عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Nov-2021

من يحمي الكتابة من طوفان الرداءة؟* بثينة البلخي

 الغد

عالم فائق السرعة، فرض وتيرته على كل شيء، بما فيه الكتابة كحالة وجدانية نستشرف بها مكنونات أرواحنا. لكن السرعة التي ميزت الزمن الراهن ألقت بظلالها على الكتابة، فاستجاب كثير من أصحابها لذلك المس الذي يصيب لحظة مجنونة يلح عليهم كي يفكوا قيود أفكارهم على وقع ما تشتهيه أرواحهم، أو أن تتماشى مع ما يريد القارئ، لتقع في فخ الرتابة وضيق الأفق، وتخشى المغامرة التي يتطلبها الإبداع.
 
هو فخ تربص بمعظم كتاب اليوم، فأصبحوا أكثر ميلا، ربما لما يسمونه هم التجريب، ولاستخدام النصوص ذات المزاج المحبب للشريحة الأكبر من القراء، كما لو أنهم يقدمون وجبة من “ما يطلبه الجمهور”، في وقت يتوجب عليهم فيه إحداث إزاحات مستمرة في الذائقة العامة وفي المزاج الأدبي، وابتكار أعين جديدة لتأمل الحياة بما يجعلها طازجة وشهية وبمذاقات مختلفة.
 
لماذا هي مسؤولية الكاتب؟؟ لأنه ببساطة هو من وضع نفسه في دائرة يدعي قدرته على مجاراتها، وهي دائرة الإبداع بكل ما تتطلبه من قدرة خلاقة وملكة في الابتكار، وهو أمر مطلوب في النصوص؛ شكلاً ومضموناً، فحين يكرر الأديب نصاً سابقاً ضمن نفس السياق، حتى وإن اختلفت المفردات، يدخل ضمن التكرار والرتابة، وأحيانا ربما ضمن دائرة السرقة، وعندها من الأفضل فعلاً التوقف عن الكتابة أو عدم تقديمها إلى الآخر.
 
لكن من يملك حق منع الضعيفين من تكرار حالة الاجترار التي نشاهدها اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما فيسبوك، والذي يزخر بالغث أكثر بكثير من السمين، وتغلب السطحية فيها على أي نصوص يمكن أن تكون عميقة، بحيث نرى “ثرثرة”، لا أكثر، عند مدعي إبداع!
 
فيسبوك ينقل، وغالبا بلا إبداع، ما يحدث خارج أسواره، بما يشبه عمل المرآة، فيكثف الصورة في بعض الأحيان، ويُظلِم أجزاء منها في أحيان أخرى، فيخلق لدى من يكتب رغبة بإيهام نفسه أنه أديب، وهو شعور يتضخم كثيرا بمقدار عدد الإعجابات التي يحظى بها المنشور، فبتنا نرى عشرات الإعجابات على كلام ركيك وسطحي ولا يقود إلى أي معنى، كل ذلك محكوم بالعلاقات التي بدأت بالنشوء في ما يسمى “دولة فيسبوك”؛ علاقات شخصية أو انسياق مع الجماعة أو رداً للجميل، والأكثر تشوها: عدم القدرة على تمييز الإبداع من الثرثرة الجوفاء.
 
إذا كان هذا هو حال “الإبداع” القائم اليوم في عالم السوشيال ميديا، فكيف يمكننا أن نخرج من هذه المعضلة؟
 
من حسن الحظ، هناك من ظل يؤمن بقدسية الكتابة والإبداع، وهم يعملون بجد، وباستمرار، على ابتكار بُنى جديدة في اللغة والأسلوب والتعبير والتصوير، وضمن رؤى فنية مبتكرة من شأنها جذب القارئ، بل والارتقاء بذائقته. هؤلاء من تقع مسؤولية حماية الجمال على عاتقهم، وهم مطالبون بترتيب موائد النصوص بما يغري الجالسين بالتهامها، ومطالبون بتحسين جميع الأجناس الأدبية وتطويرها، من أجل إيقاف مد الغباء والدمامة والرداءة القادم من فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، وإذا كان لا بد لنا من أن نستخدم السوشيال ميديا، فينبغي حينها أن نؤسس لجنس أدبي جديد يتماشى مع هذا المنبر، ويرتقي به وبمرتاديه.
 
إلى أن يبصر النور مثل هذا الجنس الأدبي سيظل مس الكتابة يتربص بأولئك المتعطشين لذر أرواحهم وسط الحروف كي تغمر أحاسيسهم فتجد سبيلها الأقرب في الوصول إلى الآخرين، ووحدهم عشاق الحرف سيميزون الجمال من القبح، والجيد من الرديء.