بعد إسرائيل وإيران.. مناورات نتنياهو وترامب*د. ابراهيم بدران
الغد
تنفست المنطقة الصعداء جزئيا بعد وقف الحرب بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران وإسرائيل. وجاء إعلان وقف الحرب اولاً من ترامب وتلاه بعد فترة نتنياهو وأخيرا خامنئي. وأعلن كل من ترامب ونتنياهو انه الطرف المنتصر وأنه حقق اهداف الحرب تماماً، سواء من حيث تدمير المراكز النووية الإيرانية الرئيسة وفي مقدمتها فوردو ونطنز وأصفهان، أو من حيث تدمير البرنامج النووي الإيراني وتدمير برنامج الصواريخ البلاستية الإيرانية. وأشاد كل منهما بأعمال الآخر، وراح نتنياهو يمدح في ترامب ويصفه بأهم حليف لإسرائيل في التاريخ وغير ذلك من أوصاف يسعى بها نتنياهو للتمهيد لجائزة أميركية جديدة. وبعد يومين خرج آية الله خامئني ليعلن أن إيران هي المنتصرة، وأنها أفشلت المحاولات الأميركية لتدمير البرنامج النووي الإيراني، وان إسرائيل تلقت ضربات مدمرة لم تعرفها في تاريخها شملت تدمير مواقع عسكرية وتكنولوجية وعلمية مهمة في مقدمتها معهد وايزمان، ومواقع في قلب تل أبيب. وأضاف أن إسرائيل كانت على وشك الانهيار لولا التدخل الأميركي المباشر. وأعلن خامنئي من جديد ان نتائج الحرب اثبتت ان الشعب الإيراني لا ولن يقبل الاستسلام أو التفاوض تحت تهديد القوة.
وبعيداً عن الادعاءات من الأطراف المتحاربة فانه لا شك أن الضربات الأميركية أثرت على المرافق النووية الإيرانية وأعاقت زمنيا واقتصاديا أي برنامج نووي، إلاّ أنها لم تدمر ولم توقف المشروع بأكمله، خاصة وان الخبرة والعلم والعلماء والأجهزة والمعدات وهي العمود الفقري للبرامج ما زالت في إيران، ويمكن استثمارها وإعادة تشغيلها في المستقبل بما في ذلك تخصيب اليورانيوم.
وبنظرة الى المستقبل نلاحظ ان ترامب ونتنياهو اكدا على مبدأ غاية في الخطورة على المنطقة ألا وهو»القوة لصنع السلام». وهنا تتوجه الانظار من جديد الى ترامب لإحلال السلام في غزة والضفة الغربية خاصة وأن الاتحاد الأوروبي في بيانه الختامي دعا إلى «وقف الحرب فورا وإعادة الرهائن واستئناف المساعدات الإغاثية». وفي نفس الوقت يصرح نتنياهو يوما بعد آخر «انه على طريق تغيير وجه الشرق الأوسط بأي وسيلة».
وهنا لا بد من التأكيد على عدد من النقاط.
أولاً: إن تغيير وجه الشرق الاوسط كما يحلم به نتنياهو وسموتريتش لن يتحقق إلاّ من خلال القوة التي تزود بها أميركا وحلفاؤها إسرائيل. ومثل هذا التغيير سيكون بعيداً جدا عن القانون الدولي والإنساني ومناقضا له، وستكون تكلفته عالية تتحملها شعوب المنطقة.
ثانياً: انه في الوقت الذي توقفت فيه الحرب بين إيران وإسرائيل، ازدادت الهجمات الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة وعلى الضفة الغربية واستمر العدوان على لبنان وسورية.
ثالثاً: تعمل إسرائيل وبشكل مكثف وممنهج وبموافقة أميركية بريطانية ألمانية فرنسية قاطعة على محو معالم اللجوء الفلسطيني في الضفة الغربية بشكل خاص، وذلك من خلال التدمير الوحشي العنصري للمخيمات في غزة والضفة الغربية على طريق محوها من جانب، وتشغيل الشركة الأميركية الإسرائيلية للاغاثة لتحل محل الأونروا من جانب آخر. وتضغط إسرائيل من خلال واشنطن على استصدار قرار من الأمم المتحدة بإنهاء منظمة الأونروا لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
رابعاً: سيحاول ترامب فرض إنهاء الحرب على غزة، وإعادة جميع الاسرى الإسرائيليين دفعة واحدة تمهيدا لإنهاء حرب أوكرانيا وبالتالي إعلان نفسه بطل السلام في العالم. وهنا سيضغط على نتنياهو في هذا الاتجاه.
خامسا: سيلجأ نتنياهو كالعادة إلى المماطلة والمراوغة وافتعال الأحداث لكسب الوقت من جانب، ولانتظار مكافأة أميركية مجزية من جانب آخر.
سادساً: ما يسعى اليه نتنياهو واليمين الإسرائيلي هو ان تكون المكافأة مزدوجة التركيب جزء منها يتعلق بإنهاء الملاحقات القضائية ضد نتنياهو، والجزء الأهم يحقق لإسرائيل مكسباً ثميناً جديداً وهو «إعلان إسرائيل ضم الضفة الغربية بكاملها (أو المنطقة ج أي 60 % من مساحة الضفة الغربية كحد أدنى) والاعتراف الفوري من ترامب بهذا الضم، على غرار اعترافه بضم القدس وضم مرتفعات الجولان، خاصة وانه أعرب اكثر من مرة عن تعاطفه مع إسرائيل الصغيرة المساحة لكي تتوسع وتضيف أراضي جديدة لها.
سابعاً: مقابل إعلان ضم الضفة واعتراف ترامب بذلك من المحتمل جداً ان يتم الاعلان عن غزة كمنطقة إدارة ذاتية للفلسطينيين وتكليف مجموعات إدارية بهذه المهمة، وفي عين الوقت مشاغلة المنطقة العربية ودول أخرى ببرامج إعادة إعمار غزة بعد تقسيمها الى مربعات تخترقها محاور إسرائيلية من الداخل إلى البحر.
ثامناً: إن مثل هذا الضم إذا سار كما يريد اليمين الإسرائيلي ومؤيدوه، وفي ظل قانون يهودية الدولة، ستترتب عليه الفرص المواتية لتفعيل «عمليات تهجير قسري قانونية للفلسطينيين، وخاصة الذين يحملون جوازات سفر أردنية وعددهم يزيد على 700 ألف مواطن فلسطيني وجوازات سفر مصرية والذين يزيد عددهم على 100 ألف مواطن.
تاسعاً: سوف تركز إسرائيل في المرحلة القادمة على الاختراق الاستخباراتي لكل الدول العربية القريبة منها والبعيدة اعتماداً على نظرية الجيل الخامس وهي «أن الحروب القادمة هي حروب استخبارات ووكلاء وتكنولوجيا وطيران».
كل هذا يفرض على البلدان العربية وخاصة الأردن ومصر والسعودية والعراق الاستعداد لمثل هذه التغيرات، فالمستقبل لا يزال بحاجة إلى الكثير من العمل والتنسيق وسرعة الاستشراف.