الغد
يستطيع المتابع للنشاطات والفعاليات الحزبية على امتداد المملكة أن يلمس حالة من التفاعل الإيجابي بين الأحزاب والنخب السياسية والتجمعات الشعبية وممثلي النقابات والقطاعات المختلفة، أما المطل على المشهد بصورة مباشرة فإنه يدرك أن أدبيات وشعارات الحوار قد تجاوزت خلال فترة قصيرة الأسئلة حول جدوى العمل الحزبي، ومدى النجاح الذي يمكن أن يحققه في الحياة السياسية الحديثة في ضوء قانوني الانتخاب والأحزاب الجديدين.
لم يكن متوقعا هذا الانتقال السريع من مرحلة التساؤلات والشكوك إلى مرحلة النقاش الموضوعي والحوار القائم على توضيح وفهم الإستراتيجيات بما تتضمنه من رسائل ورؤى وغايات وأهداف، وبرامج تحاكي كل قطاعات الدولة، وقضايا المرأة والشباب، وتتعمق لتصل إلى الخوض في ملامح البرنامج الانتخابي الحزبي استعدادا لخوض الانتخابات البرلمانية العام القادم!
في الحوارات العديدة والمكثفة التي انعقدت في مختلف مدن وقرى ومخيمات المملكة تركزت النقاط الأساسية على جدية التوجه الذي يرعاه ويصونه جلالة الملك، والتأكيد على أن عمليات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري هي بمثابة مشروع الدولة التي تدخل إلى مئوية ثانية من عمرها وفق منظومة متكاملة تضمن قدرتها على مقارعة التحديات الناجمة عن فشل بعض السياسيات المحلية، وعن الانعكاس السلبي للأزمات الإقليمية والدولية، وجميعها ضغطت على اقتصاده، وضاعفت من نفقاته للحفاظ على أمنه الداخلي والخارجي.
من الطبيعي أن تتواصل الأحزاب مع المجتمع لتطرح أفكارها ومنهجها السياسي والبرامجي من أجل أن تستقطب المزيد من الأعضاء، ومن الواضح أنها تسجل نجاحات في هذا المجال، لكن تلك الحيوية التي تبعث على الارتياح تشير إلى أن البيئة السياسية الأردنية آخذة في التوسع والنماء، ولا شك أن الصراحة التي يتحدث بها الجميع تدل كذلك على تطور في لغة الديمقراطية وأدبياتها بعيدا عن المجاملة، وبعيدا عن التجريح، وأقرب ما تكون إلى الكياسة والاحترام الذي يقتضيه حوار وطني من هذا النوع.
اللقاءات التي جرت بين الأحزاب وقطاعات محددة مثل المعلمين وطلبة الجامعات والمرأة والشباب ورجال الأعمال والإعلاميين والمثقفين وغيرهم كانت أكثر اقترابا من قضايا تمس تلك القطاعات ومشكلاتها من ناحية، وأكثر عمقا في كيفية صياغة تطلعاتها من خلال العمل الحزبي، وفي الحقيقة أن هذا المدخل في العلاقة بين الأحزاب والنقابات والاتحادات وهيئات ومنظمات المجتمع المدني أتى مبكرا سواء على المستوى الزمني أو الفكري.
هذه مجرد التقاطات لبدايات واعدة، ولا تجوز المبالغة في وصفها أكثر من ذلك، لكنها لم تكن متوقعة في هذه المرحلة، أي مرحلة التشكيل والتكوين والتنظيم التي تتطلب جهودا عظيمة حتى تكتمل عناصر الحزب ليصبح كيانا قائما وحاضرا في المشهد السياسي الجديد، وهذا الواقع يزيد من مسؤولية الأحزاب في تحديد اتجاهاتها، والحرص على عقد شراكة وطنية متينة مع تلك القطاعات لتصب في صالح مشروعنا السياسي، وفي تحقيق وتعميق المصلحة العليا للدولة بكل معانيها وأبعادها الوطنية والإقليمية والدولية.