عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Jan-2025

وثائق مسربة تكشف عن روابط عميقة بين الجيش الإسرائيلي و"مايكروسوفت"‏

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة ‏

‏‏يوفال إبراهام – (مجلة 972+) 23/1/2025
‏منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، اعتمد الجيش الإسرائيلي بشكل كبير على الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي من شركة مايكروسوفت Microsoft وشريكتها "أوبن آي" OpenAI، بينما عمل موظفو شركة التكنولوجيا العملاقة مع الوحدات العسكرية المختلفة لدعم تنفيذ هذه الخدمات، كما يكشف هذا التحقيق.
 
 
لدى "ميكروسوفت "بصمة في جميع البنى التحتية العسكرية الرئيسية" في إسرائيل، وقد ارتفعت مبيعات الشركة من الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي للجيش الإسرائيلي بشكل كبير منذ بداية هجومه على غزة، وفقًا لسجلات تجارية مسربة من وزارة الدفاع الإسرائيلية وملفات من الفرع الإسرائيلي لشركة "مايكروسوفت".‏
وتكشف الوثائق أن عشرات الوحدات في الجيش الإسرائيلي اشترت خدمات من منصة الحوسبة السحابية لشركة "مايكروسوفت"، المسماة "آزور" Azure، في الأشهر الأخيرة –بما في ذلك وحدات في القوات الجوية والبرية والبحرية، بالإضافة إلى فرقة الاستخبارات النخبوية، "الوحدة 8200". كما زودت مايكروسوفت الجيش بوصول واسع النطاق إلى نموذج لغة GPT-4 من "أوبن آي" OpenAI، الذي يشغّل تطبيق "تشات جي. بي. تي" ChatGPT، وذلك بفضل ‏‏الشراكة الوثيقة‏‏ بين الشركتين. 
‏كانت هذه الاكتشافات نتاج تحقيق أجرته "مجلة 972+" وشريكتها، "لوكال كول"، بالتعاون مع صحيفة "الغارديان" البريطانية. وهو يستند جزئيًا إلى الوثائق التي حصل عليها "دروب سايت نيوز" Drop Site News، الذي نشر‏ قصته الخاصة. ويُظهر التحقيق كيف عمق الجيش الإسرائيلي اعتماده على شركات التكنولوجيا المدنية العملاقة بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، ويأتي وسط ‏‏احتجاجات متزايدة‏‏ من موظفي شركات الخدمات السحابية الذين يخشون أن تكون التكنولوجيا التي طوروها قد ساعدت إسرائيل على ارتكاب جرائم حرب.‏
‏تشمل وحدات الجيش التي تم الكشف عن أنها تستخدم الخدمات التي تقدمها منصة "آزور" وحدة "أوفيك" التابعة للقوات الجوية، والمسؤولة عن إدارة قواعد البيانات الكبيرة للأهداف المحتملة للغارات الجوية المميتة (المعروفة باسم "بنك الأهداف")؛ و"وحدة ماتسبن"، المسؤولة عن تطوير أنظمة الدعم التشغيلي والقتالي؛ و"وحدة سابير"، التي تحافظ على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مديرية المخابرات العسكرية؛ وحتى ‏‏فيلق‏‏ ‏‏المدعي العام العسكري، المكلف بملاحقة الفلسطينيين والجنود المخالفين للقانون في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ‏
‏وفقًا لإحدى الوثائق، كما ‏‏كشفت‏‏ صحيفة "الغارديان"، فإن "الوحدة 81"، الذراع التكنولوجية لقسم العمليات الخاصة في مديرية المخابرات العسكرية التي تصنع معدات المراقبة لمجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، تتلقى أيضًا خدمات سحابية ودعمًا من "آزور".‏ 
كما تشير الوثائق إلى أن نظام "الحجر المتدحرج" Rolling Stone، الذي يستخدمه الجيش لإدارة سجل السكان وحركة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، تتم صيانته بواسطة "مايكروسوف آزور". وتستخدم خدمات "آزور" أيضًا في وحدة سرية للغاية داخل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث يُطلب من موظفي "مايكروسوفت" الحاصلين على تصريح أمني الموافقة على توفير الخدمات السحابية والإشراف عليها.‏
