد كثيرا في هذا المجال.
ومع انتهاء مبررات استمرار "قانون قيصر"، فمن الممكن للأردن، كذلك، تقديم الربط الكهربائي، خصوصا مع توفر فائض كبير من الإنتاج، والحاجة الملحة للكهرباء في سورية.
بالنسبة لإصلاح ما سببته الحرب التدميرية الطويلة، فمن الجيد أن دول الخليج العربي منفتحة على النظام الجديد، ما قد يوفر رؤوس الأموال القادرة على إعادة البناء، ويمكن لها أن تجعل من الأردن مقرا للشركات الراغبة في العمل على الساحة السورية.  
العمل جنبا إلى جنب مع الحكومة السورية ليس مطلبا سوريًا فقط، بل هو مصلحة عربية إن أردنا حقا إنجاح الحكم الجديد ودعمه في النهوض وتحقيق الاستقرار للبلد الشقيق، وإلا فإن المقابل هو قنبلة موقوتة ربما تنفجر في وجه بلدان المنطقة جميعها.