عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Nov-2025

بعد الهدنة، أطفال غزة الآن في حاجة إلى ما يبقيهم أحياء

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

أليسون غريفين – (الغارديان) 18/10/2025
عانت الفئات الأصغر سنًّا والأكثر ضعفًا بين سكان غزة من صدماتٍ نفسية وجسدية هائلة. وبإمكاننا نحن في منظمة "أنقذوا الأطفال" أن نمد لهم يد المساعدة -ولكن لا بدّ أولًا أن يُسمح لنا بالوصول الفوري إليهم.
 
 
في الأيام القليلة الماضية، شهدنا احتفالاتٍ مصحوبة بتفاؤلٍ حذر بشأن مستقبلٍ لغزة يخلو من القنابل والرصاص. وقد أتاح هذا التوقفُ الضروري في الأعمال القتالية للأطفال فرصة النوم من دون خوفٍ من الطائرات المسيّرة التي تحلّق فوق رؤوسهم، أو من الغارات الجوية على المباني المجاورة، أو من اندلاع الحرائق في خيامهم. وبدأت العائلات في غزة في العودة تدريجيًّا إلى أحيائها وهي تحاول انتشال ما تبقّى من حياتها من تحت الأنقاض.
لكن ما لا يحصلون عليه حتى الآن –وهو الأهم– هو وصول كامل ومستدام إلى إمدادات المساعدات والخدمات الحيوية. ويتعلّق هذا المطلب بالحقوق الأساسية للأطفال في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهي حقوقٌ طالبت بها منظمتنا ودافعت عنها منذ العام 1953.
ما يزال الوضع الإنساني على الأرض في غزة كارثيًّا. ما يزال الأطفال والرضّع يعانون من سوء التغذية، ونحن نشهد في عياداتنا الصحية تزايد حالات الإسهال والجرب والالتهاب الرئوي. وما لم تتم تلبية هذه الحاجات الأساسية، فلن يتمكّن الفلسطينيون حتى من البدء في التفكير بإعادة إعمار غزة.
منذ بدء التوقف المؤقت في الأعمال القتالية، نعلم أنّ بعض وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تمكّنت من زيادة دخول الإمدادات الإنسانية، ولكن ليس بالمستوى المطلوب لتلبية احتياجات الأطفال بشكلٍ مستمر. وقد تم رفض إدخال إمدادات منظمة "أنقذوا الأطفال" إلى غزة مرارًا منذ أوائل شهر آذار (مارس). وفي الحد الأدنى، تحتاج غزة إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة مساعدات، و50 ناقلة وقود، وكمياتٍ كبيرة من غاز الطهي. ويحتاج الأطفال إلى مساعداتٍ تتناسب مع احتياجاتهم –ولا ينبغي أن يكون هناك أيّ سقفٍ لعدد الشاحنات المسموح بدخولها.
قمنا بترشيد ما لدينا من مخزونٍ كحلٍّ مؤقّت، ولكننا في حاجةٍ إلى وصولٍ فوري وطويل الأمد ومن دون عوائق لإمدادات التغذية، والطعام، والمياه، ومجموعات النظافة الشخصية التي تشمل الصابون، والشامبو، ومسحوق الغسيل والفوط الصحية، بالإضافة إلى الوقود وغاز الطهي وغيرها من المواد الأساسية المنقذة للحياة.
لقد شاهدنا بأعيننا ما يحدث عندما لا يتم إيصال المساعدات وتسليمها بشكلٍ منتظم. كانت نازك، البالغة من العمر 30 عامًا وأم لأربعة أطفال في غزة، حاملاً بابنتها الصغرى خلال السنة الأولى من الحرب، وكان الطعام نادرًا إلى درجة أنّها أصبحت تعاني من سوء التغذية. وفي عمر سبعة أشهر، تم تشخيص إصابة ابنتها الصغرى، نُور، بحالة سوء تغذيةٍ حادٍّ وخيم. وبفضل الدعم الذي قدّمه مركز التغذية التابع لمنظمة "أنقذوا الأطفال"، تحسّنت حالة نور، لكنها ما تزال هشّة، وهي ما تزال على قيد الحياة غالبًا بفضل الغذاء العلاجي التكميلي المعروف باسم "بلَمبي نَت". لكنّ ما تحتاجه هو أغذيةٌ غنية بالطاقة وكثيفة المغذّيات بشكلٍ منتظم وعلى مدىٍ طويل.
والآن، مع اقتراب فصل الشتاء، حين يمكن أن تنخفض درجات الحرارة إلى خمس درجات مئوية، يصبح المأوى والبطانيات والملابس الدافئة أيضًا من الأولويات. وقد بلغ حجم الدمار في غزة مبلغًا يفوق كلّ ما كان يمكن للمرء أن يتخيّله –وقد أفادت "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، (الأونروا)، بأنّ 92 في المائة من المنازل تضرّرت بشدة أو دُمّرت. ولا تعبّر الصور ومقاطع الفيديو عن حقيقة وضع مئات الآلاف من العائلات الفلسطينية التي تعيش وسط الأنقاض وفي مبانٍ مهدّمةٍ بالكامل، وغير مؤهلة بالتأكيد لتحمّل درجات الحرارة المنخفضة.
