عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Dec-2024

ما تأثير فوز ترامب على صعود اليمين المتطرف في أوروبا؟

 الغد-جون كامبفنر* - (الإندبندنت) 2024/11/9

 
من ميلوني في إيطاليا إلى لوبن في فرنسا، سيستمتع هذا التيار اليميني بنشوة انتصار ترامب. ولكن، لئن كانت الموجة الأولى من الشعبوية متخبطة وغير احترافية، لا ينبغي أن نتوقع تكرار مثل هذه الأخطاء هذه المرة. وبغض النظر عن تصرفات ترامب، فإن هذا وقت محفوف بمخاطر جسيمة، ولكنه قد يمثل أيضاً فرصة ثمينة لأوروبا لتعيد تنظيم صفوفها وتستعيد ثقتها بقوتها الذاتية.
 
 
استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تتعكر الأجواء في أوروبا، على الرغم من أن احتمالات فوز دونالد ترامب كانت قد اتضحت بالفعل. فخلال ليلة الثلاثاء التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، تجمعت نخبة المجتمع في برلين في فعالية نظمتها الأكاديمية الأميركية و"معهد آسبن" لمتابعة الانتخابات.
في أحد العروض، تحدث محللون من مؤسسة "يوغوف" Yougov لاستطلاعات الرأي عن مدى رغبة الناخبين الأوروبيين في فوز كامالا هاريس (باستثناء إيطاليا جورجيا ميلوني). لكن الاستطلاعات أظهرت أيضاً أنهم توقعوا فوزها بهامش كبير بالقدر نفسه. بناءً على ماذا بالضبط؟ الأمل نبعٌ لا ينضُب. الداء الليبرالي، الداء الأوروبي.
إذا كان هناك أي شيء حسن سينبثق من عودة ترامب، فسيكون تحطيم الأوهام الأوروبية. ففوزه الحاسم هذه المرة، بما في ذلك في نسبة الأصوات، يزيل أي شك متبقٍ حيال متانة الحركة الشعبوية العالمية التي يقودها. ولا يمكن أن يُعزى ذلك إلى الصدفة، أو التهديدات، أو التلاعب الإعلامي، أو فلاديمير بوتين -حتى لو أن هذه العوامل لعبت جميعها دوراً على الهامش.
سيكون التأثير على التيار السياسي السائد في جميع أنحاء أوروبا هائلاً. أينما نظرت، ستجد الأحزاب من يسار الوسط إلى يمين الوسط تتخبط. وفي ألمانيا الغارقة في سلسلة من الاجتماعات المتأزمة، يمكن أن ينهار الائتلاف الألماني المتشاحن المكون من ثلاثة أحزاب في الأيام المقبلة. وفي فرنسا، يتصاعد القلق تجاه مارين لوبن، التي أصبحت فرصها في الانتخابات الرئاسية المقبلة أقوى من أي وقت مضى.
وفي إسبانيا، يواجه بيدرو سانشيز انتقادات شديدة بسبب الفيضانات المدمرة، مما يزيد من صعوبة وضعه في حكومة هشة. وعلى النقيض من ذلك، لا يواجه السير كير ستارمر في المملكة المتحدة تهديداً مباشراً، لكن المزاج العام هناك بعيد عن التفاؤل.
سارع قادة أوروبا إلى تهنئة ترامب والتعبير عن "صداقتهم الأوثق من أي وقت مضى" معه. وهو سيتعامل معهم كما يحلو له، مبتسماً أحياناً ومتجهماً أحياناً أخرى، مستغلاً هذه العلاقات لتحقيق مكاسب متبادلة. أما الزعيمان الأقرب إلى قلب الرئيس الجديد فسيكونان فيكتور أوربان في المجر وجورجيا ميلوني في إيطاليا، المؤيدان المخلصان له في القارة الأوروبية.
لطالما كان أوربان قوة مثيرة للجدل داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الـ"ناتو"، في حين اتبعت ميلوني كزعيمة لإيطاليا نهجاً متماشياً مع سياسات الدعم لأوكرانيا، مقابل السماح لها بتعزيز نفوذها في الداخل باستخدام الاستراتيجيات الشعبوية المعتادة، مثل تقييد استقلال الإعلام والقضاء وتشديد سياسة الهجرة (كانت خطتها في ألبانيا موضع تساؤل وليس انتقادا). والآن، لن تشعر بأي قيود على أي جبهة.