وفقا للوثائق، تشمل خدمات الذكاء الاصطناعي التي اشترتها وزارة الدفاع من "مايكروسوفت" خدمة الترجمة (حوالي نصف متوسط الاستهلاك الشهري خلال السنة الأولى من الحرب)، ونموذج GPT-4 من "أوبن آي" (حوالي ربع الاستهلاك)، وأداة تحويل الكلام إلى نص مكتوب، وأداة تحليل تلقائي للمستندات. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2023، قفز الاستهلاك الشهري للجيش من خدمات الذكاء الاصطناعي التي تقدمها "آزور" سبعة أضعاف مقارنة بالشهر السابق للحرب. وبحلول آذار (مارس) 2024، كان أعلى بـ64 مرة.‏
‏على الرغم من أن الوثائق لا تحدد كيفية استخدام وحدات الجيش المختلفة لأدوات التخزين السحابي وأدوات الذكاء الاصطناعي هذه، إلا أنها تشير إلى أن حوالي ثلث عمليات الشراء كانت مخصصة لأنظمة "ذات فجوات هوائية" معزولة عن الإنترنت والشبكات العامة، مما يعزز إمكانية استخدام الأدوات لأغراض عملياتية -مثل القتال والاستخبارات- بدلاً من استخدامها لمجرد أداء وظائف لوجستية أو بيروقراطية. في الواقع، أكد مصدران في "الوحدة 8200" أن مديرية المخابرات العسكرية اشترت خدمات التخزين الذكاء الاصطناعي من "مايكروسوفت آزور" لأنشطة جمع المعلومات الاستخباراتية، وأكدت ثلاثة مصادر أخرى في الوحدة أنه ‏‏تم شراء خدمات مماثلة‏‏ من "خدمات أمازون للإنترنت"، AWS -منصة الحوسبة السحابية في شركة "أمازون"‏‏.‏
‏وتظهر الوثائق أيضًا أن موظفي "مايكروسوفت" يعملون بشكل وثيق مع وحدات في الجيش الإسرائيلي لتطوير المنتجات والأنظمة. وقد اشترت عشرات الوحدات العسكرية "خدمات هندسية ممددة" من "مايكروسوفت"، والتي وفقها، بحسب موقع الشركة على الشبكة، "أصبح خبراء ’مايكروسوفت‘ جزءا لا يتجزأ من فريق [الزبون]". ‏
‏وتصف الوثائق، على سبيل المثال، أنه في السنوات الأخيرة اشترت مديرية المخابرات العسكرية اجتماعات تطوير خاصة وورش عمل مهنية، قدمها خبراء "مايكروسوفت" للجنود بتكلفة ملايين الدولارات. وفي الفترة ما بين تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وحزيران (يونيو) 2024 وحدها، أنفقت وزارة الدفاع الإسرائيلية 10 ملايين دولار لشراء 19.000 ساعة من الدعم الهندسي من "مايكروسوفت".‏
‏وقال ضابط مخابرات خدم في دور تكنولوجي في "الوحدة 8200" في السنوات الأخيرة، وعمل مباشرة مع موظفي "مايكروسوفت آزور" قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) لتطوير نظام مراقبة يستخدم لمراقبة الفلسطينيين، لـ"مجلة 972+" و"لوكال كول"، أن مطوري الشركة أصبحوا جزءا لا يتجزأ من ذلك لدرجة أنه أشار إليهم على أنهم "أشخاص يعملون بالفعل مع الوحدة" العسكرية المعنية. كما لو كانوا جنودًا. ‏
وأضاف المصدر أنه خلال مرحلة التطوير، جاء موظفو "مايكروسوفت آزور" لعقد اجتماعات في قاعدة عسكرية لدراسة إمكانية بناء نظام المراقبة فوق البنية التحتية السحابية للشركة. وقال: "كانت الفكرة هي أنه يجب إدارة هذا الشيء في ’آزور‘، لأنه [يستخدم] الكثير من البيانات".‏