تدعو منظمة "أنقذوا الأطفال" إلى منح وصولٍ طويل الأمد وغير مقيّد، وكذلك إلى وقفٍ دائمٍ ونهائي لإطلاق النار. وتجري حاليًا دراسة السبل لتحقيق ذلك. وقد دعا مؤخرًا معظّم مالك، الرئيس التنفيذي لمنظمة "أنقذوا الأطفال –المملكة المتحدة"، إلى إنشاء آليةٍ مفوَّضةٍ دوليًّا لتسليم المساعدات عند معبر رفح الحدودي مع مصر. ويمكن لإدارة دولية على جانبي الحدود أن تمكّن من تحريك الإمدادات بسرعةٍ وبإشرافٍ شفّاف.
لدينا بالفعل إمداداتٌ جاهزةٌ في مصر، بما في ذلك 10.000 مجموعةٍ للنظافة الشخصية، تحتوي على الصابون والشامبو ومسحوق الغسيل والفوط الصحية، فضلًا عن مواد طبية منقذةٍ للحياة، ومستلزماتٍ للإيواء والشتاء، بالإضافة إلى مساعداتٍ نقديةٍ متعددة الأغراض. وعند السماح لنا بالدخول، سنعمل مع وكالات الأمم المتحدة لتوسيع الخدمات الأساسية التي نقدّمها حاليًّا، وبشكل خاص زيادة الدعم الذي نقدمه في مجال التغذية، بما يشمل الوقاية، والفحص، والعلاج من سوء التغذية. ولا تقتصر حاجة الأطفال في القطاع على المساعدات الإنسانية الأساسية فحسب، بل يحتاجون إلى مجموعةٍ من الخدمات المتكاملة.
كما يجب أن نعالج الآثار الطويلة الأمد التي خلّفتها هذه الحرب المستمرّة منذ عامين على الأطفال، وهي آثار تتجاوز الحاجة الآنية إلى المساعدات. وكانت الأمم المتحدة قد خلُصت في العام 2024 إلى أنّ الأراضي الفلسطينية المحتلة كانت أخطر مكانٍ في العالم على الأطفال.
إن الأطفال في حاجةٍ ماسة إلى دعمٍ نفسيّ متخصصٍ حتى يتمكنوا من تجاوز الآثار الصادمة للعنف الذي يفوق الوصف. وفي أحد الفضاءات الصديقة للطفل التي تديرها منظمة "أنقذوا الأطفال"، كتب أحد الأطفال: "أتمنى لو كنتُ في الجنة حيث أمي، في الجنة يوجد حبٌّ وطعامٌ وماء". كما أنّ أطفال غزة يعيشون الآن عامهم الثالث من دون تعليم. وتزيد هذه الفترة الطويلة من الانقطاع عن الدراسة كثيرًا من خطر ألاّ يُكمل الطلاب تعليمهم مطلقًا. ومع توافر الوصول الكامل إلى غزة وداخلها، يمكن لوكالات الإغاثة أن تعيد فتح مساحاتٍ تعليميةٍ مؤقتة لتوفير الأنشطة لحوالي 700 ألف طفلٍ في سنّ الدراسة.
كما أنّ في غزة اليوم أعلى نسبةٍ من الأطفال مبتوري الأطراف بالنسبة لعدد السكان في العالم. وقد أفادت وزارة الصحة في كانون الثاني (يناير) الماضي بأنّ 800 طفلٍ فقدوا أطرافًا علوية أو سفلية منذ اندلاع الحرب في غزة، بينما أدّى استخدام الأسلحة المتفجّرة في العام 2024 إلى إصابة ما معدّله 15 طفلًا يوميًّا بإعاقاتٍ قد ترافقهم مدى الحياة. ويحتاج هؤلاء الأطفال إلى دعمٍ متخصصٍ طويل الأمد.
على الرغم من الظروف القاسية التي لا يمكن تخيّلها، فإنّنا نعمل بلا توقّفٍ منذ اندلاع الحرب لمواجهة هذه الأزمة التي صنعها الإنسان في غزة. وقد قدّمنا دعمًا ومساعداتٍ منقذةً للحياة إلى 1.6 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال.
إنّ المساعدات الإنسانية هي حقٌّ والتزام، ولا يمكن أن تتقدّم عليها المفاوضات السياسية أو الأهداف السياسية والعسكرية. كما أن المساعدات هي أداة للإغاثة، وليست وسيلة للسيطرة. يجب على إسرائيل أن تفتح جميع المعابر الحدودية على الفور. وأيّ شيءٍ أقلّ من ذلك يعني أنّه، حتى مع وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار، ستظلّ حياة الأطفال ومستقبلهم في خطرٍ جسيم. وأيّ شيءٍ أقلّ من ذلك، ببساطةٍ، لا يكفي.
 
*أليسون غريفين Alison Griffin: رئيسة حملات النزاعات والشؤون الإنسانية في منظمة "أنقذوا الأطفال" –المملكة المتحدة
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Gaza’s children needed a ceasefire. Now they desperately need the aid that will keep them alive