وفي جميع أنحاء أوروبا وخارجها، ستزداد جرأة الشعبويين من اليمين المتطرف واليسار المتطرف، (بل وبعض الشخصيات التي تجمع بين التوجهين، مثل الألمانية الصاعدة سارة فاغنكنخت) بسبب النجاح المدوي لترامب.
حين يكون هؤلاء الشعبويون في السلطة، سيدفعون بأجنداتهم بقوة أكبر، وحين يكونون في المعارضة سيقاتلون بشراسة أكبر من أجل السلطة، مستخدمين قواعد لعب مماثلة لترامب. سيبحثون عن المزيد من المكاسب لـ"حزب التجمع الوطني" بزعامة لوبن، وحزب "البديل من أجل ألمانيا"، وحزب فاغنكنخت (BSW) وحزب فوكس في إسبانيا. وفي بولندا، خاض دونالد توسك بالفعل معركة شرسة لصد عودة "حزب العدالة والحرية" اليميني المتطرف الذي استخدم ولايته الأخيرة لتقويض الحريات الليبرالية.
كان الدرس الذي تعلمه أوربان هو استغلال الفترة التي قضاها في المعارضة لزيادة تطرف برنامجه في الحكم. وقد فعل ترامب الشيء نفسه. كانت الموجة الأولى من الشعبوية في العام 2016 متقلبة وغير ناضجة في كثير من الأحيان. ولكن لا يتوقع أن تحدث مثل هذه الأخطاء هذه المرة.
بينما يصبح التطرف هو التيار السائد الجديد، يتراجع التيار التقليدي القديم، خالياً من الثقة وغير قادر على تحديد المساحة التي يجب أن يشغلها. وفي ما يتعلق بالهجرة، يحاول هذا التيار التقليد، من ألمانيا إلى بولندا، مع فرض قيود متشددة وإغلاق الحدود المفتوحة في أوروبا بسرعة.
أقنع ترامب غالبية الأميركيين بأن جو بايدن جعلهم أسوأ حالاً بكثير. صحيح أن الكثيرين كانوا يشعرون بالضغط، لكنّ نمو الاقتصاد الأميركي كان باستمرار أعلى من منافسيه الأوروبيين (الذين كانوا يعرفون سابقاً كشركاء). ولكونه متحدثاً بارعاً، سيستفيد ترامب من التعافي الاقتصادي ويعزو الفضل في ذلك إلى نفسه.
في الوقت نفسه، سيهدد الصين وجميع المصدرين بتعريفات جمركية قد تتراوح بين 60 في المائة و10 أو 20 في المائة بشكل استثنائي -بغض النظر عن المستوى الذي سيتم تحديدها عليه، ستظل مؤلمة. سيهدد، ويضغط، ويُقنع. وستجد أوروبا الضعيفة والمنقسمة صعوبة في التصدي له، وستتحمل العبء الاقتصادي.
من شبه المؤكد أن ترامب سينسحب من اتفاق باريس للمناخ مرة أخرى، ولكن هذه المرة، قد يواجه مقاومة أقل. وبغض النظر عن الدمار الذي أحدثه التغير المناخي، فإن الحركة الخضراء الآن في موقف ضعيف.
أما أهم مجهول معروف، على حد تعبير دونالد رامسفيلد، فهو أوكرانيا. ما الذي يعنيه بالضبط شعار ترامب الأسطوري "السلام في يوم واحد"؟ عبر أوروبا، قام اليمين المتطلف بتحوير كلمة "السلام" لتصبح مرادفاً لفعل ما يريده بوتين. 
ولكن هل ستستفيد أميركا من توسع روسيا أكثر في أوروبا، كما تفعل بنجاح في جورجيا وبالنجاح نفسه تقريباً في مولدوفا؟ هل يرضى ترامب أن يقاتل الجنود الكوريون الشماليون (ويحسّنون تدريبهم) على الأراضي الأوروبية؟ وما الرسالة التي قد يبعث بها ذلك إلى الصين؟ ستبقى الإجابات عن هذه الأسئلة غير واضحة إلى أن يقرر ترامب بشأنها فجأة.
مهما كان ما سيفعله، فإن هذا وقت خطر شديد. كما أنها فرصة محتملة لأوروبا لإعادة تنظيم صفوفها. وكما قال توسك قبل ثلاثة أيام من الانتخابات الأميركية، يجب أن تكون هذه هي اللحظة التي "تنضج فيها أوروبا أخيراً وتؤمن بقوتها الذاتية. ومهما كانت النتيجة، فإن عصر التفويض الجيوسياسي قد انتهى".
هل ستفعل أوروبا المزيد لتأمين دفاعها الخاص؟ هل ستتمكن من إيجاد صوتها الخاص وقوتها العالمية؟ مع الجيل الحالي من القادة، فرص حدوث ذلك، للأسف، منخفضة للغاية. وأنا شخصياً لن أستسلم للأفكار الحالمة.
 
*جون كامبفنر John Kampfner: مستشار في "غوغل" لشؤون حرية التعبير والثقافة.