‏وأكدت سبعة مصادر في وزارة الدفاع الإسرائيلية والجيش وصناعة الأسلحة‏‏ ‏‏أنه منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أصبح الجيش يعتمد بشكل متزايد على الخدمات التي يشتريها من مزودي الخدمات السحابية المدنيين للنشاط العملياتي في غزة. ووفقًا لمصادر في الجيش، فإن مساحة التخزين وقوة المعالجة التي توفرها الشركات السحابية تمكّن الجنود من الاستفادة من كميات أكبر بكثير من المعلومات الاستخباراتية -ولفترات زمنية أطول- مما يمكنهم الاحتفاظ به على خوادمهم الداخلية الخاصة.‏
ولم ترد "مأيكروسوفت" على طلب للتعليق.‏
‏"العالم الرائع لموفري 
الخدمات السحابية"‏
‏في العام 2021، نشرت الحكومة الإسرائيلية مناقصة بقيمة 1.2 مليار دولار ‏‏لمشروع "نيمبوس"‏ Nimbus‏‏، المصمم لنقل أنظمة المعلومات الخاصة بالوزارات الحكومية والهيئات الأمنية إلى الخوادم السحابية العامة للشركات الفائزة، والوصول إلى خدماتها المتقدمة. وكانت "مايكروسوفت" واحدة من العديد من الشركات التي قدمت عرضًا للمناقصة، لكنها خسرت في النهاية أمام "أمازون" ‏‏و"غوغل"‏‏.‏
على الرغم من هزيمة "مايكروسوفت" في مناقصة "نيمبوس"، واصلت وزارة الدفاع شراء الخدمات من عملاقة الخدمات السحابية. وعلى وجه الخصوص، تشير الوثائق إلى أن "مايكروسوفت" تحتفظ بعلاقات عميقة مع وزارة الدفاع الإسرائيلية من خلال إدارة المشاريع المتعلقة بـ"أنظمتها الخاصة والمعقدة"، بما في ذلك "أعباء العمل الحساسة" التي لا تتعامل معها أي شركة سحابية أخرى.‏
‏في آب (أغسطس) 2023، كما يمكننا أن نكشف، بدأ الجيش الإسرائيلي في شراء أحدث طراز لغوي من "أوبن آي"، GPT-4. هذه الأداة، التي يحصل الجيش على إمكانية الوصول إليها من خلال منصة "آزور" بدلًا من "أوبن آي" مباشرة، قادرة على تحليل مليارات المعلومات والتعلم من الحالات السابقة، والاستجابة للتعليمات المنطوقة والمكتوبة. ‏
وبمجرد بدء الحرب، زاد الجيش بشكل حاد من حيازاته على مشغل GPT-4: منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كان استهلاكه أكبر بـ20 مرة مما كان عليه خلال فترة ما قبل الحرب. ومن الوثائق، من المستحيل معرفة ما إذا كان الجيش قد استخدم GPT-4 في أنظمة سرية ذات فجوات هوائية أو من تلك التي يمكنها الاتصال بالإنترنت. ‏
‏لم ترد "أوبن آي" على الأسئلة حول معرفتها بكيفية استخدام الجيش الإسرائيلي لمنتجاتها. وقال متحدث باسم الشركة ببساطة: "’أوبن آي‘ ليس لديها شراكة مع الجيش الإسرائيلي".‏
في السنوات الأخيرة، ‏‏قيل أن "مايكروسوفت" استثمرت‏‏ حوالي 13 مليار دولار في "أوبن آي". وفي أيار (مايو)، ذكر مقال نُشر على موقع "مايكروسوفت"‏‏ ‏‏الإلكتروني أن أدوات "أوبن آي" لديها القدرة على أن تكون "مُغير نموذج" لوكالات الأمن والاستخبارات وتحسين دقتها وكفاءتها. وأشار المقال إلى أنها "أداة قوية لتحليل صور الأقمار الصناعية، والخرائط الميدانية، وترجمة الكلام والنصوص، وتقديم الترجمة الفورية، وإنشاء مساحات افتراضية للتدريب".‏
‏قبل العام 2024،‏‏ تضمنت ‏‏شروط "أوبن آي" ‏‏بندًا‏‏ يحظر استخدام خدماتها للأنشطة "العسكرية والحربية". ولكن في كانون الثاني (يناير) 2024، بينما كان الجيش الإسرائيلي يكثف اعتماده على تطبيق GPT-4 أثناء ‏‏قصف قطاع غزة‏‏، ‏‏أزالت الشركة بهدوء هذا البند‏‏ من موقعها على الإنترنت ووسعت شراكاتها مع الجيوش ووكالات الاستخبارات الوطنية.‏
