عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Feb-2021

داود جلاجل: الفن الجيد لا يفقد بريقه وإن جارت عليه الأيام

 الغد-أحمد الشوابكة

يؤكد الفنان الأردني داود جلاجل، أن “الفن الجيد لا يفقد بريقه، وإن جارت عليه الأيام، مطلقاً تنهيدة عميقة”. ويقول بصوت تغلفه نبرة حزينة أن الفنان الأردني ما زال يعاني قلة الانتاج الفني للقطاع العام “الحكومي”، ويشير إلى عدم الاعتراف بالفن كما يجب، ويعدها عاملاً ثانوياً. وعلى نقيض ذلك، فإن قطاع الانتاج الفني الخاص احتل الساحة الفنية لإنتاج المسلسلات الأردنية وبثها على الفضائيات العربية، وبخاصة في ماراثون المسلسلات التي تبث في شهر رمضان المبارك.
وينشغل الفنان جلاجل حالياً بتصوير ثلاث حلقات من مسلسل الدراما البدوي “نشميات من البادية”، وهو من إنتاج عصام الحجاوي، ويشارك في المسلسل نخبة من الممثلين الأردنيين، ويقوم بإدارة الإخراج عدد من المخرجين الأردنيين أيضا.
كما أنه، انتهى من تصوير مشاهده في المسلسل القروي “كرم العلالي” الذي يشارك فيه نخبة من الفنانين الأردنيين وهو من تأليف وفاء بكر، وانتاج عصام حجاوي، واخراج حسام حجاوي، والذي سيكون أحد المسلسلات المشاركة في ماراثون شهر رمضان المبارك.
ويضيف في حديثه لـ “الغد”، بأنه ورغم كل المعاناة والتحديات التي يمر بها الفنان، إلا أنه يبقى صامداً بوجه كل هذه التحديات، والفن رسالة الدولة الأردنية للمشاهد، وله أهمية بالغة في التنمية، قائلاً: لدي تاريخ طويل من الأعمال المسرحية والدراما التلفزيونية، ونصف هذه الأعمال كانت انتاج قطاع خاص، فإذا لم أكن شخصاً يسهم في نجاح أي عمل، اتصور أني كنت سأمكث في البيت، ولكن هذا لم يحدث.
ويتابع، “لا يوجد في أرشيفي الفني عمل واحد يدعو للخجل، قد تختلف الأعمال في مستوى الجودة والدقة، وأرشيفي حافل بالأعمال ذات القيمة والرواج، فقد عاهدت نفسي، وعاهدت المتلقي أن أكون فناناً يحترم جمهوره ومخلصاً لأفكاره ومبادئه”، مضيفا “لست نادماً على أي عمل فني تحمست له وشاركت فيه، مع اقتناعي الأكيد بأنه ليس هناك دور صغير ودور كبير، بل هناك ممثل صغير وهناك ممثل كبير، مشيراً إلى أنه لا يرفض دوراً كضيف شرف في أي مسلسل وبحسب الدور الذي يليق بمسيرته الفنية”.
وقد اعتاد الفنان باستمرار أن يقرأ القرآن الذي زوده بالطاقة الفكرية وجعله يكون ملماً باللغة العربية الفصحى، ما أشبع حاجته الإبداعية وحرية الرأي التي امتلأت بها مسيرته في عالم الفن على مدى أكثر من أربعين عاماً. وفق وصفه
وبحزن يقول “ربما المسؤولون الجدد ليسوا على اطلاع كاف بتاريخ الإنتاج الفني في الأردن، فمن يعمل في هذه الصناعة يجب أن يكون ملماً بدرجة كافية بكل رموز الصناعة من كتاب السيناريو والحوار والتصوير والمخرجين، مؤكدا أن في الصناعة المكسب والخسارة ليس كل شيء، ويجب أن يكون اعلام الدولة بأدواته المختلفة ومنها الإنتاج الفني حاضراً، وليس مغيباً عن المشهد الفني، لأنه مرآة الوطن في الخارج.
ويؤكد جلاجل وهو من مؤسسي نقابة الفنانين الأردنيين، أن “هناك انحسارا أو اختفاء الأعمال الدرامية التاريخية في التلفزيون الأردني” متسائلاً: أين قطاع الإنتاج، وأين شركات الإنتاج التي تتحمس لمثل هذه الأعمال وتتحمل إنتاجها؟ وهي تحتاج لكلفة انتاج عالية، ويتعين علينا النهوض بقطاع الإنتاج ودعمه، ليكون قادراً على أن يضع العائد الأدبي قبل العائد المالي في اعتباره.
ويلفت إلى أن غياب مثل هذه الأعمال التي تحمل قيما أخلاقية واجتماعية وتكون ذات رسالة مجتمعية، سيؤثر بالسلب على الجيل وقيمة وفكره وأخلاقه وثقافته، خاصة مع غياب الأعمال الدرامية المهمة التي تعد منبرا قيميا، لذا يتعين علينا النهوض بقطاع الإنتاج ودعمه من قبل الدولة، فالعائد ليس المادة وإنما الرسالة والدور، والدراما تربية فكرية وقيمية للأجيال الصاعدة.
