الدستور
أكثر من 400 شهيد خلال الساعات الماضية.. ساعات لم تتجاوز الثلاثة أيام بل أقل، خلافا لمئات الجرحى والمصابين، والمفقودين، هذا هو حال غزة، بقصف إسرائيلي لم وعلى ما يبدو لن يتوقف في واقع كارثي لم يعشه أي من شعوب المعمورة وأكاد أجزم لن يعيشه أي من الشعوب في أكثر الحروب شراسة وحتى إجراما.
وبعد كل هذه المجازر والكوارث، يعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أمس عن توسيع العمليات العسكرية على أهلنا في غزة، وكأننا نتحدث عن حرب لم تكن واسعة، ليقصف غزة جوا وبرا وبحرا، يحيطها بقذائفه وبنيران تلتهم كل ما حولها، ومن تنساه اليوم أو تمرّ بجواره تأتيه غدا، وربما بعده، فجميع الأهل في غزة بانتظار الشهادة في كل لحظة، فهي عشوائية القصف كما عود الكبريت في يد طفل، حرب تحرق وتحرق وتحرق، وإغفال لكل صوت يصرخ بوقف هذه الحرب ووقف مجازر إسرائيل التي لم تتوقف قرابة العامين على أهلنا في غزة.
أحد لا يعرف ماذا تريد إسرائيل، سيما وأنها تصر على الاستمرار في انتهاكات واعتداءات وحرب لا تقل خطورة عن حربها على غزة، تستهدف بها الضفة الغربية المحتلة، والقدس الشريف، بإجراءات لا تتوقف، وبتوقيت من اختراعها وحدها حيث لا تميّز به بين ليل ونهار، ولا أوقات صلاة، لتغدو فلسطين كل فلسطين تحت أدوات الحرب الإسرائيلية دون لحظة لالتقاط أنفاس الصبر!!!
نزوح يومي في غزة، والنزوح في غزة يختلف عن أي نزوح، يغادرون مكان إقامتهم، وبالغالب خيمهم، إلى خيمة أخرى، يتركون الخيمة التي تتعرض للقصف، دون طعام ولا ماء ولا مأوى، وفي أحيان كثيرة، ولا خيمة أخرى، ليكون النزوح في غزة من الموت إلى الموت، ومن خيمة محترقة إلى اللاشيء، النزوح من لهيب قذائف الاحتلال الإسرائيلي، إلى البحث عن النجاة، وفي ذلك مشاهد نراها كل ساعة وكم هي كثيرة قصص الوجع في غزة، أب يبحث عن أبنائه بين الركام، وآخر ذهب لإحضار سيارة لينقل أفراد أسرته وعند عودته لم يجد سوى نيرانا تلتهم بقايا منزله وأشلاء أبنائه وزوجته، ومشاهد أخرى تحرّك الحجر ولم تحرّك مشاعر إسرائيل!!!
أمس الأول استشهد خمسة صحفيين، تم استهدافهم خلال ساعات الليل من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي بمناطق متفرقة من غزة، بجانب عدد من عائلاتهم، لينضموا لقوافل شهداء مهنة المخاطر في غزة، ولتنهي إسرائيل حياة خمسة من الشاهدين على الحقيقة، وبالطبع تستمر مجازر إسرائيل دون توقف بتفاصيل توجع القلب والروح، وتوقف العقل عن أي تفكير، بأن إلى متى؟ وهو بالمناسبة سؤال الغزيين الدائم ونستقبله يوميا على هواتفنا من خلال رسائل تصلنا من الأهل في غزة، وحقيقة لا جواب بل نشاطرهم ذات السؤال إلى متى؟؟؟
مجازر جديدة كل ساعة في غزة، بأرقام تزداد لأعداد الشهداء، والمصابين والمفقودين، وبمشاهد لأطفال نقرأ على صورهم وهم شهداء، «قبل وبعد» تُفرح قلب أيّ منا صورته قبل لتصدمك وتوجع القلب صورة ذات الطفل «بعد» استشهاده وقد احترقت ملامحهم، وضاعت تفاصيله كاملة كما ضاعت تفاصيل وجوه أهل غزة، وقضت إسرائيل على تفاصيل حياتهم.
بعدما قرع الأردن جرس الخطر في قمة بغداد بأن الأولوية الآن ضرورة وقف الحرب على غزة، وايصال المساعدات، وانهاء الحرب الكارثية في غزة، يجب أن يتحرك العالم لجهة واحدة، ولأولوية واحدة بضرورة الضغط على إسرائيل وقف مجازرها فقد آن الأوان، بل تجاوزت إسرائيل الأوان لوقف هذه الكوارث، وجع غزة لا قبله ولا بعده ويجب وقفه اليوم قبل يوم غد.