في تشرين الأول (أكتوبر)، ‏‏صرحت‏‏ "أوبِن آي" ‏‏علنًا بأنها ستدرس التعاون مع الوكالات الأمنية في الولايات المتحدة و"الدول الحليفة"، معتقدة أن "الديمقراطيات يجب أن تستمر في أخذ زمام المبادرة في تطوير الذكاء الاصطناعي، مسترشدة بقيم مثل الحرية والإنصاف واحترام حقوق الإنسان". كما أعلنت شركة "أوبن آي" أنها‏‏ ‏‏ستتعاون مع "أندوريل" Anduril‏‏‏، وهي شركة تصنع الطائرات من دون طيار قائمة على الذكاء الاصطناعي، بينما أفيد العام الماضي بأن "مايكروسوفت" ‏‏قدمت نموذجها إلى وكالة المخابرات المركزية‏‏ (سي. آي. إيه) لتحليل الوثائق السرية للغاية في نظام داخلي مغلق.‏
‏ويتطابق ما تم الكشف عنه في هذه الوثائق مع تصريحات العقيد راشيلي ديمبينسكي، قائدة "وحدة مركز الحوسبة ونظم المعلومات" في الجيش الإسرائيلي (مامرام)، التي توفر معالجة البيانات للجيش بأكمله‏‏. في مؤتمر عُقد بالقرب من تل أبيب  في تموز (يوليو) الماضي، كما كشفت ‏"مجلة 972+" و"لوكال كول" ‏‏سابقًا، قالت ديمبينسكي أن القدرات العملياتية للجيش "تطورت" خلال الحرب الحالية في غزة بفضل "العالم الرائع لمزودي الخدمات السحابية" الذي وفّر "فعالية عملياتية كبيرة جدًا".‏
وقالت ديمبينسكي إن هذا كان بفضل "الثروة المجنونة من الخدمات، والبيانات الكبيرة، والذكاء الاصطناعي" التي يمكن أن يوفرها مقدمو الخدمات السحابية -حيث ظهرت شعارات "مايكروسوفت آزور" و"منصة غوغل السحابية" و"خدمات أمازون للإنترنت" على الشاشة خلفها.‏
‏في محاضرتها في تموز (يوليو)، أوضحت ديمبينسكي أن الجيش بدأ العمل بشكل مكثف مع الشركات السحابية بسبب متطلبات الحرب. ومع بداية الغزو البري لغزة في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كانت أنظمة الجيش مُثقلة و"كانت الموارد مُستنفدة". وقالت ديمبينسكي أن هذا النقص في مساحة التخزين وقوة المعالجة أدى إلى قرار في الجيش "بالخروج إلى العالم المدني"، حيث كان من الممكن شراء أدوات الذكاء الاصطناعي وقوة الحوسبة "من دون سقف زجاجي".‏
تظهر الوثائق المسربة أن متوسط الاستخدام الشهري للجيش الإسرائيلي لمرافق التخزين السحابي في "آزور" في الأشهر الستة الأولى من الحرب كان أعلى بنسبة 60 في المائة مما كان عليه في الأشهر الأربعة التي سبقت ذلك.‏ 
و‏في آب (أغسطس)، أكد الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي لـ"مجلة 972+" و"لوكال كول" أن "المعلومات السرية للجيش الإسرائيلي لا يتم نقلها إلى مزودين مدنيين، وتبقى في شبكات الجيش الإسرائيلي المنفصلة" –على الرغم من أن تحقيقنا في ذلك الوقت أظهر أن الجيش الإسرائيلي قام في الواقع بتخزين بعض المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها من خلال المراقبة الجماعية لسكان غزة على خوادم تديرها "خدمات أمازون للإنترنت". ‏
هذه المرة، رفض الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع التعليق.‏
 
*يوفال أبراهام Yuval Abraham: مخرج أفلام وناشط إسرائيلي مقيم في القدس، من مواليد العام 1995. أمضى سنوات في الكتابة عن الاحتلال الإسرائيلي، معظمه باللغة العبرية. وهو صحفي مستقل يتمتع بخبرة في العمل في أطر تعليمية ومدارس إسرائيلية فلسطينية ثنائية اللغة. درَس اللغة العربية بشكل مكثف ويقوم الآن بتدريسها لمتحدثين آخرين بالعبرية، إيمانًا منه بالكفاح المشترك من أجل العدالة والمجتمع المشترك في إسرائيل وفلسطين.‏
‏*ساهم هاري ديفيز Harry Davies: من صحيفة "الغارديان" في هذا التقرير.‏
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Leaked documents expose deep ties between Israeli army and Microsoft