عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Jun-2020

الصحافة الورقية (الرأي أنموذجا) - الاستاذ الدكتور حسين طه محادين

 حفظ هوية وذاكرة الوطن..

 
عميد كلية العلوم الاجتماعية - جامعة مؤتة
 
الراي - لست أدري كمتخصص أكاديمي وناشط في العمل الثقافي والاعلامي الوطني العام، كيف يستقيم الحديث عن الحق في العيش للأشياء، واقعا وذاكرة مُلهِمة للأردنيين كجزء من البشرية؛ ممثلة هنا في استلهام وتمثل معاني وفوائد قراءة كل من:-
تواتر الطاقة الروحية المتجددة للقص في الأديان المقدسة مثلا. وكذلك الحال للمعاني النبيلة للتجارب الانسانية باختلاف ألوانها ومعتقداتها التي يُعتز بها كماضِ مدون ومستمر في كل الأديان والشرائع ولدى الشعوب الارضية، وعطاء دولي مُلزم للجميع وهو شرعة حقوق الإنسان، في التفكير والتعبير والكتابة ولأسباب العيش معا، وضرورة الحفاظ وحماية هذه الحقوق في استمرار هذا التراث البشري المادي والمعنوي تحت مظلة منظمة اليونسكو الدولية، وأهمية استمرار استدعائها كوقائع فكرية وتاريخية إنسانية مستمرة الأثر والتأثير الراهن ونتيجة حفظها في الموسوعات العالمية عبر الأجيال بغض النظر عنعمق واتجاه التطورات اللاحقة من تطورات ورقية إلى إلكترونية في كل حقبة تاريخية من جهة أولى؛ وفي الجهة الثانية القاتلة لوعينا وهويتنا كأردنيين انسانيين، أصبحنا نعيش تناميِ وتغول ثقافة الرقم الاقتصادي والخصخصات المتسارعة التي فرّطت في الموارد ومنجزات وذاكرة رموزنا الوطنية ومنها الصحافة الورقية، مثلما أبعدت تاريخ شهدائنا وعلمائنا ومنجزات أجدادنا باعتبارها جزءا من الإرث غير المادي رغم ضرورة الحفاظ على المتميز منه تعبيرا عن نبضنا الجمعي كأبناء وطن مهدد من الأعداء، في وقت أصبح، الربح المادي الأصم وبغض النظر عن شرعية وسيلة تحقيقه العنوان الأبرز لانسياقنا الضمني كأردنيين مع أيدلوجية القطب الواحد، اي مع العولمة ومصاحباتها، ومع تسيّد الرقمنة «الاقتصاد والتكنولوجيا» الساعيين ضمنا إلى تذويب الذاكرات والقطاعات الوطنية العامة عموما، كترجمة لواقع طاغِ عولمي ومحلي مؤثر في طبيعة أسواق العمل المفتوحة، والرأي العام ممثلا في الصحافة الورقية المُحاصرة الآن بحجة سيادة الصحافة الإلكترونية، وارتفاع كُلفها دون اعتبار لإنسانية وأرزاق وإنجازات العاملين فيها من إعلاميين ومثقفين وسياسيين وقادة رأي منذ عقود طويلة.
(2)
إن سطوة العولمة وأذرعها الاقتصادية المحلية أردنيا على قطاع الصحافة الورقية ومحاصرتها كأذرع فكرية وإعلامية حامية ومطورة لذاكرتنا، وضميرنا الجمعي كأردنيين أفرادا ومجموعا ودولة،إنما تقتضي منا جميعا:-
ا- دعم هذا النوع من الصحافة كمؤسسات تنموية وفكرية غير مادية، للحفاظ على أدوارها التنويرية في مرحلة وطنية أخذ التطرف فيها يهدد بنية وثوابت التعددية في مجتمعنا الأردني المتوازن بمختلف شرائحه بفضل ارتفاع منسوب العلم والحرية النسبية للإعلام في بلدنا والحمد الله.
ب- على الحق الإنساني لحرية شريحة اخرى من القراء الأردنيين الذين لا يحبذون التعامل مع الصحافة الالكترونية لأنهم منحازون إلى قراءة ومتابعة الصحافة الورقية رغم محدودية انتشارها ميدانيا، مع التذكير هنا بضرورة تطويرها لنفسها،بنية،آليات طرح واعلام بذات الوقت.
