عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Mar-2022

أحمد سلامة يكتب: كلام في العولمة والأمركة

 عمون-أحمد سلامة

في أوثق الروايات أن هاري ترومان أمر بأن يستمر إسقاط القنابل النووية على المدن اليابانية حتى تستسلم (لاحظ كلمة مدن)!!! ولقد تسرب هذا الأمر العسكري الأمريكي إلى الامبراطور (هيروهيتو)، فقرر الاستسلام دون قيد أو شرط بعد أن أفنى (ترومان) مدينتين يابانيتين.
على وقع ذلك الدمار غير الإنساني كان الأمل الأمريكي أن تستبد واشنطن بدور (روما الثالثة)، أي أن تصبح واشنطن مركز ثقل وتأثير الحضارة الغربية المسيحية وتخلف روما والقسطنطينية، وأن تنغل البشرية نغلا بالعقيدة الأمريكية القائمة على ثالوث مريب: الفردية المطلقة، والبابا بدور سياسي، وسحق الخصم مثل طحن القمح، وقد ترجمت هذه الأخيرة في تجربتها الاستئصالية عبر محق الهنود الحمر، وغرس الرعب في خلايا عقل آسيا كلها بعد تدمير المدن اليابانية بالنووي.
ولقد أطلقت أمريكا العنان لفلسفتها الامبراطورية في تملّك الدنيا وراثة لامبراطوريات سابقة: إنجلترا، فرنسا، تركيا، فارس، والعرب.
كان أول مشروع لأمريكا الامبراطورية هو مشروع مارشال، الذي بموجبه ظنت أوروبا أن أمريكا تُعمِّر القارة التي أرهقها اشتباك أطرافها ببعضها على مدار حربين كونيتين لزرقة عيون صباياها التي رملتها الحرب. لكن أمريكا قصدت من خطة مارشال إنهاء دور (الأسرة المقدسة) التي كانت عماد المسيحية في العالم المسيحي بأسره، واستبدلت بقرار رأسمالي عتيد الأسرية الأوروبية بالفردية الأمريكية، تمهيدا للمادية والاستهلاكية الأمريكية: السجائر، والمشروبات الغازية، والجينز، والهامبورغر، وأخيرا فلسفة اللاهوت الأمريكية الجديدة، التي أسندت لقداسة البابا في روما دورا سياسيا كل أحد ليزرع الشك بالاشتراكية في بولندا أولا ثم يجتاح كل منظومة السوفيات المجتمعية.
لقد تنبه شارل ديغول، الفرنسي الذي كانت روحه بحجم روح فرنسا الحضارة وليست فرنسا الجشعة، إلى أن (الناتو) هو وسيلة تحريك أمريكية لمصالحها الامبراطورية وليس الأمر دفاعا عن أوروبا، فتحدى الأمريكان وأدار ظهره لذلك الحلف، وعلى حين فجاة صُنعت له مكيدة ثورة الطلاب في باريس سنة ١٩٦٨ بروفة لربيع براغ وبروفة لربيع البوعزيزي في٢٠١١.
وأجبر ديغول، بفلسفة أطلق عليها من مبدعها هربرت ماركيوز (فلسفة الطريق المسدود)،
على الرحيل عن الاليزيه وإلى الأبد، ومضت أوروبا إلى قبضة الأمريكان بإحكام لا مثيل له سوى تجريف العقل الياباني بآلة الرعب النووية.
وعلى حافة التاريخ، كان ثمة مقاومة من الكنيسة الشرقية (الأورثوذكسية في موسكو) لهذا الطغيان الأمريكي. ولئن بدا الرفض السوفياتي متواضعا وخافتا في وجه الاستباحة الأمريكية للأرض والسماء، إلا أنه عرقل الاستعلاء الأمريكي في العديد من مناطق الاحتكاك بالعالم وأشهر ذلك كان مشهد الإذلال الذي رسمته موسكو وبكين عبر صورة للأمريكي المتعجرف يطير بهوليكوبتر من فوق سطح السفارة في سايغون في فيتنام سنة ١٩٧٤ بمذلة مشوبة بالعيب لجبروته، حين حاول الحلفاء تعمشق هروبه وفر تاركا إياهم لتلقي قدرهم على أيدي الفياتكونغ.
في ذلك الحين كان الاقتصاد العالمي كله تحت قبضة أمريكا، ٩٤ % من اقتصاديات العالم
كانت أوروبية وأمريكية وترك للسوفيات ٤ % والقليل الباقي للصين.
ولقد ظن العالم أن صدمة فيتنام قد تعيد تخليق العقل الأمريكي على نحو إنساني أكثر، لكن
الأمريكان انتحوا بالمسيحية الغربية إلى زاوية حادة بإقامة تبعية غير مفهومة لا دينيا ولا سياسيا لليهودية الصهيونية المغلقة.
ليس التاريخ مؤامرة، ولكن ثمة في التاريخ مؤامرة دوما. ثمة ما يقلق في تبعية أمريكا بمسيحيتها المتوهجة إلى يهوديتها الموغلة بالصهيونية الانتقامية الحادة الزوايا.
وليس هذا الكلام (تدينيا أو لا ساميا) وهي التهمة الصهيونية الجاهزة التي اصطنعها تيودور هيرتزيل ضد كل من أراده خصما من تحت ضغط هتافات باريس الصاخبة ضد يهودية (درايفوس الضابط الذي اتهم بخيانة فرنسا). فتلك التهم المعلبة لا تصلح الآن للبيع ولا للشراء.
