عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Mar-2019

جلیلة الجشي تؤنسن الغیاب في مجموعتها ”نم أیها الموت“

 

عمان -الغد – لیس كما یقول الشاعر: تعددت الأسباب والموت واحد، فثمة أنواع من الموت، منھا البیولوجي والمعنوي، والحقیقي والوھمي التي تجعل من الموت على صور شتى، فالغیاب والسفر والبعد والإنكار والجمود والإقصاء والتھجیر والرعب، ھي دوال على السكون والموت. ًا عن الآن ناشرون وربما ھذا ما تقصده الكاتبة جلیلة الجشي في عنوان كتابھا الصادر حدیث وموزعون بعمان والذي تخاطب فیھ الحقیقة الكونیة المطلقة ككائن حي أو طفل یجلس جوارھا، ویمكن أن یغفو وینام ویسبل عینیھ وربما یحلم أیضا.
ً ویبدو أن الطلب في عنوان المجموعة لیس أمریا، بل رجاء لھذا الكائن الأزلي والسرمدي والأبدي أن ینام, تاركة جواب الطلب مفتوحا على كل التأویلات، وفي الوقت نفسھ تذھب إلى أنسة الموت، وتحولھ إلى طفل ودیع، تخاطبھ، ومثل ذلك لا یتسنى لأحد, ما لم تكن طالت معھ الرفقة التي تتیح مثل ذلك الخطاب لفرط الخسارات.
وھي ألفة الموت الذي غدا واحدا من الصحبة في غزة ونابلس والخلیل وأریحا، وكل فلسطین،ّ حیث الموت الذي یطارد الذاكرة بالأسماء التي حولت الرأس إلى مقبرة تضج بشواھد القبور ً للراحلین، الذین یكون حضورھم طاغیا أكثر مما یستطیع أن یخفي الموت.
ّ وتمزج الكاتبة في فضاء النص بین التجربة الذاتیة، والھ ً م العام الذي یمسي فیھ الحب مطاردا ً ومطلوبا، وحینما یخفق القلب یلوذ بالصمت الذي یشبھ الرحیل، فھو الغیاب الذي قتلتھ الخیانة.
تقول الكاتبة في مجموعتھا التي تقع في تسعین صفحة من القطع الوسط، وصمم غلافھا الفنان بسام حمدان: ”كتبت ھذه المجموعة شعرا ونثرا تعبیرا عن أحاسیس ومشاعر الكثیرین من حولي، لملمت كتاباتي المبعثرة والمتناثرة في الصحف والمجلات أحزان أولئك الذین سكنوا سطور أوراقي“.
َ وتذكر مقولة للشاعر الأمیركي روبرت فروست حول طموحھ الأبعد للشعر، بأنھ أراد أن یغرس القصائد في ذاكرة القارئ بحیث یصعب اقتلاعھا من الجذور. وأنا نزفت من المشاعر على جسد أوراقي، وأتمنى أن تغرس كلمات نصوصي وقصائدي في ذاكرة القاريء. ورسالتي كانت أن  تعبر عن الروح الإنسانیة لدى كل قارئ، وتخترق حدود الظلم.. فقد رصدتھا الكاتبة ودونتھا الذاكرة ثم استعادتھا بظلال الذاكرة ودونتھا بأثر التجربة القاسیة، ومن ”دعوني أنم“، تستذكر الكاتبة المفارقة التي یعیشھا أطفال غزة تحت لھیب ”عملیة الرصاص المصھور“ وتصریحات شمعون بیرس الذي قال: ”نرید لأطفال فلسطین ھواء نقیا وحیاة ھادئة وعصافیر یحلقون في سماء صافیة“.
ولكن أطفال غزة لم یذھبوا للمدرسة لأن الشوارع والأزقة وغرف الدرس والمقاعد وحتى الدفاتر والحقائب كانت مزروعة بالموت الذي أرسلتھ قوات الاحتلال الصھیوني حمما على غزة، التي تطلب منھا الكاتبة في نص ”غزة سامحینا“ العذر لأننا لم نستطع أن نمنع عن أطفالھا الموت.
وفي نص“نم أیھا الموت“، الذي حملت المجموعة اسمھ، تطلب من الموت أن ینام طویلا، ویستریح ویریح، وتزین لھ ذلك، كي یستریح الأطفال من الخوف والركض، وتنفتح لھم كوة من الفرح ولو كانت صغیرة. وتطلب من الموت أن یستریح لأنھا تشفق علیھ أیضا.
”نم أیھا الموت
واغرق في بحار النوم طویلا
ودعنا نستریح في الحیاة قلیلا
أما أنھكك التجول والتجوال في أزقة حارتي .. وشواطئ وطني“.
ومن نص اختاره الناشر للغلاف الأخیر، تصرخ الكاتبة مستنكرة أن یكون ثمن الحب ھو الموت، وأن یكون ثمن البحث عن الوطن ھو الموت الذي لم یمنح المحبین فرصة القبلة الأولى واللھفة الأولى التي بقیت معلقة في سقف الذاكرة، وبات علاج ھذا الخوف بالبوح .
”أنا التي أسرفت بالصمت
فتلعثم البوح فوق سطور أوراقي
أنا الذكرى المعجونة بخوف
اللھفة الأولى والقبلة الأولى
أنا من سكرت حروف كلماتي 
من خمر حضورھم.. ومرارة غیابھم“.
وجلیلة الجشي كما تقول: تكتب لعیون ”الوطن الجریح ولھموم الإنسان الفلسطیني الذي تورمت عذاباتھ وشمس الحریة الغائبة عن سماء الوطن.. أكتب لكل الذین استباحوا الدم الفلسطیني ویحاولون حرق سنابل عشقنا للھویة والأرض.. أكتب للحب الصادق... للعاشقین وأرسم بالكلمات معاناة شعب قدره أن یحیا على أرض یقاسمھ فیھا الجراد ویقارع الظلم والظالمین“.
ویصف الكاتب الفلسطیني زیاد الجیوسي كتاباتھا بأنھا: ھمسات الأیام التي تلامس الروح الإنسانیة وتترجم إحساس الذات ویذكر أنھ صدر للكاتبة: ”ثرثرات الأیام“، ”جرح البوح“، و“نم أیھا الموت“