الراي
التمييز بأشكاله المتعددة موجود في مختلف دول العالم، والبشر ليسوا ملائكة فكل إنسان في داخله نزعة تمييز ضد الآخر، أيا كان هذا الآخر.. «عرق أو شخص قبيلة أو مجموعة أو حزب..الخ»، وما يكبح هذه النزعة وجود قوانين وأنظمة وتعزيز ثقافة العدل والمساواة.
في أميركا نهج التمييز العنصري موجود بحكم التكوين الديمغرافي، فليس هناك انتماء قومي حقيقي مرتبط بوطن، بمعنى وجود شعب له لغته وثقافته وتقاليده وتراثه وعاداته، وحتى أكلته الشعبية التي يتميز بها، فهي خلطة تشبة «الكوكتيل» قامت على ثقافة العمل.. ثم العمل لساعات طويلة مرهقة لكسب المال!
يخطر في بال ملايين البشر وخاصة الشعوب المقهورة، بسبب السياسات الاميركية التساؤل: هل يمكن لاميركا أن تتفكك بسهولة؟.. هذه الدولة العظمى المتجبرة التي بإمكان الجالس في البيت الابيض، فرض عقوبات على الدول والجماعات والمنظمات وفقا للحسابات السياسية، ويتم استخدام الدولار كـ"حاكم مستبد» يهيمن على التعاملات المالية في الاسواق العالمية، وحتى الآن لم تظهر عملة وطنية لاي دولة تنافس الدولار، مهما كانت قوتها العسكرية والاقتصادية.
من السذاجة التوهم بأن أقوى دولة في العالم عسكريا واقتصاديا، بما تملكه من ترسانة تدمير هائلة، يمكن أن تنهار بفعل عسكري خارجي، لكن أحد السيناريوهات المحتملة أن تتآكل من الداخل. واذا حدث ذلك فستنهار اسرائيل تلقائيا!
ونتذكر أن دورة التاريخ تؤكد أن جميع الامبراطوريات والقوى الاستعمارية انهارت وتفككت، مثل بريطانيا التي كانت توصف بالامبراطورية «التي لا تغيب عنها الشمس»، وخلفتها أميركا في الهيمنة على العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ثم تمددت سياسيا وعسكريا وأصبحت تمتلك أكبر اقتصاد في العالم. ولديها مئات القواعد العسكرية في مختلف أنحاء العالم، لكن الصين بدأت منذ سنوات تسبب قلقا اقتصاديا لواشنطن.
وفي صدد تفكك الامبراطوريات.. لا بد من التذكير بانهيار الاتحاد السوفييتي، الذي كان يتقاسم مع الولايات المتحدة مناطق النفوذ والهيمنة في العالم، فيما كان يعرف بـ"الحرب الباردة»، تفكك في بداية تسعينيات القرن الماضي، بفعل داخلي وليس نتيجة حرب خارجية.
أميركا يمكن وصفها بأكبر وأقوى «مستوطنة» في التاريخ، تشكلت بطريقة عجيبة من مستوطنين ومهاجرين من مختلف بقاع العالم، وشهدت مسيرة التأسيس والبناء عمليات إقصاء وحربا أهلية، وإبادة جماعية للسكان الاصليين» الهنود الحمر»، لكنها بقيت دولة الفرص يتطلع للهجرة اليها ملايين البشر، بحثا عن حياة أفضل فتحولت الى بلد المفارقات العجيبة..
وربما تكون هذه الميزة هي التي خلقت حالة تشابه وتحالف لا مثيل لها، مع الكيان الصهيوني حيث أقيمت دولة اسرائيل على أرض فلسطين، بطريقة الاغتصاب والاستيطان وطرد السكان أصحاب الأرض، وارتكاب جرائم وتكريس نظام الفصل العنصري، وتشكل الولايات المتحدة أكبر داعم لهذا الكيان، في مختلف المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
من مفارقات أميركا العجيبة أن باراك أوباما وجورج فلويد، كلاهما أميركي من أصول افريقية، الأول وصل الى البيت الابيض في ولايتين رئاسيتين بين عامي 2008 و2016، في انتخابات رئاسية لكونه عضواً في الحزب الديمقراطي، والثاني قتل بطريقة وحشية مختنقاً في مايو – أيار 2020، بعد أن جثا شرطي أبيض على رقبته لمدة تسع دقائق، وأشعلت عملية قتله مطالب الأميركيين الأفارقة، بوضع حد للعنصرية وعنف الشرطة بحقهم، وتحول بسرعة كبيرة إلى رمز للنضال ضد العنصرية وعنف الشرطة.
لم يكن جورج «بطلا قوميا».. بل يشير سجله الى أنه صاحب سوابق، وسبب قتله المباشر انه اشترى سجائر باستخدام ورقة 20 دولاراً مزيفة، وتناول مادة مخدرة قوية «الفنتانيل».
لكن وحشية تنفيذ الجريمة والدافع العنصري فيها، هما اللذين فجرا ما سمي بانتفاضة السود الأميركيين، وامتدت الى عديد الدول الاوروبية، تطالب بالعدالة العرقية واصلاح أجهزة الشرطة، حيث كشفت هذه الجريمة أن التمييز العنصري في ممارسات الشرطة الاميركية متراكم، ويمتد الى موروث سلوكي وثقافي وتشريعي عمره مئات السنين.
ورغم آلاف الجرائم العنصرية التي ترتكبها اسرائيل منذ عشرات السنين بحق الفلسطينيين، أكثر بشاعة من جريمة مقتل الأميركي «جورج»، لكن لم تخرج تظاهرات احتجاج ضد عنصرية اسرائيل بالزخم الذي شهدته أميركا ودول أوروبية أخرى، الا خلال العدوان الاسرائيلي وحرب الابادة على قطاع غزة.