والسؤال السياسي الذي يطرح على طاولة دعاة الحرية وحقوق الإنسان والديموقراطية في واشنطن، وهي كلها قصص لم يثبت في التاريخ أنها أكثر من أداة سياسية فاجرة الاستعمال لتحقيق المزيد من المكاسب التوسعية والاستعمارية، وقد حدث ذلك في مجزرة العراق التي لا مبرر لها سوى اليقين أن كل واشنطن (إعلام وحقوق إنسان وبحث عن أسلحة دمار شامل والديموقراطية وديكتاتورية صدام) لم يكن كل ذلك سوى إشباع الرغبة الفردية بالنهب اللاإنساني غير المسبوق للنفط والغاز وكذلك إضافة خلايا الرعب لعقل الإنسان العربي (بالشوتحة التي تمت في إعدام حاكم عربي، وتأكيد الضلع الخفي لطمأنة اليهود أن بغداد لن تتمكن من السبي مرة أخرى)، وقد تجلى كل ذلك في أداء محطة تلفزيونية نهضت بالدور الذي جددته هذه الايام كفضيحة لمزاعمها الأخلاقية وتبعيتها لواشنطن.
لقد ركزت كاميرات وتعليقات خسة من المذيعين العرب التُبّع لواشنطن الصهيونية الدوافع على فكرة الإبادة، بأن عرضت جثة الفتى مصطفى ووالده وعمه في مشهد شامت، كانت الرسالة: أن من يفكر في قصف تل أبيب لا حياة لسلالته. ولقد وصلت الرسالة! وكانت أكثر لؤما من النووي الياباني في تطويع وإذلال العقل العربي، وما تبع ذلك من دمار لكل المشرق العربي: داعش وسوريا وفلسطين ولبنان.. كل ذلك تأكيد للعقيدة التي نتحدث عنها اليوم.
فما مناسبة كل هذا وما علاقته بالحرب الأوكرانية، وما سر هذا التشدد الذي تبديه واشنطن ورئيسها؟ للقصة وجه سري، لا يبعد كثيرا عن الأسباب التي ذبحت العراق! الديانة الجديدة في واشنطن والهيمنة الصهيونية على الدور القيادي لأمريكا المسيحية.
قصة الجنون الأمريكي في حرب الروس هذه الأيام تتضمن ضلعا صهونيا ضاربا أساسه في جذور الأزمة الحالية، إن وجود بلينكين حوالي أوديسا فيما بينيت يشمشم عن دور في الكريملين،
وذاك الأهوج الفنان الكوميديان الذي يتربع على عرش سبّب المحنة وشرد شعبه وقتله لنزوة الأمركة في داخله، هؤلاء الثلاثة ثمة ما يجمعهم في الأزمة (محنة اليهود المتكررة في أوديسا)، لقد ذبح منهم الآلاف تارة بسبب التنافس على النشاط التجاري وتارة بسبب قسوة نظام الربا على الفلاحين الذين عانوا المجاعة بسبب القحط.
إن الكنيسة الأورثوذكسية الحاكمة في موسكو ترث تلك الحساسية في يهودية الدوافع لتطويع الاتحاد السوفياتي أولا وروسيا ثانيا. والكنيسة الشرقية لم تزل تحتفظ بألقها الروحاني الصافي. لقد شغل اليهود مقع الأكثرية في المكتب السياسي للينين (كامينيف، وبليخانوف، وديزريجنسكي وتروتسكي وكروبسكايا)، ولقد وجد ستالين نفسه في معركة ضارية معهم وأخرجهم وأعدمهم أجمعين. ورغم كل ماركسية ذلك الجورجي العتيد ستالين، إلا أنه ظل في أعماقه مسيحيا أرثوذوكسيا تحت جلده.
أما بوتين المسيحي الواضح في أروذوكسيته، فإن حنينا ماركسيا خفيا يجري في عروقه. وقبل أن تصمت المدافع في أوديسا من جديد، أود أن أستنتج أن واشنطن قد ذهبت بعيدا في تدينها اليهودي المتصهين بحروبها الدونكيشوتية المدمرة لقيم المسيح عليه السلام.
وإن معركة أوديسا فرصة لها كي تتوازن وتسعى لإيجاد مخرج لذاتها، فلقد أضحت علاقتها مع البشرية تشبه علاقة الدنيا مع الامبراطورية العثمانية في أواخر عهدها حين وصفت بالرجل المريض.
إن أمريكا الآن لم تعد مقبولة في كل العالم، لأنها فازت بلقب (القبضاي المستبد). كانت ميريكل الألمانية الحكيمة قد نصحت الأمريكان في معركة القرم سنة ٢٠١٤ بأن لا تعاملوا بوتين بدون كرامة ولا تجرحوا كبرياءه. لاحظوا ماذا تفعل واشنطن.. الازدراء لمن لا يدين بالديانة الأمريكية الجديدة (اليهودية المتصهينة).
فهل الذي يجري هناك على يدي رئيس أوكرانيا هو حرب دينية؟ أزعم أنها ليست سوى ذلك، مثل العراق تماما، فهي تجربة أخرى في خدمة اليهودية الصهيونية العالمية.
والسلام على من يفهم مخاوف السبي وتكرارها لدى أبناء العمومة.