الغد-عزيزة علي
صدر عن دار أزمنة، بدعم من وزارة الثقافة، كتاب بعنوان "المرجعيات الثقافية في التجربة الشعرية العربية (دراسة نقدية لتجربة عدنان الصائغ أنموذجا)"، للباحثة الدكتورة سلطانة غريز.
كتب أستاذ النقد الحديث ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك د. بسام قطوس تقديما للكتاب يشير فيه إلى أن الكتابة الشعرية هي شكل من أشكال الإزاحة الأسلوبية أو الانتهاك الذي ينقل الإحساس بالأشياء ليس كما نعرفها بل كما ندركها؛ يعني أن الإدراك غاية جمالية بحد ذاتها وينبغي إطالة أمدها.
ويقول قطوس عندما قامت الباحثة سلطانة غريز بالبحث عن "المرجعيات الثقافية في التجربة الشعرية للشاعر العربي عدنان الصائغ"، فقد افترضت مسبقا وجود تلك المرجعيات، فبدأت تبحث وتنقب في بواطن المنجز الشعري للصائغ لتجده متعدد المراجع الثقافية والمنابع الفكرية من "دينية، وأدبية، وأسطورية، وتاريخية"، ليعيد صياغتها على وفق رؤية فكرية وجمالية جديدة، موضحة إسهام تلك المرجعيات في بناء نص شعري حداثي، واثرها الفاعل في رفد المنجز الشعري القائم على المواءمة والتناغم في استدعاء المخزون الثقافي لإبداع النصي بكل محمولاته الدينية والتاريخية والأسطورية، وسواها.
ويرى قطوس أن النص الشعري هو بنية فنية وجمالية تمنح من أنساق ثقافية متجددة، تكشف عن ثقافة الشاعر وقدرته على إعادة إنتاج تلك الثقافة ومرجعياتها المتعددة، فإذ كان الشاعر الصائغ قد نجح في إبداع نص شعري مكتنز ونابض بالحياة محققا نزوعا حداثيا في رفد الشعرية العربية بمدونة غنية من خلال تطويع مخزونه الثقافي وقراءاته المتنوعة من تاريخ وفلسفة وأساطير وقصص وروايات، خدمة لرؤيته الجمالية ورؤيته الأيديولوجية، فقد نجحت عزيز، في الحفر على تلك المرجعيات وكيفية توظيفها برؤية جديد.
وخلص قطوس إلى أن الوعي النقدي الذي امتلكته سلطانة مكنها من عبور نص شعري غني ومكتنز بالفكر والمعرفة، وتفكيك نسيجه، مستحضرة البعدين الفكري والجمالي في المنجز الشعري للشاعر العربي عدنان الصائغ، وتجربته التي كشفت عن مرونته في التفاعل مع المرجعيات الثقافية بروافدها المتعددة.
الكتاب جاء في أربعة فصول، تقول المؤلفة سلطانة غريز، البداية مع تمهيد، في حين يتناول الفصل الأول وهو بعنوان "المرجعيات الدينية"، فقدمت من خلاله توضيحا ومفهمة للمرجعية الدينية، وأهميتها في المنظومة الإبداعية والنقدية، ومن ثم العبور إلى قصائد الصائغ ضمن ذلك التوجه، والتعاطي مع المرجعية الدينية التي جاء نص الشاعر حاضنا لها، وتسليط الضوء على تمثيلاتها القرآنية، وشخصياتها الدينية المستدعاة من مضامين القرآن الكريم فضلا عن قصص الأنبياء.
فيما جاء الفصل الثاني بعنوان "المرجعيات التاريخية"، بمفهوم المصطلح، وبيان آثاره الموضوعية والفنية التي شكلت أرضية خصبة في الشعر العربي الحديث، وتوضيح مقدار اتكاء الشاعر على الموروث التاريخي عبر قراءة نصية متمعنه، لتجلية الأثر المرجعي في نتاجه الإبداعي فنيا وموضوعيا، من خلال تقسيمه إلى مبحثين: الأول، تناول الحديث عن صورة الشخصية التاريخية المستدعاة، للكشف عن صيرورة الشخصيات التاريخية في نتاج الإبداعي، فيما ذهب المبحث الثاني إلى المواقف والأحداث التاريخية التي تحمل رمزا تجزئيا في النص، فأصبح لبنة من دعائمه الأساسية؛ لتدعيم رؤيويته.
فيما جاء الفصل الثالث وهو عن "المرجعية الأسطورية"، حيث يناقش هذا الفصل ملامح تطبيق الثقافة الأسطورية في المتجسد النصي الحداثي، بالقراءة الواعية لنماذج تطبيقية من شعر الصائغ.