وأشار جلاجل إلى أن “الثقافة تشمل مجتمعاً بأكمله، فهي المحرك المعقد للعمل الإنساني. فإذا ثقفنا طفلًا اليوم سنحصل على مواطن يمكن للمجتمع أن يعتمد عليه في المستقبل. فالثقافة ليست شيئا ثانويا ورفاهية، فالثقافة هي عصب جوهري وأساسي في أي اصلاح مجتمعي وشيء حيوي كالماء والهواء.
ويردف قائلاً: “نحن بحاجة ملحة ومستعجلة لمشروع ومخطط ثقافي ينخرط فيه الجميع ويواكب باقي المخططات الكبرى التي يتم تدشينها بكل ألوانها، وهي التي تعكس طموحه ورغبته الجامحة في الانفتاح على العالم، كل ذلك لن يتأتى إلا بتحصين أمننا الثقافي الذي نملك منه رصيدا كبيراً وضارباً في عمق التاريخ”.
ودعا وزارة الثقافة لتفكر في آليه توزيع مبالغ صغيرة على عدد كبير من مهرجانات المسرح، وتختار أعمالا معروضة على الجمهور، وأن تخصص الحكومة ميزانية خاصة للإنتاج الفني، وأن يكون اهتمام ومساحة أكبر للدراما كونها فنًا قائمًا بحد ذاته.
وعاد جلاجل التأكيد بأن العمل الفني بأشكاله، هو البطل الحقيقي وليس الممثل، مضيفاً ان دور المبدع أن يسعد الناس حتى آخر نفس في حياته، وأن الفنان مطالب بتقديم محتوى جيد، حتى لا يسقط من حسابات الجمهور، ويصنع لنفسه مكانة كبيرة ومحترمة، مشيراً إلى أن العمل الفني لا بد أن يحدث الدهشة ويحقق المتعة، وفن المسرح يقوم على لقاء حي مع المشاهد، فنحن نستشعر بقوة احترامه للعمل الفني لأننا نحترم عقله.
ويعتقد أن المسرح هو المصنع الأساسي للتمثيل ولا يستطيع التخلي عنه، لأن فضاء الخشبة هو فضاء للتخيل والحلم، ولتطوير تقنيات الأداء بالنسبة له كممثل، ويستطيع من خلال العروض التي يؤديها أن يختبر ذوقه، وأن تتبلور ثقافته الجمالية وتصوراته الفنية في الحياة، وفق ما أكده: “هدفي من العمل في المسرح لا علاقة له بالربح، ولكنه من أجل أحقق لي وللمجموعة التي تعمل معي فضاء من الإبداع وتطوير فن الدراما”.
وبحسب رأيه، فإن الممثل الحقيقي هو في الدرجة الأولى ممثل المسرح. وفنياً يعد المسرح أكثر تميزا وجاذبية. وفي الدراما غالبًا ما يختفي الممثل خلف الشخصية التي يؤدِّي دورها. ولكن في المسرح يجب على الممثل أن يكون هو نفسه، كما أن الممثل يخضع هنا للدور.
ورغم إعادة عجلة المشهد الفني للدوران من جديد، وسط ظروف تتسم بالصعوبة والحذر، خوفاً من انتشار عدوى فيروس “كورونا”، بين جلاجل ان مختلف العاملين الذين وجدوا أنفسهم محرومين من مصدر رزقهم الوحيد، ما زاد من تعميق ظروفهم المعيشية الهشة.
وأضاف جلاجل أن هناك تأثيرا كبيرا لحق بالمهن والفنون الدرامية، بسبب جائحة كورونا التي فرضت على الدولة اغلاق جميع الفضاءات الفنية والثقافية من دور للمسرح والسينما وإلغاء عدد من التظاهرات الفنية. وأمام هذ الوضع فإن الفنانين قد تأثروا بشكل خاص ومازالوا، وبخاصة المستقلون الذين يشتغلون بعقود محدودة الأجل. وهو ما دفع عددا منهم لطلب الدعم من صندوق جائحة “كورونا” الذي أحدثته الدولة، لكن بعضهم لم يستفد بدعوى عدم دخول الفنان في فئة المشمولين بالدعم، رغم وجود قانون الفنان والبطاقة الفنية.
وأكد أن الفنان جزء من الأولويات في هذه المرحلة بالذات، فهو في نهاية المطاف فرد من المجتمع ويعاني كغيره من الفئات في المجتمع؛ وعليه التزامات مادية، وأسرة يجب أن يعيلها، والفنانون، لا يعيشون نفس المستوى المادي؛ فهناك طبقات، أعرف عددا من الفنانين قد تضرروا فعلا بسبب الجائحة، ولولا تدخل بعض زملائهم في الميدان من أجل المساعدة لكانت الكارثة، وقد يشكل الجمهور أحيانا صورة مثالية عن الفنان، لكنه يبقى شخصاً عاديا جدا، بل هو الأكثر عرضة من غيره للهشاشة والعطالة.
ويحتل الفنان داود جلاجل مكانة بين الفنانين الأردنيين والعرب، مركزاً على سنوات نشأته وتكوينه في منطقة المهاجرين بعمان القديمة، معتبرًا أن الطابع التعددي للمدينة ساعد على إبراز مواهبه وتأهيله ثقافيّا للانخراط في الحياة الفنية بعد ذلك، لافتا إلى دور عائلته التي أتاحت له تعليمًا متميزًا في دراسة الحقوق.