عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Jul-2020

فؤاد الآغا.. وحكايا الناس مع رثي الملابس والسجاد

 

 الراي - وليد سليمان - قطعة من الملابس مهما كان نوعها أو ثمنها أو سجادة عجمية؛ يصدف ان تتعرض لخدش أو لتمزق أو لاهتراء بسيط، يحدث بها ثقب ما.كل هذا وغير ذلك له علاج عند الخبير والمتخصص لإصلاح هذه العيوب وهو » فؤاد الآغا» في محله العريق الذي أسسه والده » عادل الآغا في وسط البلد بعمَّان خلال منتصف خمسينيات القرن الماضي في طلوع الخيام بجانب سرفيس اللويبدة.
من الوالد الى الابن
وخلال لقاء ملحق الرأي «آخر الأسبوع» مع فؤاد الآغا والملقب بِ «صاحب الأصابع الذهبية» حدثنا قائلاً عن البدايات عن هذه المهنة حيث قال: كنتُ أساعد والدي منذ صغري في هذا المحل حتى تعلمت وأتقنت عملية وفن رثي الملابس.. حيث كان والدي رحمه االله قد تعلم هذه الصنعة أثناء وجوده في يافا، فقد كان يعمل في مصنع لصبغ النسيج.
وأثناء عمله هذا كانت تحدث أحياناً بعض الأخطاء في خيوط النسيج؛ لذلك كان على بعض العاملين ان يقوموا بإصلاح تلك الأنسجة والأقمشة في الحال.. لذا كانت تلك هي بذرة عملية إصلاح الأقمشة.. وعندما ترك أبي عمله من هذا المصنع فتح محلاً صغيراً في يافا ثم في نابلس ثم في عمان لرثي الملابس بالقطعة للناس.
ومنذ الخمسينيات عقد العزم على ان يُعلم ويورث هذه المهنة لأولاده وإخوانه.
الابن فؤاد الآغا أكمل المشوار وتوسع بتعليم هذه المهنة للعديد من أفراد العائلة الكبيرة من الأبناء والأشقاء وأولادهم حتى لبعض النساء في العائلة.
وعند سؤالنا لِ «فؤاد أبو عادل» عن أنواع الملابس والأقمشة والمواد الأخرى التي يقوم برثيها هو وأفراد عائلة الآغا قال: جميع أنواع وأشكال الملابس التي تخطر على البال من رجالية ونسائية وبناتية وولادية من شتوية وصيفية وغير ذلك، بما فيها الملابس الجلدية من السويترات والجاكيتات والمقاعد والكنبايات.
وحول موضوع الملابس والأثاث المصنوع من الجلود قال: لقد طورت شخصياً من هذه المهنة وأدخلت عملية رثي الجلود تلك في عمان ؛ فقد ذهبت في دورة لتعلم ذلك الى ايطاليا عام 1976 ،وهناك أخذت خبرة جيدة في تخزين الفرو وصبغ ورثي الجلود والملابس والأدوات التي تُصنع منهما.
لماذا يرثى الناس ملابسهم؟!
وحول ذلك أجاب الآغا موضحاً: أمزجة الناس متنوعة! فهناك منهم مَن يأتي لدينا متأسياً:
لقد اشتريت هذا الجاكيت قبل شهر أو شهرين بمبلغ مرتفع، وقد تعرض لمزع في كمه من سلك أو دربزين عمارة أو شارع، ويعز عليَّ ان أرميه!! فهو عزيز عليَّ وقد أحببت ارتداءه بمتعة لا تُصف!!.
فأقول له مُطمئناً: ولا يهمك سأرجع لك الجاكيت كما كان قبل المزع.. وبعد أيام يأتي ليأخذ جاكيته فيندهش جداً لأنه يبحث عن مكان المزع فلا يجده !! فيدفع الأجرة مع إبداء فرحه وشكره.
وعن الأسباب الأخرى التي تُحدث عيوباً ربما تكون مفاجئة لملابس الأشخاص!! مما يستدعيهم أخذها لرثى الملابس لإصلاحها فهي متعددة ومنها كما ذكر الآغا:
زهرة سيجارة تسبب ثقباً بملابس الرجال.
بروز طرف سلك أو قضيب معدن حاد يشبك بالملابس بقوة.
الجلوس على كرسي به مسامير بارزة.
اغلاق باب السيارة على طرف ملابس وانت تهم بالجلوس والنزول.
فحمة أو شرارة أرجيلة وقعت على الملابس فجأة.
الجلوس بشكل سريع والبنطلون ضيق فيسبب بتمزيقه من الخلف او الجانب.
حكايا مع الناس
وهناك من الزبائن من تكون لديه أسبابه الخاصة لحمل قطعة ملابسه كي يقوم الرثى
بعمل ما يطلبه الزبون.. ومن ذلك مثلاً حدثنا الآغا:
نقوم أحياناً برثي عيبٍ ما في بدلة كان صاحبها قد اشتراها بألف دينار أو أكثر.. لذا يرى صاحبها انه يعز عليه رميها والاستغناء عنها!!.