إن أهمية الصحافة الورقية رغم انحسار توزيعها، باجتهادي أنها تمثل واحدة من مصادر الحفاظ على حيوات هويتنا الأردنية المتنوعة باختلاف وتكامل منابت وأصول أهلنا في الوطن عربا ومسلمين خصوصا لدى الأجيال الحالية.
مع أهمية التذكير هنا أيضا بأن فكرة عدم أو التردد للآن في دعم الحكومات للصحافة الورقية أردنيا تبُرر حكومة أن الواقع الحداثي المعولم يقتضي الاستسلام لمنطق السوق الاعلامية المفتوحة على أرضية التنافس أي العرض والطلب؛ وهذا الواقع غير عادل أصلا من حيث المبدأ بين دولة وصحافة نامية تقليدية ناهضة وبين احتكار المؤسسات الإعلامية الغربية المركزية إلى الاقتصاد والفضاء معا، وإلى حد استئثارها في موارد وخبرات مذهلة وأسواق عمل وإعلان في العالم النامي بحجة حرية السوق وذوبان الحدود بين المجتمعات بُعيد تسعينيات القرن الماضي، رغم ما تمثله هذه المقارنات والممارسات من تهديدات قوية لتاريخ الشعوب النامية وشركاتها الوطنية ومنها الأردن، بصورة خطرة جدا على وعينا وخصوصياتنا الحضارية عموما، فتقوية الإعلام المحلي متطلب سابق لإيجاد تحالفات أو منافسات مع الشراكات الإعلامية العالمية وخير أمثلة هنا على مستوى الفضائيات وجود شراكات وأسواق إعلامية عالمية وطنية مثل Mbc مصر، العراق.
إن هذا الواقع حياتيا وثقافيا ووطنيا جعل قيم الحياة وأذرع الإعلام الالكتروني كبديل متوقع للصحافة الورقية وتأثيراتها الحسية المباشرة على شجرة حواس القارئ المحب لهذا النوع من الصحافة، يشعر بدوره ان الصحافة إلكترونية رغم سعة انتشارها باردة النبض وبلا قلب لأنها لا تحمل نبضنا او مشاعرنا الحية، ولا تحمل نبض همومنا المحلية او حتى طموحاتنا الشعبية كما الصحافة الورقية.
صحيح أن الاقتصاد الرقمي أصبح يسود ويتحكم للأسف في إيقاع وجُل قرارات وعناوين حياتنا تحت عناوين؛ كم التكلفة، وكم الانفاق، وماهي قيمة الأرباح التي سنجنيها كحكومة من دعم هذه الصحافة رقما مجردا..؟. إلا أن سؤال التفكر المدبب في هذا السياق عن واقع ومآلات الصحافة الورقية والرأي أنموذجا يتجلى بدوره في الإجابة المنصفة على ما يأتي من تساؤلات:-
ا- هل الأرقام/ الأموال التي تنفقها الحكومة مثلا على مشروع أو موقع آثاري قديم، أو حتى إدامة طريق عام، وبناء المراكز الثقافية والمسارح، ألا يُعد هذا الانفاق خدمات واستثمارات مستدامة في سبيل الحفاظ على هيبة وهوية الوطن ومسيرته وتضحيات أجياله لاسيما رموزه ومعالمه الوطنية والرأي الغراء أنموذج هنا.
ب- لماذا لا يُنظر حكوميا وبتوازن إلى أن الصحافة الورقية جزء من ديمومة الذاكرة الوطنية ومن تضحيات مؤسسيها في ظروف حرجة عاشها الوطن.. أجياله ومنجزاته، فعدت مشاريع تنموية للأردن ولشريحة من أهله عاملين وقراء، وبالتالي من حقهم الشرعي والقانوني نيل هذه الحرية كتابة وقراءة عبر خدمة الصحافة الورقية للراغبين بذلك.
أخيرا.. إن كثيرا من رمزية الأعمال غير المادية المباشرة لا تحسب بصيغة الأرقام المجردة على قاعدة الربح والخسارة..حمى االله أردننا المغالب، المجد والوفاء لكل أجيال الرأي الذين رفدوا الوطن ومؤسسات دولتنا بالمتميزين من القامات النوعية وطنيا عبر أجيال متتابعة من خريجيها كمدرسة «حزبية» أردنية عربية وإسلامية إنسانية المدى منحازة ومعمقة لقيم وواقع التعددية الأردنية في الإعلام والسياسية والإبداع. دمتِ أيتها المنارة الغراء يا صاحبة الرأي والحضور السديد.