الغد
جوناثان أورمينيتا* - (كاونتربنش) 25/9/2025
الاعتراف بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة ليس سوى الخطوة الأولى والضرورية، لكنه بالتأكيد غير كافٍ. يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك وأن يتخذ إجراءات ملموسة من أجل الضغط على إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية. يمتلك المجتمع الدولي مجموعة واسعة من الأدوات بموجب القانون الدولي، ويجب أن ينتقل من الأقوال والاعترافات الشكلية إلى الأفعال الملموسة.
غزة وضمير الإنسانية
بقلب وعقل مفتوحين، شاهد الضمير الجمعي للمجتمع الدولي، على مدار العامين الماضيين، الحقيقة المؤسفة الكامنة وراء المذبحة المتعَّمدة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، ووجد إسرائيل مذنبة ومدانة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة. ولا يحتاج القصف اليومي للمستشفيات والجامعات، وعمليات الاغتيال الممنهجة للأطفال برصاص القناصة في الرأس، والمجازر التي لا تُحصى، إلى سنوات من التدقيق العام للتوصل إلى هذه النتيجة. إن هذا السيل الغامر من الصور اليومية للمذابح الجارية في القطاع يجبرنا على التساؤل عن طبيعة واقعنا وقوة قناعاتنا. وبوصفها مسؤولة عن تغطية هذه الفظاعة، تدفعنا وسائل الإعلام السائدة إلى إعطاء مصداقية لنقاط الحديث التي يرددها دعاة الدعاية الإسرائيليون القساة المجردون من أي قدر من الأخلاق، كما لو أن لكلماتهم أي وزن من الصحة. لا شك أننا نشهد واحدة من أعظم الجرائم التي يتم ارتكابها ضد الإنسانية: إبادة الشعب الفلسطيني. واليوم، السادس عشر من أيلول (سبتمبر) 2025، تلقينا تأكيدًا على تحقق الجريمة من اللجنة المستقلة للأمم المتحدة.
أربع تهم بالإبادة الجماعية: حكم أممي ضد إسرائيل
في 16 أيلول (سبتمبر) 2025، أعلنت اللجنة المستقلة للأمم المتحدة أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، مؤكدة بذلك كل تقرير رئيسي صدر بهذا الخصوص عن منظمات حقوق الإنسان.
ووفقًا لـ"أخبار الأمم المتحدة"، قالت نافي بيلاي، رئيسة اللجنة، بصيغة التأكيد: "تجد اللجنة أن إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب إبادة جماعية في غزة". وأضافت: "من الواضح أن هناك نية لتدمير الفلسطينيين في غزة من خلال القيام بأفعال تستوفي المعايير المنصوص عليها في اتفاقية الإبادة الجماعية".
ووجدت اللجنة أن إسرائيل كانت عاكفة على ارتكاب أربعة من خمسة من أفعال الإبادة الجماعية المنصوص عليها في "اتفاقية العام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها". وهذه الجرائم هي: القتل؛ إلحاق أذى جسدي أو عقلي جسيم؛ تعمُّد فرض ظروف حياة محسوبة بحيث تجلب الدمار للفلسطينيين؛ وفرض تدابير يُقصد منها منع الولادات.
جاء الرفض الوحيد لهذا الإعلان من الطرف المتوقع؛ سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني ميرون، الذي صرّح بالقول: "[التقرير] يروّج لرواية تخدم ’حماس‘ وأنصارها في محاولتهم نزع الشرعية عن دولة إسرائيل وتشويه صورتها. إن التقرير يتهم إسرائيل زورًا بنيّة الإبادة الجماعية، وهو ادعاء لا يمكن إثباته"، كما قال موقع "أخبار الأمم المتحدة".
قضية مثبتة.. عدالة موقوفة
قبل أن تُصدر الأمم المتحدة بيانها في السادس عشر من أيلول (سبتمبر)، كانت العديد من منظمات حقوق الإنسان قد وضعت الأساس، وفصّلت في تقاريرها الفظائع المتواصلة التي ترتكبها إسرائيل. وتشمل هذه المنظمات بعضًا من أبرز الهيئات التي توثّق المعاناة الإنسانية في العالم، بما في ذلك "هيومن رايتس ووتش"؛ و"بتسيلم"؛ و"منظمة العفو الدولية"؛ و"أطباء من أجل حقوق الإنسان"؛ و"أطباء بلا حدود"؛ و"الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية"، من بين أخريات. ومن بين هذه الأسماء، تبرز بشكل خاص منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم" التي تعيد في تقاريرها سرد المعاناة الإنسانية التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة. وتقول المنظمة:
"شمل هجومها العسكري (إسرائيل) على غزة، المستمر منذ أكثر من 21 شهرًا، القتل الجماعي، سواء بشكل مباشر أو عن طريق خلق ظروف لا يمكن العيش فيها؛ والتسبب بأذى جسدي أو عقلي جسيم للسكان كافة؛ وتدمير البنية التحتية الأساسية في جميع أنحاء القطاع؛ والتهجير القسري على نطاق واسع؛ مع إضافة التطهير العرقي إلى قائمة الأهداف الرسمية للحرب.