وقديماً هناك عروس استأجرت بدلة عرس بِ 50 دينارا، وأثناء الحفلة وكانت البدلة طويلة أكثر من اللازم فقد تعرقلت بطرف الثوب وتمزق جزء بسيط منها.. فما كانت إلا ان أحضرت أو زوجها ثوب العرس وقمنا برثيه بشكل ممتاز جداً، ودفعت لنا 20 ديناً أجرة الرثي.. وذلك أفضل من ان تدفع 200 دينار لصاحب محل تأجير بدلات العرائس كتعويض!!.
وهناك شاب جاء قديماً لرثي بنطلون قال أنه اشتراه من البالة وثمنه دينار.. وكان الرثي يحتاج لمجهود وتعب فطلب الآغا أجرة خمسة دنانير.. فقال الشاب: ان ثمنه كله بدينار!!.
لكن المهم هو تعب عملية الرثي وليس رخص أو ارتفاع ثمن البنطلون!! وهكذا وافق الزبون لأنه يحب هذا البنطلون جداً حتى أنه عاد بعد سنة ورثى موقع آخر به ودفع مبلغاً، أعلى من ثمنه عدة مرات.. المهم هو عشق الشخص لقطعة ما من ملابسة بشكل مدهش!!.
وبعض الخياطين عندما كانت عادة تفصيل البدلات سائدة في مجتمع عمان قبل هجمة الملابس والبدلات الجاهزة.. كان بعضهم يخطئ قليلاً بقص قماشة البدلة فتحتاج الى تصليح فوري فيأتي لدينا.. حيث كان الوالد عادل آغا يقوم على إصلاحها بكل دقة كبيرة لإنقاذ الموقف.
فن وخبرة وتعب
وعلى ماذا تعتمد تلك المهنة الفنية النادرة » رثي الملابس والسجاد والجلود»؟! هنا أشار
الآغا الى عدة أمور منها:
اليد والأصابع التي تحمل الإبرة.
العينان.
الدقة.
الصبر.
فن الألوان والصبغات.
الرسم بالخيوط.
وهل هذا الأمر متعب وشاق أم مسلٍ وممتع؟!
فابتسم الآغا معلقاً: الحياة ليست سهلة.. فلا بد من التعب مع المتعة للعيش في هذه الحياة.. فرغم كل ما أتعرض له من تعب فإنني أحمد االله الذي جعلني أعتمد على نفسي ولا أحتاج الى مد يد العون من أحد.. نعم مهنتنا فيها التعب المبارك من االله.
فمثلاً لا تنسَ أن مهنتنا متعبة للعيون ولليدين وللرقبة وللكتفين كذلك!!.
وكيف المحافظة على قوة النظر؟! وهل من أغذية خاصة لكم؟!.
كل سنة أو سنتين أغير نظاراتي للرؤية الأوضح.. كذلك نحرص على ان تكون الإضاة فوق القطعة التي نقوم برثيها إنارة بيضاء مناسبة.
أدوات بسيطة للرثي
وعن الأدوات التي يتم استعمالها أثناء الرثي فهي:
الأبر الرفيعة للملابس.
الإبر الغليظة للسجاد.
إبر منحنية.
مقص للرثي.
مكواة.
الطارة الدائرية لشد مكان الرثي على القماشة.
خيوط من نفس القماشة.
رثي السجاد والمقاعد
ولماذا الذهاب أحياناً الى بيوت بعض الزبائن للقيام بعملية الرثي؟! فأجاب فؤاد الآغا:
نذهب خارج المحل إذا كانت القطعة كبيرة يصعب نقلها الى محلنا.. مثل إصلاح السجادات العجمية الفاخرة وأطقم الكنبايات الفاخرة وربما الستائر الفاخرة وما شابه ذلك.
ونذهب أحياناً الى القصور والفلل و المسؤولين الكبار والمواطنين وكل من يطلب رثي السجاجيد العجمية وأطقم الكنبيات القماشية والجلدية التي تحتاج للرثي لترجع كما كانت فخمة وباهرة الجمال.
ملاحظات ومواقف
وعندما كانت لدينا بعض التساؤلات الأخرى حول هذه المهنة المدهشة!! شرح لنا الآغا عنها بما يلي:
نشتغل على رثي كل الأقمشة لكن أصعبها قليلاً أقمشة الحرير والنايلون.
يتم الاقبال كثيراً في فصل الشتاء على رثي وصباغة جلود جاكيتات السويترات للشباب.
يصدف قليلاً ان لا يرجع الزبون إلا بعد فترة طويلة لأخذ قطعة ملابسه التي تم رثيها.. وإذا لم يرجع بعد سنوات نتبرع بها للمحتاجين.. ولكن تنبهت منذ سنوات بأخذ رقم تلفون الزبون للإتصال به بعد فترة لأذكره بضرورة أخذ ما يخصه.
زبائننا من كل مناطق عمان والاردن عموماً.. وكان من أشهرهم قديماً جلالة المغفور له الملك الحسين، وسمو الأمير الحسن، وسمو الأميرة بسمة، وبعض الوزراء والمسؤولين الكبار، وأفراد كثيرين من الشعب الأردني والمقيمين في وطننا الأردني العزيز.