فيما تحدث الفصل الرابع عن "المرجعية الأدبية"، عند الصائغ، إذ تم التأسيس فيه نظريا لمفهمة المصطلح، وأهمية وأثره في تجديد التجربة الشعرية، وحاولت تجلية صورة الذاكرة الثقافية الشعرية الخصبة والغنية في تنوعها وتعددها.
وتضيف غريز إلى ان نتيجة هذه الدراسة استدعاء المخزون الثقافي في إبداع المشكل النصي بكل محمولاته الدينية والتاريخية والأسطورية والأدبية، محققا نزوعا حداثيا في تجاوز المرتكزات الثقافية المتعددة من خلال إعادة قراءتها وتشكيلها، وعلى اختلاف مصادرها تمتزج ذخيرته الفكرية، ومقدرته على تطويع مخزونها خدمة لفكرته النصية، إذ تستلهم الذات الشاعرة ما تحمله من مضامين وقيم إنسانية وروحية ورؤى فنية، بما يتناسب ونزعته الرؤيوية، وبنيته الأيديولوجية والفكرية، وتجربته الشعرية.
وخلصت المؤلفة إلى أنها هدفت من هذا البحث إلى الكشف عن المرجعيات الثقافية المتنوعة في الفضاء النصي، والتي تمثل منطلقا فكريا تتحكم في التفكير بشكل عام، وتكمن أهميتها في العمليات الإبداعية، والدراسات النقدية، في قدرتها على تحديد الزاوية المعرفية والفلسفية التي ينظر من خلالها إلى القضايا الوجودية المختلفة.
ولهذا السبب تناولت تجربة إبداعية عربية، وحاولت تحديد طبيعة المرجعيات التي وجهت تجربة الصائغ الشعرية، وبعد قراءة المدونة الشعرية، والاقتراب من بنيتها النصية، فقد وضعت خطة منهجية قائمة على المقاربة النصية المقترنة بالتحليل، مستعينة بعدد من الآليات والإجراءات المنهجية، كالاستقراء والاستدلال، التي من شأنها دراسة عينة تطبيقية وتحليلها فنيا وموضوعيا، وبيان مدى التزامه بالمصطلح النقدي، إ توقفت عند الأبعاد المنهجية والمعرفية في تطبيقاته المرجعية المتلاحقة والتمازجة نصيا؛ لبيان مدى قدرته في تفتيق الدلالات الفنية والجمالية.
وفي خاتمة هذه الدراسة تقول غريز إنها حاولت على مدار فصولها ومباحثها الوقوف على "المرجعيات الثقافية"، سواء في التنظير النقدي لها، أم في الممارسة الإبداعية التطبيقية، وقد تلمست أبعادها المعرفية وأثرها في بلورة التجربة الشعرية.
توضح المؤلفة إلى أن دراستها كشف عن أهمية المرجعية بوصفها دالا ثقافيا، وحقلا تواصليا معرفيا، أخذت منحى مختلفا، ولم تؤطر ضمن النظريات أو المناهج النقدية، وإنما تتصل بالفهم العميق للمعرفة وأبعادها الفلسفية والدلالية، وقراءة انعكاساتها على القضايا الرؤيوية والفكرية المختلفة، والمرتبطة بخلفياته الابستمولوجية، ومن ثم سياقاته الواقعية، فينخرط النص في جدلية العلاقة المزدوجة مع المرجعيات الثقافية والوقائعية، مستندا إلى الطبيعة المتداخلة والمتفاعلة في النص الحداثي.
وتبين غريز أن الصائغ من الشعراء المعاصرين، ممن ارتبط نتاجه بالمرجعيات الثقافية بوعي وقصدية، وليس محاكات اعتباطية لتجارب الشعراء المعاصرين، بل كان استدعاء مدروسا ينم عن ثقافة واسعة وعميقة، وقدرة على التفاعل الوظيفي معها بآليات متعددة، مما مكنه من تطويع ذاكرته الثقافية.
وخلصت غريز إلى أن الصائغ اتبع سنة من سبقه من شعراء القصيدة الحديثة؛ أمثال شاكر السياب، وعبدالوهاب البياتي، ومحمود دروش، وغيرهم في الاستناد إلى الذاكرة الثقافية الغنية لإبداع قصيدة متلاقحة على المستوى الفني الفكري مع السياق الثقافي الماضي والحاضر الذي ولدت فيه، مفعمة بالدلالات المنفتحة على فضاءات الإبداع والتواصل الفكري والفني.