عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Aug-2020

الحكومة و”الإخوان”.. معركة علنية عبر بوابة المعلمين

 

عمان – الغد – يسيطر التأزيم على العلاقة بين الحكومة ونقابة المعلمين، بعد إصرار النقابة على المضي قدما في احتجاجها ضد القرارات الحكومية، تحت غطاء علاوة المعلمين، و”نكث” الحكومة باتفاق تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، و”نكوصها” عن العمل به، علما بأن قرار تأجيل العلاوات شمل جميع موظفي الدولة ولم يستهدف المعلمين دون غيرهم.
فهل تستحق العلاوة المؤجل تحصيلها لعدة أشهر فقط كل هذا التجييش والتحشيد، ودفع الناس إلى النزول إلى الشوارع، وتنفيذ اعتصامات واحتجاجات، والسماح لجهات خارجية لأن تمارس أجنداتها على أرض الوطن، إلى جانب علو أصوات أبواق هذه الجهات الإعلامية بهدف عكس صورة غير حقيقية تتمثل بأن الفوضى تعم الأردن، من أقصاها إلى أقصاها.
حتى من يطلقون على أنفسهم بالمعارضة في الخارج، يحاولون استثمار هذا الخلاف وتوجيهه بأشكال لا يقبلها الأردنيون أنفسهم، فدعواتهم للتظاهر والاحتجاج بحجة دعم النقابة، وراؤها أهداف تمس الوطن بأكمله، ولما رأينا بعضهم يستهويه الظهور على محطات فضائية لم تتعامل مع الأزمة في الأردن بمهنية الرأي والرأي الآخر، ونشرت هي ومواقع إخبارية خارجية كل من شأنه أن يظهر الأردن وكأنة في دوامة من المشاكل الداخلية.
الشعب، لم يكن في يوم من الأيام ضد المعلم، ولا ضد حقوقه ومكتسباته، ومطالبه، وحجم التعاطف الكبير مع النقابة كان واضحا إبان الأزمة الأولى رغم ما خلفته من وجع للعام الدراسي الماضي، لكن رغم التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي مع دخول الأزمة الثانية بين الحكومة والنقابة والتعاطف مع المعلم، إلا أن هناك أصواتا تتسائل عن الأهداف والغايات إذا ما دار الحديث حول توقيت التصعيد.
النقابة عملت بشكل مدروس، بعد سوق حزمة مبررات، على صناعة مشهد التأزيم؛ حيث حددت زمانه ومكانه، فاختارت التوقيت الذي يستبق بدء العام الدراسي، وهو ما يعني أنها تحاول التأثير بخصوص استدامة العملية التعليمية التي تمكنت في العام الماضي من عرقلتها لمدة 30 يوما، وهو ما انعكس على الطلاب والمعلمين وتسبب بفاقد تعليمي، ضاعفت جائحة كورونا من آثاره وانعكاساته.
كما اختارت أماكن الاحتجاجات بالقرب من الدوار الرابع ثم عملت على تشظيتها في المحافظات على التوالي، لخلق انطباع عام بوجود حالة شعبية متعاطفة ومؤيدة للنقابة.
وكان نائب عام عمان قرر في 25 تموز (يوليو) الماضي كف يد أعضاء مجلس نقابة المعلمين وأعضاء الهيئة المركزية وهيئات الفروع واداراتها ووقف النقابة عن العمل واغلاق مقراتها لمدة سنتين.
السؤال الوطني الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة الحرجة، هل من المناسب أن تختار النقابة توقيت المكاسرة مع الحكومة في هذه المرحلة التي تواجه فيها الدولة الاردنية تحديات جسام؛ لعل أبرزها ازمة كورونا، والوضع الاقتصادي المحلي الصعب، ناهيك عن اعتزام حكومة نتنياهو- غانتس إقرار ضم أراض في الضفة الغربية المحتلة، وصفقة القرن، التي تفرض تحديات كبيرة على القضية الفلسطينية والأردن، بالإضافة إلى تعقيدات العلاقات العربية- العربية.
إذا؛ لماذا اختار مجلس النقابة هذا التوقيت بالذات؟، وهل يوجد عقل لمجلس النقابة؟، أم انه مستلب لأجندات غير نقابية، وربما إخوانية؟، وبأدوات أيضا خارجية، من ظاهر الأمر أن المعركة التي خيضت طوال الأعوام الماضية بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين بشكل غير علني، باتت اليوم أكثر وضوحا ولا يبدو أنها ستنتهي في القريب العاجل، إذا لم يتم الاحتكام للعقل. الرهان هنا على وعي الشارع وإدراكه بضرورة تغليب المصلحة العامة مهما اختلفت جميع الأطراف فيما بينها.
فما أن أعلنت محكمة التمييز اعتبار جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، “منحلة” و”فاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية”، لعدم تصويب أوضاعها القانونية، حتى عملت النقابة على تسديد الضربة القضائية عبر الاحتجاج الميداني، وإحداث ربكة في الشارع، وكسر قانون الدفاع.
ومن يراقب خطاب قيادة نقابة المعلمين، يلامس عدم النضج النقابي والإعلامي الغارق في الشعبوية غير المعقلنة، أو الحكمة والرشد. فهل تستحق العلاوة أن تغلظ من أجلها الأيمان، وأن يقسم أن “دونها الرقاب”، والقسم أنه “لو ارتدت علينا الكرة الأرضية فلن نتنازل عن علاوتنا”.. هل تستحق العلاوة كل ذلك؟.
محاولات النقابة الحثيثة لاسترداد علاوة هي محاولة “تلزيم” سياسي للدولة تحت عنوان تنفيذ اتفاق تشرين أول، الذي تتذرع به النقابة لسوق مبررات الفوضى، وهو بكل الأحوال خطاب استقواء على الدولة الأردنية التي ستحتفل في عامها المقبل بمرور 100 عام على تأسيسها، ومسعى يهدف إلى خرق السفينة التي تواجه أمواجا عاتية ومتلاطمة، والجنوح بها إلى مآلات لا تحمد عقباها، بل ويجعل التعليم والطلاب والوطن رهينة لمجلس نقابة موجهة الإرادة والغايات والأهداف.
التأزيم الذي اصطنعته النقابة، جمد جهود الحوار مع الحكومة، وعمق الأزمة. والأزمة، هذه المرة، كبيرة وخطيرة، ولن تؤول إلى ما آلت إليه سابقتها. ويجب على الجميع؛ حكومة ونقابة، الاستدارة سريعا وبدون إبطاء، والعودة إلى طاولة الحوار، لأنه بغير هذا المسلك ستتوالى الأضرار، ولن ينتهي حصر الخسائر؛ نقابيا وحكوميا ووطنيا.
فالعلاوة لا تستحق كل هذا الانتحار.
وساطات عديدة سبقت التصعيد قبيل العيد، لكنها لم تنجح في توفير ضمانات للحكومة يقدمها مجلس النقابة تتمثل في وقف الاحتجاجات وضمان بداية مثالية للعام الدراسي، ما أسفر عن غلق باب الحوار بين الطرفين، لكن الباب ما يزال مفتوح أمام العودة إلى تغليب المصلحة العامة، حتى لا تذهب الأزمة إلى أبعد مما هي عليه الآن، وبالتالي تضيق مساحة الحل على حساب التأزيم.
الحكومة من جانبها، مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تتعامل مع الأزمة بهدوء أكثر، وألا تدع مجالا لأي كان أن يستغل ما يجري اليوم في المحافظات من احتجاجات لبث سمومه، وأجنداته وأهدافه.