عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Dec-2019

«الأخبار الملفقة» تحدٍّ يواجه الإعلام اللبناني منذ انطلاق الحراك

 

بيروت -الشرق الاوسط-  فيفيان حداد - «فاكت تشيكينغ» (Fact - checking) أو التحقق من خبر متداول، هي أحدث ظاهرة منتشرة بين وسائل الإعلام اللبنانية في الفترة الأخيرة. فبروز أخبار كاذبة (فايك نيوز) بشكل مكثف عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ انطلاق الحراك المدني «لبنان ينتفض»، دفعت بعدد كبير من محطات التلفزة وبعض وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة إلى استحداث أو تقوية القسم الخاص بهذا الموضوع للتحقق عن مدى صحة الأخبار التي تصلها. وترجمت الوسائل الإعلامية أقسامها هذه من خلال تخصيص مساحة لها في نشراتها الإخبارية وعبر الأثير أو على صفحاتها المكتوبة من أجل تصويبها ونفيها.
وحرص بعض مراسلي محطات التلفزة المحلية على كشف هذا النوع من الأخبار إما من خلال تقارير مصورة يعدونها أو من خلال تغريدات لهم عبر موقع «تويتر». وكذلك ضمن فقرات خصصتها لهم برامج تلفزيونية تواكب أحداث «لبنان ينتفض» منذ بدايته وحتى اللحظة من أجل تصويب هذا النوع من الأخبار.
«إن الأخبار الملفقة لديها القدرة على إشعال حرب أو صراع. وهو ما نلمسه على الأرض. فجميع مشاهد التفلت الأمني التي عمّت لبنان مؤخراً هي نتيجة لهذه الأخبار. وكان أحدثها ما تابعناه بين منطقتي الشياح وعين الرمانة بسبب انتشار مقطع فيديو قديم. ومع طغيان تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا ويومياتنا أصبح انتشار الأخبار الكاذبة عملية خطرة تهدد أمن البلاد واقتصاده كما بإمكانها أن تتسبب بكوارث أخرى على صعيد المجتمع اللبناني ككل».
يقول الإعلامي جورج صليبي مقدم نشرات الأخبار وبرنامج «وهلق شو» على قناة «الجديد». ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أما المشكلة الأكبر برأيي فهي غياب جهات رسمية رقابية أو وسيلة ما تتحكّم بها لتستطيع الحد من انتشار هذه الأخبار. فالفضاء الرقمي مفتوح ومباح ومتفلت ولا يمكن السيطرة عليه بأي شكل من الأشكال».
ومن الفقرات التلفزيونية التي تم تخصيصها في هذا الإطار «مش دقيق» التي تشارك في تقديمها مراسلة الأخبار ليال سعد على قناة «الجديد» ضمن برنامج يومي بعنوان «يوميات ثورة». وتعلق سعد في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «عشرات الأخبار الكاذبة تردنا يوميا، في هذه الفترة ويتفاعل الناس معها. ويمكن القول إن غالبيتها خطيرة وتستطيع أن تشعل الحرب لطبيعة الاستفزاز التي تغلفها».
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو من يقف وراء مطابخ الخبر الكاذب؟ «إنها بمثابة أجهزة منظمة مخابراتية مهمتها تنفيذ الهدف المرسوم والمطلوب منها بأسرع وقت ممكن. وهي تعد بمثابة رسائل سياسية وأمنية واستراتيجية خاطئة تهدف إلى التلاعب بعقل الآخر لردعه أو لدفعه لإعادة حساباته. فتدفعه إلى التفكير بما هو مغاير تماماً عما يسكن ذهنه».
يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني إلياس حنا والمختص بالدراسات الاستراتيجية والشؤون الدولية والدبلوماسية. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «وعلى هذه الأخبار أن تنبع من واقع ملموس يقنع المتلقي بأنه ممكن حدوثه. وهذه الوسيلة أي الأخبار الكاذبة تعد سلاحاً من نوع آخر تشهره الدول والمنظمات عند الحاجة ضد خصمها. وهي منظومة كاملة وبمثابة عدّة العمل السياسي في القرن الواحد والعشرين والتي تركز على إيصالها وسرعة تأثيرها على الطرف الآخر». يضيف حنا: «هذه الوسيلة موجودة عبر التاريخ ولدينا أمثلة كثيرة عنها».
وتعد محطة «إل بي سي آي» واحدة من الوسائل المرئية المحلية التي استطاعت أن تحافظ على مصداقية أخبارها في ظل انتشار الأخبار الملفقة الرائجة.
وتشير لارا زلوم، مديرة العمليات في قسم نشرات الأخبار فيها، إن المؤسسة اللبنانية للإرسال تعتمد عملية التحقق من كل خبر يردها منذ بداياتها حتى اليوم. وهو ما يساهم في الحفاظ على صورة مصداقيتها لدى المشاهد. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لطالما تحسبنا للوقاية من الأخبار الكاذبة حتى قبل اندلاع الحراك المدني. وأي فيديو مصور أو تسجيل صوتي يردنا نجري عليه عملية تدقيق كبيرة ولأكثر من مرة. فلدينا فريق تقني خاص معتمد للقيام بهذه المهمة. وأول ما نقوم به عند تسلمنا مادة معينة هو التدقيق بالزمان والمكان المرتبط بهما الحدث».
ومن ناحيته، يؤكد مدير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» وليد عبود أن الخبر الكاذب عادة ما يلاقي تجاوباً من قبل الناس لأن الأخبار «الفضائحية» تستهويهم أكثر من غيرها. «إنه ينتشر بسرعة كبيرة كالنار في الهشيم، ولذلك نتوخى الحذر بشكل كبير كي لا نقع في فخ هذه الأخبار، ولا سيما المتداول منها في وسائل التواصل الاجتماعي». ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا قسم خاص يتولى مهمة التدقيق بأي خبر يردنا أو يصلنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن هؤلاء المدققين متواجدين بشكل كبير، على مجموعات خدمة تطبيق الـ(واتساب) الرائجة في الفترة الأخيرة، ما يخولها الاستفهام عن حقيقة أي خبر كاذب يصلها. ويمكن القول إن الوسائل الإعلامية التقليدية بمجملها تشهد انضباطا ملحوظا في هذا الإطار عكس ما تشهده وسائل التواصل الاجتماعي في المقابل، والمتاح فضاؤها أمام الجميع ومن دون أي رقيب.
والمشكلة هو أن الناس تغرق في متاهات الـ(فايك نيوز) لتتناقلها وتتداولها بدورها وتحولها إلى حقيقة تسكن أذهانها فقط. وحتى بعد تكذيب هذا الخبر أو ذاك تبقى بعض هذه الأخبار عالقة عندهم بصورة لاشعورية». وعن طبيعة أكثر الأخبار الكاذبة الرائجة في الفترة الأخيرة يوضح عبود: «هي تلك المركبة أو القديمة التي تبحث عن النبش في القبور لإحداث فتنة أو مشكلة معينة. ولذلك لا تتوانى الـ(إم تي في) من التدقيق بالخبر أكثر من مرة، وكذلك الاتصال بصاحب الشأن لتأكيده أو تكذيبه».