عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jul-2020

«غربة الفلسطيني».. سيرة 90 سنة مع القضية

 

عمان - الدستور- «غربة الفلسطيني» سيرة ذاتيّة لرجل عاش تجربة حياتيّة واسعة، وشهد فيها مرحلة مرّ بها الوطن العربي كسلسلة كبيرة من التحولات والأحداث الجسام؛ فقد كان واعياً على تفتّح الحياة في فلسطين وما كانت تَعِدُ به من تقدّم علمي وازدهار حضاري، مُعايناً جملة التحولات الاجتماعيّة، وفجيعة جيله الشباب بالنكبة التي زلزلت كيانه وجعلته دائم السؤال عما جرى، وهو السؤال الذي يظلّ يورّثه للأجيال.
 
الدكتور حفص السّقا.. رئيس رابطة الأمم المتحدة للموظفين الدوليين في الأردن والناشط ثقافيّاً وحضوراً، يصدر هذا الكتاب بعد أن جاوز العشرين عاماً مع منظمة اليونسكو مدرّباً في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهو الحاصل على درجته العلمية في فلسفة التدريب من أميركا وعمل في مؤسسات حيويّة كرئاسته المركز الثقافي بغزة، ونادي روتاري عمان، وعضويته في الكثير من الجمعيات، كجمعية الشؤون الدولية، وهو إذ يوشّح كتابه بعبارة»بعد أن فقد الفلسطيني وطنه، فإنّه يشعر بالغربة في كلّ بلاد العالم: العين بعد فراقها الوطنا..لا ساكناً ألِفتْ ولا سكنا».
 
وفي تقديم أستاذ الأدب العربي الدكتور إبراهيم السعافين الكتاب، نسير مع السقا وهو يروي ذكريات عائلته التي كانت تعيش حياةً محافظة كسائر العائلات في فلسطين، مضيئاً على أساليب العيش، وما كان يعانيه المتعلّم في حضرة شيخ الكتّاب، حيث كان «الكُتّاب» شائعاً في فلسطين والعالم العربي.
 
وينقل السعافين أنّ السقا الذي يعرض لعلاقات أهله، استفاض وجدانه في وصف علاقته بأبيه وأمّه، كعلاقة أقرب إلى التقديس، كما فصّل في محطات من حياته مع رفيقة دربه عبر ستين سنةً ظلّت تظللها العشرة الطيبة والاحترام والتقدير والحنان، على ضوء الحياة الاجتماعيّة التي كان من أهمّ سماتها المحافظة والترابط والتكافل والتعاون والمحبّة الحقيقيّة.
 
فالسيرة، كما يرى السعافين، خلاصة تجربة كتبها السقا بأسلوب لا يخلو من دعابة، باسطاً تجربته في وظائفه السنيّة، ولا سيما مع اليونسكو والمحافل الدولية، فلم تغب عن باله قضيته الأساسيّة، قضيّة فلسطين التي خدمها متطوعاً في تعليم أطفال اللاجئين، وكانت هاجسه في لقاءاته مع زعماء العالم وشخصياته المرموقة، وهي اللقاءات التي تقدّم صورةً مثيرةً للمفارقة بين ما يفكّر فيه زعماؤنا وما يفكّر به الزعماء الذين تركوا بصمات لا تنسى في تاريخ البشرية.
 
يقول السعافين إنّ السيرة كشفت عن ملمح الحبّ والدماثة الذي يميّز شخصيّة الدكتور حفص السقا بأن اجتمع لديه هذا الطيف الواسع من الأصدقاء والمعارف الذين أغنوا تجربته في الحياة والناس وقدّم لهم المثال على المنزع الإنساني الرهيف في شخصيّته وعلى حسن الصحبة، فهي سيرة غنيّة تجمع بين المتعة الآسرة والفائدة المحققة والجرأة السامية، وتضيء حياةً تخللتها المباهج والمسرات، والأحزان والآلام، وتتعمق فكر صاحب السيرة وقلقه الذاتي والجمعي، في عالمٍ يَعِد بكثير من الآمال والمخاطر والتحولات.
 
بعد التسعين، يداعب الدكتور السقا القارئ بأنّ ذكرياته خلال كلّ هذه المدّة يهون على المرء عدّها من الواحد حتى التسعين، ولكن، من الصعب جداً أن يعود المرء بها لكي ينتزع من كلّ سنة ما أثارته في نفسه من ذكريات وما حملته من أحلام. كما ينصح بأن يراجع المرء نفسه وحساباته، مسجّلاً ذكرياته العالقة، رغم ضعف الذاكرة، التي يعبّر عنها بقوله: «تبّاً لها من ذاكرة.. سكنت ديار الآخرة.. كانت تدور على الرحى.. دارت عليها الدائرة».
 
وإذ يخطط السقا للعشر سنوات القادمة، فإنّه يكون بهذه السيرة قد قدّم لنا تعليلاً في كتابة سيرته، وذكريات طفولته، وحياته الخاصة، ومعنى اسمه حفص، «الذي لم يكن ملاكاً ولا شيطاناً»، ومشيه إلى المدرسة، وبيت العائلة في غزة، والحارة التي نشأ فيها، والعصي التي أكلت من جلده في «الفلقة»، وذكرياته مع المدرسة الرشيدية، وأبرز خريجيها وخريجي الكلية العربية، ودراسته في أميركا، والوظائف التي شغلها، وتطوّعه لتعليم اللاجئين، ولقائه مع قائد عام قطاع غزة الإسرائيلي، والأمراض التي عاينها، ومغادرته القدس، وطقوس الخطبة والعرس، ومعايير اختيار الزوجة، وحياته في ليبيا، والجاهة، والأزياء الشعبية في فلسطين، وذكرياته في دار الأوبرا بالقاهرة، وضياع مذكراته وشهادته على دخول الجيوش العربية فلسطين، والأناشيد الوطنية وتعلّمه اللغة الفرنسية، وقصّته مع المنابر والتلفزيونات والإذاعات، والمشاهد التي أعجبته في الغرب، والمشاهير الذين قابلهم، ومنهم غاندي «رسول اللاعنف»، ورأيه في الشيخوخة ومرارة الفراق، وشعوره بعد أن تجاوز التسعين.