يُضاف إلى ذلك الاعتقالات الجماعية وإساءة معاملة الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، التي أصبحت فعليًا معسكرات تعذيب؛ وتمزيق النسيج الاجتماعي لغزة، بما في ذلك تدمير المؤسسات التعليمية والثقافية الفلسطينية"، كما كتبت المنظمة.
وإذن، مع وجود جبال من الأدلة المتراكمة، لماذا يتأخر تحقيق العدالة للفلسطينيين؟ إن الإطار القانوني المطلوب لوضع حد للإبادة الجماعية موجود، لكن اختلال ميزان القوى يوجب الاعتماد على الولايات المتحدة لإجبار إسرائيل على الامتثال للنظام الدولي القائم على القواعد والخضوع لمحاسبة قانونية.
كتب "المركز الفلسطيني للسياسات العامة" أن "هذا [التنفيذ] ليس فشلًا في وضوح القانون الدولي، وإنما هو نتيجة للقيود الهيكلية، والعرقلة السياسية، وعدم استعداد الجهات الفاعلة الرئيسية لتطبيق القانون بإنصاف. وأضاف المركز:
"لقد عجز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المكلف بمهمة الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، عن اعتماد تدابير ملزمة لحماية مؤسسات الرعاية الصحية في غزة. وقد منعت مناسبات استخدام حق النقض (الفيتو) المتكررة من الأعضاء الدائمين، وخاصة الولايات المتحدة، صدور قرارات تدعو إلى وقف إطلاق النار، وإتاحة الوصول الإنساني، وإجراء تحقيقات مستقلة في الجرائم التي تُرتكب في القطاع".
العدالة المؤجلة
هي إطالة لعمر الإبادة
أي آلية قانونية أخرى تبقى لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية الهائلة التي تحدث في قطاع غزة؟ قبل عام واحد تقريبًا، في 18 أيلول (سبتمبر) 2024، مررت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" القرار ES-10/24 الذي يطالب إسرائيل بإنهاء احتلالها للمناطق الفلسطينية خلال عام واحد. وبالإضافة إلى ذلك، ستسمح الأمم المتحدة للفلسطينيين بالعودة إلى "أماكن أصلهم" قبل الاحتلال، وتُلزم إسرائيل بدفع تعويضات عن عقود من العيش تحت الاحتلال. وقد تواصلتُ بشكل شخصي مع ما يعتبرها بعض الباحثين أبرز منظمة لحقوق الإنسان في فلسطين للتعليق على أحدث الإجراءات.
قال لي يائير دفير، المتحدث باسم منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، في مقابلة حصرية: "إن الاعتراف بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة ليس سوى الخطوة الأولى والضرورية، لكنه بالتأكيد غير كافٍ. يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك وأن يتخذ إجراءات ملموسة من أجل الضغط على إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية. يمتلك المجتمع الدولي مجموعة واسعة من الأدوات بموجب القانون الدولي، ويجب أن ينتقل من الأقوال والاعترافات الشكلية إلى الأفعال الملموسة".
في الأسبوع الذي سبق كتابة هذه السطور، تم تأكيد ما إذا كانت الولايات المتحدة تحترم القانون الدولي وما إذا كانت كل حياة إنسانية تحمل القيمة الجوهرية ذاتها. ومع النتائج الأخيرة التي خلص إليها تحقيق الأمم المتحدة المستقل في الجرائم التي تُرتكب في غزة، أطلقت نائبة الولايات المتحدة، مورغان أورتيغاس، المحمّلة بإرث غارق بالدماء، حُكمًا قاسيًا على الفلسطينيين بمستقبل قاتم، حين قامت باستخدام حق النقض (الفيتو) لإبطال أي تحركات محتملة في مجلس الأمن كان يمكن أن تنهي الإبادة الجماعية في القطاع المكلوم.
*جوناثان أورمينيتا Jonathan Urmeneta: كاتب وباحث مشارك في حركة التضامن مع فلسطين. سافر على نطاق واسع، مُدينًا وكاشفًا لمكائد الإمبريالية الأميركية من "وادي السيليكون" إلى روسيا إلى الشرق الأوسط. يركز عمله على تقاطع السلطة والجغرافيا السياسية والمقاومة، مع تركيز خاص على الجنوب العالمي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: When Genocide Is Confirmed, But Nothing Changes